في البداية قد يكون من المهم أن نؤكد أننا نُكِن لمصر ولشعب مصر (ولحكومة مصر أيضاً) كل التقدير والاحترام، باعتبارها قلب الأمة العربية، وشريانها الضخم ومخزنها البشري الهائل، رغم أن الغصة ستظل مريرة في الحلق جراء مواقف مصر إزاء أي تقارب عربي، يغير من الآلية الجامدة لجامعة الدول العربية.
وبالطبع، من الصعوبة أن يحدث أي تغيير في العمل العربي المشترك دون موافقة مصر، ومن المؤلم أن تستخدم مصر ثقلها الجيوسياسي في الوجدان العربي لعرقلة أحلام التقارب..
وقف اليوم الرئيس محمد حسني مبارك حجر عثرة أمام مقترح اليمن لتطوير آلية الجامعة العربية إلى اتحاد عربي ، أسوة بالاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي .. الخ.. ولا ندري لماذا قامت مصر بهذه العرقلة.. أ لأن المقترح جاء من اليمن (وليس من مصر) ، أم لأن هناك ضغوطاً غربية تريد الإبقاء على الجامعة العربية بصورتها الحالية.. أم أن الرئيس مبارك يريد أن يدخّر أية مواقف مشرفة قد تقوم بها مصر، إلى حين يتولى نجله المؤثر جمال مبارك السلطة..!
ولا ندري كيف رضخ الرئيس الليبي معمر القذافي لضغوط الرئيس مبارك، رغم أن الرئيس اليمني علي عبدالله صالح أجرى منذ الأمس مشاورات مكثفة مع قائد ثورة الفاتح، ونظراء آخرين، من اجل إخراج هذا المقترح من الإدراج إلى حيز التشكل.. إلا أن مبارك جاء بما يشبه السحر، الذي ازدهر في مصر أيام الفراعين، وطمس على كل جهود الرئيس صالح في غمضة عين.. الأمر الذي اضطر الأخير للقول: "إذا كانت مبادرة اليمن ستحدث انشقاقاً عربياً فلا مانع من تجميدها"..
كانت الصورة أبلغ من الكلام، تلك التي نشرتها وسائل الإعلام، وفيها يتجاذب فيها الرئيسان صالح ومبارك، الزعيم الليبي عن يمينه وعن يساره، ويبدو أن الكفة مالت جهة اليسار، حيث كان مبارك..
وبالطبع فإن ما يضاعف حالة الأسى جراء ما حدث اليوم هو أن هذا المقترح إن كان له من حظوظ في الخروج إلى النور، فإن فترة رئاسة ليبيا هي أنسب فرصة لمثل هكذا مقترح، جراء ما يتمتع به المزاج الليبي الحاكم من تغيير المألوف وصنع المفاجئات..
وكعادة اليمن ، فإنه ينصاع بتواضع لأشقائه الكبار، ولا يحاول حتى إلقاء الملامة أو العتب.. ولا زالت ماثلةً ذكرى التسمم الغذائي الذي أصاب الرئيس صالح في القاهرة على هامش قمة مكرسة لغزو العراق للكويت عام 90، إذ اضطر صالح يومها إلى مغادرة مصر دونما مودعٍ في المطار..
تتزامن عرقلة مبارك لمقترح اليمن مع الذكرى الأربعين لوفاة الزعيم جمال عبدالناصر، ذلك الذي رفع سقف آمال الوحدة العربية، وجعل مصر رائدة التحرر والتحرير في المنطقة.. والآن أين هي مصر.. أين هي مصر؟ لا وجود إيجابي لها حتى في ما يحدث في السودان اللصيق.. وتحضُرني هنا وبإلحاح المقولة الشهيرة للمفكر المصري الراحل جمال حمدان، في كتابه "شخصية مصر"، حينما قال: "قدر مصر في المنطقة العربية إما قائدة، وإما ........."!