آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الديمقراطية والأمن في صراع سيطول أمده

عندما اتفق السياسيون على اتخاذ الديمقراطية وما تشملها من قيم(تعددية حزبية وحرية التعبير) منهجاً ينتهجونه لممارسة العمل السياسي في اليمن؛ كانوا يؤمنون بأن هذا النهج أسلوب حضاري ومتميز يمكن بواسطته الرقي باليمن والدفع به إلى مصافٍ متقدمة. لكنهم حينها أغفلوا جانباً مُهماً ومُقوّماً من المُقومات الأساسية التي تجعل من عملية الديمقراطية ناجحة في أي دولة، ألا وهو: أن يكون المُجتمع الذي سيمارس العملية الديمقراطية، بقدرٍ كبيرٍ من العلم والوعي والمدنية.

الذي حدث، أن اليمنيين أخذوا منهج الديمقراطية من بعض المُجتمعات في أوربا وأمريكا والتي تعيش طفرة اقتصادية، ومستوى عالياً من التعليم والمدنية والوعي؛ وطبَّقوه على نطاق جغرافي في شبه الجزيرة العربية، وفي دولة تُسمى بدولة القبائل الفسيفسائية، أي دولة تغلب فيها الولاءات القبلية والفئوية على الولاء للوطن كلل..!! والأنكى من ذلك، أن هذا الأسلوب السياسي المتطور، طُبّق على مُجتمع تتجاوز الأميّة فيه الـ75%.

حول هذا الصدد، يتساءل البعض ويقول: لماذا دول الخليج في شبه الجزيرة العربية مستقرة وفي نماء وتطور؟ والتركيبة المُجتمعية فيها لا تختلف كثيراً عن المُجتمع اليمني؟

هنا يأبى المنطق إلا أن يُعلّل المسألة، ويُرجع نجاح هذه الدول إلى جملة من الأسباب أعتقد أن أهمها.. أولا: امتلاك الثروة الضخمة التي تعمل على تلبية احتياجات المُجتمعات الخليجية وتقليل نسبة التذمر الذي يقود إلى الفوضى غالباً. ثانياً: استيراد اليد العاملة المُتعلمة والماهرة والمتمدنة، والتي تعادل أضعاف عدد السكان الأصليين غير المؤهلين للقيام بالعملية التنموية، حيث إن هذه الكتلة البشرية المستوردة، لا يمكنها أبداً الاعتراض أو النقد أو عرقلة العملية التنموية بل تقوم بالدفع بها. ثالثاً -وهو السبب الأهم في رأينا- استخدام أساليب الحكم التقليدية الصارمة في تلك الدول(الملكية والسلطنات والمشايخ والإمارات) وهذه النظم، قد عرفها وتنمّط عليها سكّان شبه الجزيرة منذُ آلاف السنين. وبالرغم من وجود لمسات سياسية حديثة فيها اليوم، لكن نظم الحكم هذه، لا تسمح بحرية التعبير السياسي والمذهبي المُطلق، ولا تشرّع التعددية السياسية ولا تسمح بتداول السلطة وهذا من شأنه يساعد على تقليل نسبة ظهور الخلافات بين فئات تلك المجتمعات.

لازالت بعض الدول المجاورة لليمن تستخدم هذه النظم التقليدية الآنفة الذكر، بينما المُجتمع اليمني القبلي صاحب الأغلبية الأمية، يستخدم الأسلوب الديمقراطي الحديث، في حين أن مقوماته الاقتصادية والثقافية والتعلمية لا تساعده على إنجاح هذا الأسلوب في المرحلة الراهنة.

يقول الأكاديمي الفرنسي (موريس دفرجيه) : "إنَّ الديمقراطية ليست خبزاً وزبداً وإنما عقيدة وإيمان" وأجزم بأن الساسة في اليمن اعتقدوا بأن ممارسة الديمقراطية عبارة عن دهن العسل على قطعة خبز..! ونسوا أن نجاح ممارسة العملية الديمقراطية مرتبط بالوعي السياسي والاجتماعي لدى المجتمع كما أشار الأستاذ الدكتور العراقي "صادق الأسود" وليست مجرد مانشتات في الصحف ولا خطابات في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة أو حتى تعبئة الصناديق بالورق.

هذه هي قصة اليمن باختصار، حيث يمكننا إرجاع السبب الرئيس لعدم استقراره، إلى تطبيق الديمقراطية الغربية في مُجتمع شبه الجزيرة العربية صاحب الثقافة القبلية التقليدية.

وتأسياً على ما سبق، أستطيع القول بأن الاستقرار في اليمن سيكون صعب المنال في المرحلة الحالية، لوجود صراع بين الديمقراطية والأمن، وهذا الصراع يُمثّل – وسيبقى - مُعطى ثابتاً في الحياة السياسية اليمنية، ومن الصعب إنهاء هذا الصراع حتى وإن تغيرت سياسات حكم النظام الحالي، أو حتى تغير النظام برمته، والذي سيحدث وقتها هو تبادل الأدوار لا أكثر.

هنا، لا أرفض الديمقراطية في اليمن بل العكس تماماً، ولكن يجب أن نعرف جيداً بأن الصراع بين الديمقراطية والأمن في اليمن، لن ينتهي إلا بعد أن يدفع اليمنيون ثمن الديمقراطية الزمني والمادي وربما الدموي، الذي دفعه الغرب في السابق حتى وصلوا إلى هذه المرحلة المُتقدمة في تطبيق الديمقراطية، مع اشتراط العمل الدؤوب والصادق في القضاء على الأمية والجهل، إضافة إلى تعزيز العمل المؤسسي وترسيخ سلطة القانون وتطبيق مبدأ الحساب والعقاب على أي شخص كان يثبت فساده وانحرافه الفكري والسياسي المؤثر على استقرار البلد، حتى وإن انزعجت بعض الدول العظمى والصديقة وبعض منظمات حقوق الإنسان من الأعراض الجانبية لهذا الإجراء الصارم والمهم لليمن.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى