هذه الرشفات خواطر روحية، إيمانية، خطرت وتخطر لكاتبها في مناسبات ومواقف شتى يرصدها ويدونها ويحفظها ويشرككم فيها. وستقرأونها على هذا الموقع بإذن الله تع إلى وذلك كل ما استجد منها ما يكفي لتقديمه لكم مائدة روحية.
الأولى : أخي يستزيرني
ما أكثر مشاغل هذه الحياة وما أمضى سلاح (س و سوف) ، مضت أيام وأيام لم أزر خلالها أخي الذي رحل عبدالباسط ، و أمر إنقطاع الزيارة لم أخبر به احد ولم يشعر به أحد ، وبينما كنت يوم الخامس من رمضان الجاري في المكلا مع أخي سعيد إذ به يسألني : لم تزر عبدالباسط منذ فترة ؟ استغربت في نفسي وأجبت لا، وسألته : ما الخبر فقال لي : لقد اتصل بي عبدالباسط في المنام يسألني : ((مرعي موجود)) ، والحلم يحمل دلائل عدة على حقيقة الحياة البرزخية فالميت يشعر بمن يزوره ويشعر كذلك بمن لا يزوره خاصة من الأقرباء المقربين، والميت أيضاً مهما كان اعتقادك بصلاحه واستقامته يحتاج إلى زيارة الأحياء وليس دعائهم فقط ، ليس هذا فحسب ولكن في فترات لا تطول . وبصراحة كانت هذه الرؤية المنامية دافعة لي للبدء في كتابة هذه الرشفات الروحية وقد عزمت حينها أن أضعها الأولى في الترتيب وقد فعلت ولله الحمد.
الثانية: اليقين مفتاح الروحانية العالية
الروحانية العالية هي أنفس ما في هذه الدنيا وهي غاية سعى ويسعى لها أولو الألباب ، إنها تعني القرب من الله عز وجل ، إنها تعني روح تطرب بلذيذ مناجاة الله وتسعى للمزيد منها ، إنها تعني روح يخفق بحب الله وبذل الغالي والنفيس للظفر برضوانه ، روح راحتها أن تكون لله كما يريد ، روح لا يشغلها المظهر عن الجوهر، روح تجاهد في سبيل الله حدائها قوله تع إلى ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)).
إنّ مفتاح الوصول إلى هذه الروح هو بلوغ مقام اليقين ، اليقين بالله وبطبيعة هذه الحياة وبموعود الله في الآخرة بداية من الوفاة واليقين بالرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم ، وإنّ طريق الوصول إلى هذا اليقين بعد توفيق الله وفتحه يكون بالتفكر في كتاب الله المسطور القران الكريم وهو جامعة اليقين ((إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ )) ، و التفكر في كتاب الله المنظور ( الكون ) ((وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ )) وقال الله تع إلى (( إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) )).
وطريق الأول التدبر والثاني التفكر بالاستفادة من معطيات التقدم العلمي والتكنولوجي خاصة وسائل الإعلام كالتلفاز وأقراص الكمبيوتر بما تحويه من أفلام علمية وبرامج علمية ويأتي في المقدمة هنا قناة الجزيرة الوثائقية و قناة ابوظبي ناشيونال جغرافك وبرامج الإعجاز التي يقدمها الشيخ عبدالمجيد الزنداني و الدكتور مصطفى محمود في برنامجه الشهير ( خواطر الإيمان ) وكتب الإعجاز العلمي بشكل عام والكتب العلمية تحتل مكانة كبيرة على هذا الصعيد وألفت نظر معلمي العلوم وطلبتها في مدارسنا و جامعاتنا لأهمية إدراك مكانتها كواحة خصبة للتفكر في خلق الله ، قال الله تع إلى : ((أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ )) وسيجد كل متدبر لكتاب الله ومتفكر في خلق الله ثمرة ذلك اليقين خشوعاً في الصلاة فيكون من المؤمنين الذين يرثون الفردوس خالدين فيه ، حضوراً مدهشاً مع تلاوة كتاب الله المجيد يصبح لهم بستاناً و واحة تفي إليها أرواحهم من لهيب المادية اللافح يجدون معه حلاوة قول الله عز وجل ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ )) .
الثالثة: أخي المسلم .. أنت ملك فلا تُضّيع مُلكك!!
أخي المسلم أنت ملك في الجنة ، فأقل أهلها نصيبه مثل الدنيا كلها خمسون مرة فلا تضيع ملكك العريض بمعصية الله في الدنيا ، أصبر وصابر ورابط على طاعة الله ... لا تضيّع ملكك بطاعة هواك ومعصية مولاك ، أجّل مطامعك وشهواتك إلى الآخرة فهناك تتمتع بها كاملة غير منقوصة خالداً مخلداً ، لا بل : ((وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ )) بل و يقول الله تع إلى : (( وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) )) ، لا بل إن الفرصة أمامك سانحة لتزيد من ملكك في الجنة كلما بادرت إلى الطاعة و زدت منها عدداً وفيها إخلاصا ، فاغتنم الفرصة ولا تدعها تتفلّت من بين يديك ، نافس الآخرين في فعل الخيرات وترك المنكرات.
لم تكن الدنيا لي و لك لنتنعّم ونقضي شهواتنا فيها ولكنها محل لطاعة الخلاق العليم والجنة هي دار الملذات والنعيم المقيم ((إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)).
ألم يقل الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي صححه الإمام الألباني في (صحيح ابن ماجه برقم 3321) ، ورواه الإمام مسلم : ((الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر)) ، إذاً اجعل مطامعك في الدنيا الدنية مأسورة لتكن في الجنة العالية حرة طليقة ، والدنيا فانٍ أنت عنها والجنة خالد فيها إن زُحزحت عن النار وأدخلتها . أخي .. تقنّع بالقليل من القليل وهيئ الزاد للسفر الطويل.
الرابعة: أخي.. صادِق القرآن
كن للقرآن صديقاً صادقاً صدوقاً تظفر بسعادة الدارين ، أقبل على كتاب الله بقلبك وقالبك تتدبره ، فرّغ له عقلك وحواسك ، إقراء القرآن و أستمع إليه و أنت واثق ، مستشعر أنه خطاب من الله لك أنت شخصياً ، إقرأ القرآن داخلاً .. مندمجاً ..في مشاهده خارجا من مشهدك الذي أنت فيه ، ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ )) . أخي استعن بالله على ذلك ولا تعجز.
الخامسة: كن بخيلاً في رمضان!!
أخي .. كن بخيلاً في رمضان بوقتك فلا تصرفه إلا في ما تعتقد أنه الأنفع لك يوم تودع هذه الدنيا ويوم تُعرض على الله وحيداً فريداً ، احذر التسويف ومكر الشيطان بك ، لا تبخل على القرآن ولا تبخل على صلاة التراويح وذلك في كل رمضان ، لا تكن من المنجذبين للطاعة أول رمضان ثم تفرط فيها بعد أسبوع أو عشر أيام ، لا تجعل أصدقائك مهما كانوا ودودين ولا احد أن يضيّع وقتك في رمضان ، من قال أنّ رمضان شهر السهر إلى الفجر وبدون صلاة التراويح ثم نوم إلى العصر فتخصصه للتمشية في الأسواق ، إنّ أثمن وقتك في رمضان فاحرص على ان تصنع لنفسك الانجاز فيه ، احرص على الحسنات والفرار من السيئات ، اسأل نفسك : ما هو الأنفع لي عند ربي خالقي ومولاي ومالك أمري و مُحييني و مُميتني و مُدخلي الجنة أو النار وتذكر هذه الحقيقة في صلاتك، رتب أولوياتك ، لا تدع وقتك نهباً للفوضى والصدفة ، انك ان فعلت كنت الرابح وان لم تفعل فما احد غيرك الخاسر ، رمضان مدرسة فكن من طلابها النجباء الفطناء لا البطناء ، رمضان موسم للأرواح كنز للرضوان فلا تجعله غير ذلك.
القطن - حضرموت.. 14 رمضان 1431ه
[email protected]