آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

عن الجدل الإسلامي العلماني في السعودية!!

أثناء تجوالي على جملة من النقاشات على هامش رحيل الدكتور غازي القصيبي استلفتتني حالة التقاطب العجيب بين مثقفي المملكة على أساس الليبرالية والإسلامية الأمر الذي عاد بي 30 عاما في اليمن أيام كان الجو الفكري والسياسي نسخة شديدة السخونة لما يدور الآن في المحافل والمنتديات السعودية.

بالطبع لم أعاصر فترة السبعينات، ثنائية التقاطب والسخونة، باعتبار أن مداركي تفتحت في أواخر الثمانيات (من مواليد 1976). لكن ألسنة لهب المعارك تلك امتدت إلى أواخر التسعينات وعايشت منها الكثير من الشواهد. إضافة لما قرأته من نتاج فترة التطاحن السبعيني بين التيارين الاسلامي والعلماني الذي لم ينحصر على زوايا الفكر والسياسة بل امتد إلى ساحة المواجهة المسلحة والاغتيالات والتصفيات بناء على قناعات هذا التقاطب. ومثالها ما عرف بحرب المناطق الوسطى في اليمن بين جبهة اليسار المدعومة من عدن من جهة وقوات صنعاء (المدعومة من الرياض) والاسلاميين من جهة ثانية.

حفلت تلك المرحلة بالنقاشات والمناظرات والقصائد والاناشيد التي تعكس زخم ذلك التمفصل. ومنه قول الشاعر الاسلامي عبد الفتاح جمال لصديقه العلماني:

ياصديقي لا تسل عن جرح أنفي
إنه جرح قديم من زمامي
من بقايا مِقْوَد الذل وشدّات الخطام..

إلى أن يقول:

يا صديقي
أنا رجعيٌّ إلى الاسلام دربي
فتقدم أنت نحو الجاهلية

قامت الوحدة ثم اندلعت حرب الانفصال بين صالح والبيض ولم تزل الزوامل والاشعار تعكس النفس الايديولوجي المسيس في الصراع. ومن ذلك قول أحد اليساريين:

يا عيوني لا تباتي سهارى
ضيع الناس الريال السعودي
لو علي سالم وحيدر نصارى
عاد في صنعا سعيد اليهودي

.....

أقول: رغم أن الحياة الفكرية والأدبية قد ازدهرت كثيرا في العقدين الاخيرين في المملكة إلا أنها أفضت إلى تقدم نحو الوراء.

في اليمن أفضت اللعبة السياسية إلى تحالف أعداء الأمس (الاسلاميين والعلمانيين) لمنافسة الحزب الحاكم الذي هو خليط من كل شيء.
هذا التحالف غيّر تماما قواعد الخلاف الفكري في اليمن وصار الجميع يرفعون نفس الشعارات ويختلفون حوال البرامج. و"كعكة" المصالح.

المسألة نسبية بشكل عجيب.. علمانيو المملكة يشبهون اسلاميي اليمن، وسلفيو الكويت مثل إخوان اليمن.

لا يوجد إسلامي في اليمن لا يحب غازي القصيبي.. حسب تقديري ودون تعميم مطلق.
ولا يوجد ليبرالي يمني لا يحب عايض القرني.

والناتج المتوفر الان في نخب اليمن جيل يحب نزار قباني وأحمد بن حنبل وجمال عبدالناصر وجارسيا ماركيز وزوربا وطلال مداح وسعد الغامدي وماهر المعيقلي وناصر القصبي وعفراء هزاع وميل جبسون وروبرت دنيرو وأحمد ديدات وقناة وصال...

وكل ما سبق لا ينفي حقيقة كوننا في اليمن من ناحية الادارة: صفْر. بل ونعاني من نزيف مخيف في الولاء الوطني. لكنّ التمفصل هنا في المملكة عميق وصارخ.. بلغ حدّ الشح في إزجاء المواساة.. ولا عزاء لأستاذنا العشماوي.

زر الذهاب إلى الأعلى