آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

السلطان قابوس...

كل الذين عرفوا سلطنة عمان قبل عام 1970م يجمعون أن أحوالها كانت أسوأ من أحوال اليمن في العهد الإمامي، وأنها كانت تعاني من ظروف التخلف والفقر والشقاء ما يصعب وصفه والحديث عنه...

وعندما نشاهدها اليوم وما أصبحت عليه من التطور والعصرنة مع الالتزام الواضح بالقيم والانضباط للنظام والقانون يدرك المرء حجم الجهود التي بذلت على مدار الأعوام الأربعين الماضية. كنت في مدينة صلالة عاصمة محافظة ظفار يوم الإثنين الماضي برفقة عدد من زملائي الصحفيين بدعوة كريمة من وزارة الإعلام العمانية لحضور افتتاح الدورة الجديدة لمجلس عمان الذي يضم مجلسي الدولة والشورى والذي يفتتح للمرة الأولى خارج العاصمة مسقط في دلالة رمزية واضحة المعنى اختارها السلطان قابوس بن سعيد بكل عناية لتذكير الأجيال العمانية الجديدة بأن نهضة عمان الحديثة التي قادها منذ أربعين عاما انطلقت من ظفار وصلالة عندما تولى زمام الأمور منحياً والده الذي لم يستطع التعايش مع العصر وجعل بلاده غارقة في ظلمات الجهل والتخلف والفقر الموحشة الأمر الذي لم يجعل لولي العهد قابوس خيارا آخر وهو يرى شعبه في تلك الحال البائسة سوى أن يتحمل المسؤولية محتفظاً لوالده بكل ما يحفظ له كرامته وأمانة وحسن خاتمته.

كان الخطاب الذي ألقاه السلطان قابوس يوم الإثنين الماضي موجزا مختصراً بين فيه أسباب الافتتاح في صلاله عاصمة ظفار مذكرا بوعوده التي أطلقها منها في كلمة موجزة يوم أن تولى الحكم في عام 1970 ببناء دولة عصرية مؤكداً أنه قد تم إنجاز نسبة كبيرة من هذا الطموح اليوم ولم يقل أنه أنجز كل شيء في إشارة واضحة أنه يعتقد أنه لازال أمامه العديد من المهام التي لابد من إنجازها في المستقبل القريب...

والجميع يتذكر أن السنوات الأولى من عهد قابوس كانت مليئة بالمعاناة الناتجة عن التمرد اليساري المسلح والذي تمكن من كبحه ووقفه عند حده ونجح في استقطاب العديد من رموزه الذين وقفوا معه لاحقاً في طموحه باتجاه بناء الدولة العصرية دولة النظام والقانون... كما يعلم الجميع أن موارد عمان من النفط هي الأقل بين سائر دول الخليج فلا يزيد ما يتم تصديره يومياً عن ثمانمائة ألف برميل، ولذلك توجه السلطان لتشجيع السياحة إلى بلاده التي تتمتع العديد من مناطقها بجمال لا نظير له باعتبار السياحة رافداً دائماً لموارد بلاده، وبالفعل فقد تحقق نجاح كبير في ذلك.

إلا أن أهم ما أنجزه السلطان خلال الأعوام الأربعين الماضية يكمن في نجاحه الواضح في إعادة بناء الشخصية العمانية حيث يمكنك ببساطة ملاحظة هذا الأمر ساعده في ذلك بلاشك قلة عدد السكان الذين لا يزيدون عن مليونين ونصف المليون، وحسن الإدارة، والصرامة في مواجهة الاختلالات، وترسيخ قيم الولاء الوطني...

أما فيما يتعلق بالمرأة فقد أنجز خطوات كبيرة وملحوظة، وقد لاحظت ذلك في الحوار الذي جرى بين الوفد الإعلامي اليمني ووزيرة التنمية الاجتماعية العمانية د. شريفة بنت خلفان اليحيائية خلال دعوة العشاء التي أقامها وزير الإعلام العماني الأستاذ حمد الراشدي للوفود الإعلامية..

ذلك أن الانطباع الذي تركته الوزيرة في نفوسنا كان مدهشاً بكل معنى الكلمة بسبب قوة شخصيتها وثقافتها الواسعة ونقاشها الموضوعي واعتزازها بما تم إنجازه رغم أنها لازالت تعتقد أن هناك قضايا كثيرة تحتاج إلى جهود استثنائية لتحقيقها، وقد أعجبني رأيها تجاه نظام (الكوتة) الذي ترفضه جملة وتفصيلاً باعتبار أن المرأة يجب أن تصل لعضوية مجلس الشورى بقناعة الناس وليس بالفرض عبر هذا النظام، وهو رأي شجاع من قيادة متميزة في الحكومة العمانية...

وعلى كل حال فإن الشعب العماني سيحتفل في 18نوفمبر القادم بالعيد الأربعين لنهضته وهو التسمية المفضلة بدلاً عن عيد الجلوس... ويحق لهذا الشعب الشقيق أن يعتز ويفخر بما تحقق من نهضة واستقرار وتطور في عهد قائده السلطان قابوس الذي نجح في أن يكون سلطاناً على قلوب أبناء شعبه قبل أي شيء آخر... وهذا هو النجاح الحقيقي.

زر الذهاب إلى الأعلى