أرشيف الرأي

«أمريكا الموحَّدة» تدعمُ تشطير السودان ..

دائماً ما يتغنّى الزعماءُ الأمريكيون وآخرهم الرئيس « أوباما » بالقيم التي على أساسها تكونت إمبراطوريتهم ويعلنون استعدادهم للتضحية بكل غالٍ ونفيس عندما تتعرض إحدى هذه القيم للمَّس من قبلِ أيٍ كان، وذلك في تصوري شيءٌ جميل، لكنني لم أجد أساساً أو مرجعية أو مبرراً للقيمة التي دفعت بواشنطن لإعلان موقفها المتمثل في دعم انفصال جنوب السودان عن شماله جهاراً نهاراً وأن تتطوع كي تكون رأس الحربة في تبني هكذا مشروع ستكون عواقبه وخيمة على المنطقة والإقليم .

فهل من «القيم» أن تعملَ على تجزئة البلدان وتقطيع أوصالها بينما تُضحي بالآلاف من جنودك وأبناء شعبك عندما حاولت بعض الولايات الجنوبية وتحديداً ولايتي تكساس وهاواي اللتين كانتا جمهوريتين مستقلتين في القرن التاسع عشر الاستقلال عن التراب الأمريكي ، بعد ارتفاع وتيرة الخلافات بسبب حقوق الولايات والتوسع في تجارة الرقيق والتي أدت إلى نشوب الحرب الأهلية الأمريكية في عام 1860 م تقريباً، وأفضت في نهاية المطاف إلى انتصار المنطقة الشمالية وهو ما منع حدوث انقسام في البلاد؟.

برز الاهتمامُ الأمريكي بانفصال جنوب السودان خلال الفترة الماضية بصورة لافتة وأصبح شغلها الشاغل، بعد أن كانت مهتمة بأزمة دارفور وملف ما يسمى بالمحكمة الجنائية الدولية، وهدأت دبلوماسيتها فيما يتعلق بهذين الملفين، حتى إن بعض مسؤوليها قد صرحوا أن صبرهم نفد تجاه الحكومة السودانية فيما يتصل بقضية الجنوب، وأصبحوا يتحدثون عن ترتيبات ما بعد الاستفتاء، وكأنَّ الأمر قد أصبح محسوماً والنتائج قد أعلنت قبل إجراء الاستفتاء في يناير المقبل..وفي هذا الإطار ذكرت مصادر أمريكية أن إدارة الرئيس أوباما سارت على نهج إدارة بوش في تقديم دعم مالي كبير لجنوب السودان بما يضمن سير سيناريو الانفصال كما هو مخطط له مسبقاً.، وما يؤكد ذلك هو الزيارة الأخيرة لوفد من مجلس الأمن الدولي بينه « سوزان رايس » مندوبة واشنطن في الأمم المتحدة للسودان لبحث الترتيبات اللازمة، بالإضافة إلى مطالبتها مؤخراً بإرسال قوات دولية قبل إجراء الاستفتاء..

هل هو استغفالٌ للعقول ؟ أم استهتارٌ ولا مبالاة بما ستؤول إليه الأوضاع في أي قطر عربي أو إسلامي من وراء هذه السياسات ؟.

وهل تكمنُ مصلحتُها في تأجيج الصراعات بين الأمم والشعوب ؟ أم في استقرارها الأمني والسياسي ؟

عددٌ كبيرٌ من الكُتّاب والاستراتيجيين الأمريكيين يتحدثون منذ سنوات عن وجود لوبي متجذر داخل الإدارة الأمريكية يعمل على جرجرتها إلى وحول جديدة بغية إضعافها، بل إن بعضهم ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك وهو تفكيك هذه الإمبراطورية بعد أن ظلت عقدين متفردةً كقوة إولى في العالم ..

كُنّا نظنُّ أن الإدارة الأمريكية ستُغيّرُ من استراتيجيتها تجاه دول المنطقة بعد درسي العراق وأفغانستان القاسيين، لكنها على ما يبدو مصممة على استعداء الشعوب والدخول في متاهةٍ جديدةٍ ستكلفها الكثير، وستجد نفسها وحيدة بعد أن ضاق بها مؤيدوها ذرعاً وبدأوا بالانسحاب تدريجياً من تحالفاتهم معها سواءً من العراق أو من أفغانستان .

هي تعلمُ يقيناً إنه في حال جاءت نتيجةُ الاستفتاء في جنوب السودان سلبيةً فإن ذلك يعني دخول الجنوب في دوامة لا نهاية لها كونه غير مهيأ حتى الآن كي يكون دولة بكامل أركانها ومؤسساتها ، بالإضافة إلى كونه خرج منهك القوى منذ توقيع اتفاقية السلام الأخيرة في « نيفاشا » قبل ست سنوات من أطول حرب شهدتها القارة السمراء استمرت اثنين وعشرين عاماً، فتركتُهُ لا تزال مثقلةً بالانقسامات والصراعات المتعددة والمتشعبة، وإذا كان العامل الاقتصادي هو الهدف الرئيس من وراء هذه اللعبة للاستئثار بثروات جنوب السودان الكبيرة جداً، فإن ذلك لن يتأتّى لها بسبب طغيان العوامل الأخرى السياسية والإثنية وهيمنتها على المشهد حتى الآن .

أرقامٌ مهولةٌ وخياليةٌ تلك التي تصرفها واشنطن على عملياتها العسكرية التي تنفذها في العراق وأفغانستان تصل إلى مئات المليارات من الدولارات في العام الواحد، بينما مساعداتها للعالم أجمع لا تتعدى العشرة مليارات دولار فهل سألت نفسها يوماً عن النتيجة التي كانت ستجنيها في حال خصصت ولو ربع ذلك المبلغ للقضاء على الفقر والبطالة والأمراض المستوطنة في غالبية الدول النامية؟. وماذا لو استغلت نفوذها في حلحلة الصراعات ورأب الصدع بين الدول المتصارعة بدلاً من إذكاءها؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى