[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

فيما يرى النائم!

"غدوت وإياك ياصديقي على مقربة من تحقيق بعض آمالنا التي لطالما راودتنا منذ زمن بعيد وهانحن قاب قوسين أو أدنى من تحققها رغم أننا بالمقابل ياصديقي على مقربة من موعد تقاعدنا أو بلوغنا أحد الأجلين كما يُصطلح في قواميس الخدمة المدنية"..

هذا جزء من حديث مطول لأحدهم وهو يوشك على إتمام بناء منزل صغير لأسرته الصغيرة أيضاً في أحد الأطراف البعيدة للعاصمة صنعاء حيث لاتزال مظاهر الحياة المفترضة للسكنى منعدمة تماماً ولكن صاحبنا تفاءل بذلك كثيراً لأنه منذ اللحظات الأولى لحصوله على وظيفة بسيطة في إحدى المؤسسات الحكومية قبل 27 عاماً وهو يخطط لبناء مسكن بمواصفات تليق بالمستويات الدنيا للحياة الآدمية..

ولم يطمح حتى بربع فيلا على غرار تلك الفلل الأربع التابعة لمديره العام والتي رزقه الله إياها بمجرد تعيينه مديراً عاماً قبل أقل من أربع سنوات مثل كثيرين غيره ممن استباحوا هذا البلد طولاً وعرضاً وقويت شوكتهم وتعززت مقدراتهم وغابت عنهم مصلحة البلد فيما حضرت مصالحهم بقوة على حساب آخرين ممن لم يخدمهم الحظ، المهم أن قبول الرجل الملتحق بالوظيفة العامة بمسكن في أطراف المدينة حيث تتساوى مواصفات تلك البقعة بالطبع مع مواصفات بعض أحياء العاصمة من حيث عدم أهلية طرقها ومواصفات شبكات الصرف الصحي جاء من منطلق القول الشعبي "نصف الويل ولا كله"..

ولكن ورغم كل ذلك القبول فقد تبددت كل لحظات الفرح والسرور التي انتابت الرجل بمجرد استيقاظه من النوم لأن كل ذلك كان حلماً أكد له من جديد ضرورة بقاءه في عالم الحالمين حتى حين وعدم حتى مجرد جواز تفكيره باستئجار منزل لائق ناهيكم عن امتلاكه، ومن ثم قرر ألا يحلم بعد اليوم لأن أحلامه أرهقته كثيراً وهو يجدها تتطاير في السماء وتتبخر ولاتجد سبيلاً للتحقق واقعياً فلطالما حلم وتبددت أحلامه ،فمن تلك الأحلام مايلي:

حلمه المتكرر بحياة هنيئة يتمتع فيها بحقوقه وواجباته كاملة دون إنتقاص فيحلم مراراً بتيار كهربائي يدوم نصف يوم بلا انقطاع وبمياه شرب نقية تأتيه حتى مرتين في الشهر ويحلم بحياة هادئة لا تعكرها فوضى السماسرة في كل تفاصيل وشؤون حياتنا وكذا يحلم بمستشفى يحصل فيه الناس على الإمكانات البسيطة للتداوي ولاتسود فيه عمليات البيع والشراء في أغلى مايملك الناس "الصحة" ،ولكنها أحلام وليس أكثر..

أحلامه المتكررة بمدن لايفضح بنية شوارعها "الهشة" منسوب مياه بسيط كلما حل موسم الأمطار وهو منسوب لا يصل إلى المعدلات الدنيا من مناسيب مياه الأمطار الغزيرة التي هطلت على كثير من مناطق العالم حتى انكشفت عورات شوارعنا (في اليمن ) بيسر وسهولة لُيزاح الستار عن عمليات التلفيق التي سادت العمل في شوارع مدننا ومنها العاصمة صنعاء التي تقلص فيها الفارق كثيراً بين شوارعها و شوارع بعض المناطق الريفية فلم يعد ثمة شارع واحد يعيد الإعتبار لمدينة كصنعاء وكل ذلك بفعل صفقات المقاولات التي يمتد تاريخها لعشرات السنين والتي من بنودها "تنفيذ شوارع بهذه المواصفات " التي تتناسب كثيراً مع المواطن في اليمن وبالتالي تقاسم الصفقة مع الجميع والبلد له الله..

أحلامه باختفاء ذوي النفوذ وتقلص مداهم وانحسار جاههم تبددت ولم يتحقق منها شيء ولا يبدو أن شيئاً سيتحقق لأنه بمرور الأيام وتعاقبها تتجسد قدرة هؤلاء على مزيد من إثبات ذواتهم وذوات ذويهم وأقاربهم وعشائرهم وبنيهم أكثر بعشرات الملايين من المرات من قدرة أي عالم أو باحث أو متفوق في هذا البلد من أن يُثبت ذاته وقدرته العلمية والبحثية في بلد يُعير الإهتمام كله لآخرين ممن تخدمهم صلابة وقوة نفوذهم المتأصلة والتي لا يُخشى معها شيء..

-أحلامه بواقع يسود فيه نفوذ القانون والعدل والنظام والمساواة ويتفرغ فيه المسؤولون من الوزراء والمدراء والمعنيين لبناء هذا البلد كل في مجاله وليس تلميع ذواتهم وبناء مستقبلهم ومستقبل من بعدهم بمزيد من "الهبر" و"اللطش" و"السطو" والإفساد على حساب حقوق الناس والبسطاء والمطحونين والمغبونين والمعدمين والجوعى على إمتداد هذا البلد ،،كل تلك الأحلام لم يكن لها أن تصير إلى حقائق بعد..

أحلامه بخطوط سير تبتعد وظيفتها عن خطوط لصناعة الموت كل يوم وتقتل كل عام ما يقرب من ثلاثة آلاف بني آدم وهو عدد يفوق ضحايا حرب ضروس في أي بقعة من العالم وتلعب فيه هزلية السائقين وقيادة المراهقين والأطفال واللامبالين وغياب القانون دور البطل في تلك الحوادث ،مثلما يلعب حال الطرق ووضعها واستحداثات التجديد فيها بدون إشارات أو تنبيهات دوراً مماثلاً ،كل ذلك ظل عند مستوى أحلام تبددها الأعداد المتزايدة لضحايا حوادث السير ،

أحلامه باختفاء مظاهر التسول من شوارع مدننا وحتى أريافنا من قبل الأطفال والنساء والشيوخ الذين أجبرتهم قسوة الزمن والفاقة على ذلك رغم أن من بين تلك النسوة والفتيات والأطفال المتسولين من يمتلك إحساساً وكرامة وحباً لهذا البلد أكثر من بعض أولئك المتخمين الذين تنتهي لديهم كل حسابات الإحساس والإنسانية عند حضور مصالحهم الشخصية وتُنتهك على أيديهم وتحت أرجلهم كل مصالح البلاد والعباد ،،وهكذا تبددت كل الأحلام وغدت فقط أحداثاً وأفعالاً لكنها فقط" فيما يرى النائم"...

زر الذهاب إلى الأعلى