وأنا أقرأ المقال الذي كتبه العميد الركن طارق محمد عبدالله صالح قائد الحرس الخاص بعنوان "صبراً آل عزيز" ونشره العديد من المواقع والصحف في اليمن، تبادرت إلى ذهني الكثير من الأفكار والخواطر..
..
وقال فيه العميد طارق كلاماً واضحاً وقوياً ينم عن فهم وكياسة ونبل وشجاعة، وبينت الردود والتعليقات على المقال مدى تأثيره الصادق على من يقرأه، إذ حمل المقال هماً ملموساً تجاه قضية صعدة وسلواناً جميلاً لآل الشيخ الصامد صغير بن عزيز النائب البرلماني الذي وقف وقوف الأبطال أمام محاولات التركيع والانتقام من قبل عصابة الحوثي التي تستغل كل اتفاق سلام تبرمه مع الحكومة لتعيد ترتيب وضعها وتصفية المناوئين لها لتصطدم في كل مرة برجال يرفضون الخضوع ويأبون منطق العصابات..
لم يقف الجيش على الحياد وهو يرى تآلب الحوثيين على بن عزيز ورجاله ولكنه في ذات الوقت حرص على عدم تطور الأمر إلى حرب سابعة خصوصاً وأن الحوثيين أولموا مجاميعهم من كل حدب وصوب وأرادوا رأس الرجل ولكن الله نجاه.
لن نتحدث اليوم عن الخطأ الكبير الذي تكرره الحكومة عقب كل اتفاق حينما تترك صعدة بلا حضور أمني كافٍ وعمل لوجستي يحول دون تشكل الحوثيين من جديد ويعمل على صون أرواح المواطنين من بطش عصابات الحوثي، بل سنتحدث عن قصة جيشنا الذي لم يقصر في ابتغاء العصابة وهو في كل مرة يوشك أن يسقطهم بالضربة القاضية فتأتي الأوامر من القائد الأعلى بالإيقاف والتراجع..
أقول: نحتاج لمجلدٍ كامل نحصي فيه بعضاً من بطولات إخواننا أبناء القوات المسلحة والأمن طيلة الجولات الست.. ووحدهم أبناء صعدة يحكون لك تلك البطولات علماً أن بعض المناطق والتلال في هذه المديرية أو تلك سميت باسم شهيد قدم روحه فداء لبقية أبناء وطنه ووفاء لدماء الشهداء وحرصاً على بقاء سلطة الشعب في مناطق التمرد الكهنوتي الأعمى.
أما فيما يتعلق بنماذج الإيثار في الروح ساعة الوطيس فلقد سمعت الكثير من القصص المؤثرة يرويها جرحى من الجنود نجوا بسبب إصرار زملاء لهم على الموت دونهم.
يحاول الحوثيون تشويش الصورة بالحديث عن تجارة للسلاح واستسلامات بغرض الحفاظ على الأرواح، وهذا يحدث في كل حرب على مدى التاريخ وعلى امتداد الخارطة، والفارق فقط في نسبة هذه الظواهر، ومع كل ما يمكن حصره في هذا الصدد يظل الجندي اليمني فريداً في تفانيه عجيباً في انضباطه، إذ أي جيش في العالم تفطمه من النصر خمس مرات ثم تأمره من جديد فيأتمر؟! بل ولو دعي لعاد، وكأنه يخوض الحرب لأول مرة..
لا يمر يوم في صعدة إلا وترى على زجاج السيارات صورة شهيد جديد وقصة فداء لم يدونها أحد.. وبفضل المولى سبحانه جاءت مواجهات الحوثي مع الجيش السعودي لتفصح للجميع أن أسودنا ما قصروا! هذا الجندي المرابط هناك في نقطة نائية في طريق طويل.. كل سيارة تقترب منه معناه موت محتمل وحوثيون مختبئون، وكل سيارة تمر من أمامه بسلام معناه ولادة عمر جديد..
يحدث هذا كل 3 أو 4 دقائق.. ما الذي يجبره على البقاء في وضع كهذا؟! أهو الراتب المغري أم الهواء المنعش في نقطة نائية؟!
بالطبع، ليس هذا ولاذاك.. كل ما في الأمر قطعة من قماش ترفرف على سارية البرميل المهترئ أمامه..
إنها قطعة من قماش تحمل في ألوانها قصة وطن وترفرف معها أشواق شعب.. إنها قطعة من قماش تختزل قصة السنين والحنين ودماء الشهداء الميامين.. وهي اليوم راية حلمنا وبيرق أيامنا القادمات وبحمايتها نتعبد رحمن الدنيا والآخرة أياً يكن اليوم واقع الحال وسطوة الغبش.. هي قطعة من قماش ترفرف فوق سارية الروح ومثلها ترفرف واحدة في أقاصي حوف وأخرى في سقطرى، وعلى سواحل ميدي، وفي قمة جبل الدامغ أو في فيافي ثمود..
أيها العابرون على جرح صعدة، يا من تتلقون أفكاركم من أفواه الشائعات.. أسوأ ما في هذه الأزمة أن للسياسة حساباتها الصائبة أو الخاطئة، لكن علينا أن نثمن جيداً أداء إخواننا في الجيش والأمن لأنهم شوكة البلاد ومن ذا الذي يا صاح يدخل هازلاً في لعبة الروح.. لا.. لقد أدركوا أن تلك العصابة ما لم تعد لرشدها فهي تستحق المواجهة ولكن: ما حيلة الليث إذا قال له الغضنفر: عُدْ؟!