[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

حصار صنعاء الثالث.. ما أشبه الليلة بالبارحة!

1 - حين تم في آخر المشوار - وبضغوط من الشارع المقاوم والمحاصر والمقاومة. وبتهديدات من داخل قيادات الجيش - اختيار النقيب الشاب عبدالرقيب عبدالوهاب الذبحاني رئيسا لهيئة الأركان، كان قد جاء في وقته. وهو الأمر الذي دفع بحسن العمري إلى تعيين عبدالرقيب الذبحاني رئيسا لهيئة الأركان للقوات المسلحة برتبة (مقدم) .

لم يكن العمري يكن أية أحاسيس طيبة ونبيلة للشاب القادم من اليمن الأسفل - وبسخرية واستهزاء يقولون " اليمن السافل" . وما زالوا يقولونها في مجالسهم الخاصة - و لم يكن يريد العمري ذلك البتة ؛ لولا تلك الضغوط من الشارع، والمقاومة الشعبية، وقيادات الجيش الذين عرفوا عبدالرقيب عبدالوهاب؛ فأحبوه.

وقال لوكالة الأنباء اليمنية أنه "رضي برئاسة هيئة الأركان بطلب من الضباط الصغار المحاربين" .. بل واشترط أن يبق قائدا لفرقته (الصاعقة). وحين سئل عن ترقيته إلى رتبة (مقدم)..قال: "رتبتي العسكرية نقيب، وأرفض هذا الترفيع غير القانوني من ناحية. ومن ناحية أخرى".. أنه لا يريد أن يحمل تلك الرتبة، لأسباب تتعلق بدور المقدمين، والضباط الكبار، اللذين هرب جلهم من المعركة، وخانوا الشعب في اللحظات الحاسمة.

ولقد كان ذلك الترفيع من قبل العمري وإن كان تحت تلك الضغوط بمثابة دق إسفين بين عبدالرقيب، وبين القدامى ممن بقوا، أو ممن هربوا. ولقد أصاب بطل السبعين والجمهورية حين رفضه. وكبر الرجل في عيون المقاتلين والمقاومين أنذاك.

إذن... كان التعيين مفروضا على الحكومة من القوات المسلحة حتى على العمري نفسه الذي وضعته الظروف بالبقاء في صنعاء رغم أنفه عنوة ودون رغبة منه. هو تقدير للرجل من الجيش. أما أنه يحمل تقديرا حكوميا لرجلنا.. فلا؛ وإن كان يحمل شيئا من بعض من هم في قمة الهرم من حكومة الخامس من فبراير، فهو يحمل الحقد الكامن في نفوس المرضى أولئك على المتفوقين، وينطوي على نوايا طائفية ضيقة تحتبس في الصدور منتظرة الفرصة؛ لتشويه سمعة الرجل العملاق أو كما أسميه (الرجل الكبير الصغير).

وهذا ما حدث فعلا؛ حيث تمت مؤامرات كثيرة وصلت في أردأ صورها وأذاها حين تفاقمت الأزمة في أحد مواقع الجيش من المدفعية في (الموقع 32) في أحد سهول جبل (نقم)، من نفاذ الذخيرة فيه، حين انتقلت الأخبار عن الطابور الخامس، إلى قوات الملكيين، ومرتزقتهم بقيادة دينارد، ليبدأوا الزحف.

ومخازن السلاح تختزن السلاح والذخيرة، إلا أن حراسه، تلقوا أوامر صارمة ومشددة بعدم الصرف، إلا بأمر من المسؤول المباشر، وتحت أية ظروف. المسؤول نفسه تلاشى، وذاب ليلتها من العاصمة. وفي الأخير.. تم عنوة من قبل الجيش، والمقاومة لسحب التعزيزات اللازمة إلى الموقع 32 التابع للمدفعية. وحين سئل هذاعن السبب.. أجاب لأنه (أراد أن يحرق عبدالرقيب عبدالوهاب نعمان الذبحاني ).. وبمفردات تلك الفترة كان ذلك يعني (تشويه سمعة الرجل الكبير الصغير عبدالرقيب). تصوروا إلى أين وصل الحقد به على المتفوقين؛ حقده الدفين يريد أن يسقط صنعاء بيد الملكيين؛ ليشوه سمعة عبدالرقيب عبدالوهاب الرجل الكبير الصغير.. أي حقد وأي كره على اليمن الأسفل المسكين هذا!

2 - وما بين الخامس من فبراير ثمان وستين، إلى الثامن عشر من أغسطس من نفس العام، كان عبدالرقيب عبدالوهاب أحمد قاسم نعمان الذبحاني الرجل الكبير الصغير واقفا هناك كأنما يد الغيب كانت تكتب انتصارات الشعب به، أو تكتب انتصارات رجل بشعبه!

كان الرجل الكبير بتضحيته وحبه لليمن وتفانيه وإيثاره، بطل حرب السبعين؛ كان الرجل الصغير ببراءته وصفائه ونقائه وصدقه وحبه لرفاق سلاحه وبقائه معهم في أحلك الظروف؛ بطل الجمهورية على الإطلاق وبلا منازع.

3 - إن كتابات الأبالسة في تدوين الأحداث لا تذكر الملائكة أبدا؛ والطريقة اليمنية في حل مشاكل البلاد منذ تعيين عبدالرقيب رئيسا لهيئة الأركان وإلى الآن لا تشرك في حواراتها خلف كواليسهم في التامرات على الوطن وطعنه في ظهره غير النرجسيين المرضى بالحقد على التفوق، والأفاقين المتسولين على أبواب التاريخ بطولات دونكيشوتية في طواحين الهواء، والملتفين بالعمائم حلقات حلقات في مأتم دفن انتصارات الشعب لاجتراح مكاسب النصر يطأون جراحات الناس، ويتهافتون فوق قبور الأبطال لسرقة نياشينهم والإستحواذ حتى على القبور لطمس الحقيقة. والقيادات الجاهلة تتغافل دوما الحقائق تقصدا وعمدا.

وإلا لماذا يغيب الرجل الكبير الصغير من قبل أولئك عند الحديث، أو الكتابة، أو الحوار، أو السؤال، في ظروف وحيثيات تلك الفترة؛ لتأريخها، وتأريخ بطولات هذا الشعب الجبار في تحديد مسارات مكاسب جمهوريته؟

4- وحين يستذكر، فيذكر عمر الجاوي أحد قادة المقاومة الشعبية رحمه الله ويسجل بصدق، بعض شهاداته عن الرجل الكبير الصغير في معركة (عيبان) يومي الثامن والتاسع من فبراير كيف أن (.. القوات المسلحة قاتلت بالتحام بالسلاح الخفيف والمتوسط)، وكيف أن رئيس هيئة الأركان كان يقود (بنفسه، وبصورة مباشرة، هذا الهجوم. وقد رأى الناس عبدالرقيب عبدالوهاب يحمل جهاز اللاسلكي على ظهره، للاتصال بكل كوكبة كانت تقاتل، لإصدار الأوامر، في الوقت الذي فيه يتحزم قنابله وذخيرته، وعلى كتفه رشاشه).

أي عظمة.. وأي قائد.. وأي مسؤولية.. وأي تضحية، وإيثار.. وأي فدائي كان ذلك الرجل الكبير الصغير! وأي نمط كان، وأي معيار. كأنما الله قد قدر أن يقف هذا الرجل هنا ليرسم النصر!

5 - هل هناك على الحقيقة طائفية في اليمن؟ أقول لا ونعم !
أولا؛ فإن الحقيقة الشفافة تكمن في النظرية النفسية التي تقول بإشكالية الخوف من الضياع، والتلاشي، والتماهي، نتيجة لتراكمات تاريخية صنعها مريضها، ومن ثمة، ليبرر لنفسه بخسا في حقه الضائع إيهاما من قبل نفسه أمام نفسه ليظهر ظلما وقع عليه يستدعي الإنصاف.

والواقع، والتاريخ، والدراسات النفسية، وجل المفكرين المهتمين، تدعم النظرية التي تحاول التقرير أن اهاب الدين، واكتساء شيء من طهارة السماء، من أسهل ما يكون في تبريرات كتلك. ولهذا نجد كيف حاولت العمائم السوداء إدعاء النيابة عن السماء، وتمثيل الله على الأرض، وأمام الناس حيث التفت الناس حولهم مصدقة إياهم التفافا ضد منطق الواقع، وقانون المنافسة بين المتفوقين، ونواميس الأحداث والتاريخ والدنيا. تذكروا هذا. على أن نعود إليه.

وثانيا؛ فإن العجز عن اللحاق بمواكب التفوق وصدارة سوابق المتفوقين يضرب بمن يحاول اللحاق بصفوف المتصدرين، ضربا يخلق لديه، وفي دخيلة نفس العاجز (عقدة الخصيان) في عدم اللحاق بركب المتصدرين وزرافات الامتياز فيعجز عن ركب الصدارة في اللحاق يلجأ إلى نظرية الثعلب والعنب الذي لا يصل إلى العنب يبرر تقصيره بأنه ليس بحاجة إلى العنب بادعاء عدم نضوج العنب. وهذا المرض سماه المفكرون بمرض (الحقد ضد التفوق).

وثالثا؛ يتضح لنا من الفقرة الأولى والثانية، ما نستنتجه في فقرتنا هذه. بمزج الفقرتين الأولى والثانية يظهر لنا ثالثا جليا واضحا أن ليس هناك في اليمن أية طائفية بالمعنى الحقيق والأحرى بالمعنى الطائفي؛ بل هو مجرد عجز عن اللحاق بالتفوق؛ مما استدعى العاجز ان يتلبس إهاب الدين، وأن يدعي وراثة عصا النبي، وأن يرتدي بردته، ليضفي على المتفوق حقيقة تفوقه إدعاءا وإيهاما من نفسه لنفسه أمام نفسه وأمام الغوغاء والهوام من الناس والعامة ليبرر أحقيته بالصدارة، وأولويته بالصف الأول، والإمامة.

والعاجز وهو في تلك الحالة من الإحباط والتبلد والتخبط يقع في إشكاليتين اثنتين: الأولى؛ إشكالية العجز، والنقص، والخوف من التقزم أمام الآخر؛ الأمر الذي يركب به مراكب شتى من التقمص بالشيطان لتحقيق مآربه؛ لير أمام نفسه في آفاق التفوق متوجا نفسه أكاليل النجاح في الوصول، وهو يعرف تماما أنه مازال دون ذلك الأفق، وهو إنما يفعل ذلك لتوحيد أقليته في بوتقة تهيئه لقيادتها. ولأنها أقلية في خضم الآخر لا بد من توحيد صفها لترتص تحت إهاب النبي، وتتوكأ بعصاه، وترتدف بردته. ويسقط الأخر تحت مبررات كثيرة يبتدعها الإمام القائد. وإلا لماذا يبقى الآخر محتسبا والإمام رئيسا؟

و الثانية؛ هي إشكالية البقاء في ادعاء شرعيته في خضم الآخر. لهذا ترى العاجز يحاول جاهدا تهدئة الآخر بتحييد رؤوسه وتهميش قادته الإجتماعيين، وافتعال الأزمات التي يعيش عليها لاستجرار ديمومته واستمراره، ويسعى سعيا حثيثا لإثارة المناطقية والقبلية والثارات بين فخوذ القبائل واستبعات القروية. وهذا ما نقع فيه الآن. فهذا يستمد قوته منا أيها العجول؛ وأنتم ما فتئتم (أنا يافعي)..(أنا تعزي)..(أنا تهامي)..(أنا ضالعي).. أنا..وأنا..وأنا!

إلا أن هذا التفسير لا ينطبق على الجميع منهم. ولكل تفسير تأريخي إستثناءات. والمستثنى في التفسيرات السابقة لا يدخل أدوار ذلك المرض الخطير. إلا أن القاعدة تصاغ من دراسة غالب الظاهرة، وعمومها في الإسقاط على الواقع، عند الممارسة.

6 - وفي الزحف الأخير، حين يكون الشيخ العواضي قد دخل صنعاء مع بقية القبائل للالتقاء ببقية القطاعات من الجيش والمقاومة والشعب رجالا ونساء (كرامة اللقية) وتلاميذ وشيوخا للزحف الأخير ودحر الملكيين وفلول المرتزقة، كان عبدالرقيب هناك لملاقاته. وفي الثاني عشر من فبراير من ثمان وستين، كانت العاصمة فيه تتلقى آخر الضربات.

وانتصرت الجمهورية ! ويقتل عبدالرقيب الرجل الكبير الصغير! ويقتل العواضي الشيخ المناضل البطل!

لماذا نحن هكذا ننسى الجميل؟ الذين دافعوا عن الجمهورية من الموت يقتلون؟ أو يموتون غرباء؟ ويبقى السفلة، والأوغاد، والمتشبهون .. على الأرائك يحكمون؟ وأين هي تلك الروح التي رسمت الملاحم الساخرة بالموت حين أخذت زمام الشهادات رسنا لخيول تفك الحصار الأول عن صنعاء؟ وأين هو ذلك الشعب الذي كان؟

أو... إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولن يلين إذا قومتها الخشب؟ لم أعد أعرف شيئا! وتروح الأيام.. وتأتي أخر.. وهاهو التاريخ، يدور دورته ليظهر لنا، بنقاء وصدق وشفافية، أن صراع الجمهوريين (نص كم) والجمهوريين الحقيقيين والذي انتهى بالمناصفة في إدارة البلاد أو ما يحب أن يطلق البعض تسمية (الجملوكية) مع الملكيين لم يصف إلا الإمام. أما الإمامة والإماميون مازالوا يحكموننا على الحقيقة.

7 - وحين سئل المناضل الشاعر الثائر عبدالله عبدالوهاب نعمان من أحد أصدقائه القدامى يوم وجده بعد طول غياب وخراب.. قال الصديق لصديقه: "يا فضول .. كيف تشوف الجمهورية؟ ". أجاب الفضول ساخرا: " ريال صرفنو بقش!". مئة إمام.. عوضا عن إمام واحد ! هل كان الفضول يرى أشياء خلف الجدار، لا نراها نحن إلا بعد أن يدركنا الوقت.

8 - ومازلت وأنا على أعتاب الثالثة والخمسين يوثقني عقد قديم لا يهتز أبدا، أن الإنقضاض على النصف الثاني من جمهورية الشعب، قد خطط له بليل حاقد على النور، وظلمة كارهة للإشراق، في كهوف الخفافيش الخائفة من تفوق الفجر والضياء، منذ سقط الرجل الكبير الصغير والشيخ العواضي!

وما لهذا الرئيس علي عبدالله صالح.. فكيف يكون عليا وقد ساق البلاد إلى ما هي تعانيه، وما نحن فيه من أذاه الذي فت أعضادنا لعشر، ولحى لحومنا لعشر، و دق عظامنا لعشر؛ فكيف يكون عليا بعد ذاك؟ وكيف يكون عبدالله وما التزم بحوق العبيد أمام الخالق، أو رحمهم، أو حتى بكى معاتبا نفسه. بل أشك أنه قد بكى؛ وكيف يكون صالحا وهو يضرب الدف للفاسدين ليرقصوا عرايا كالأفاعي أمام الناس؟!

فهل هو لا يدري؟ أم هو (مدعنن)؛ قابلا ببيع النصف الثاني من الجمهورية، ليحكمها، إذا ما ضاعت ثلثا البلاد، مع من جاء من الملكيين، والإماميين الجدد، في بوتقة شمال الشمال، بإرشادات الكرسي الصعداوي، وتوجيهات العمائم السوداء والمسودة القادمون؟

وصدقوني لو قلت لكم بكل الصراحة وأحلف على هذا وأقسم أنه لم يبق هناك ما يستعتب عليه، أو يسكت عنه؛ و لم يعد هناك من يستح منه، أو ما يعتذر له.

9 - وهاهو الحصار الثاني يطوق صنعاء مرة أخرى، لإثنين وثلاثين عاما. والسؤال الجارح لإجابة طامحة هو... هل سيظهر عبدالرقيب من بين صغار الضباط في القوات المسلحة؟ أو هل سيخرج الشعب لينظم المقاومة في:
- مظاهرات سلمية وسامية
- واعتصامات مدنية هادئة سلمية وسامية، أيضا
وإضرابات عمالية منظمة سلمية وسامية، أيضا

10 - والشعب والمخلصون من الشعب والجيش إذا نجحوا في التحرر من الحصار الثاني المفروض عليه هذا الذي يدخل عهده عامه الثاني والثلاثين. وإذا حدث ذلك أولا فإنه سيتملكه وثوق لا يهتز له عقد، وسيحتويه فداء لا يخيب له عهد، وسيكتسي إيمانا لا تجبن له عقيدة، وسيكون ثانيا قادرا على إنهاء الحصار الثالث القادم، وستنتصر صنعاء مرة ثالثة على الإماميين والملكيين القدامى اللابسين ربطات العنق، والعمائم السوداء، والبنطلونات.

فهل سيظهر عبدالرقيب في باب السباح في يوم بهي؟ وهل سيأتي شيخنا عواضيا يلف الناس ليأت في صبح مثير؟ أتمنى لو أقرأ الغيب أو أمارس شيئا من السحر. (خينه تجي شمس والبنوت يتمشقرين.. والشراح يرقصوا أو يجي عبدالرقيب نشوان، خينه تصيب التبارة! اللهم آمين).

وسامحونا.

خواطر من قلم:
عبدالكريم عبدالله عبدالوهاب نعمان.
مهندس معماري،واستشاري.
الولايات المتحدة الإمريكية - فرجينيا.

للتذكير: ما ينشر في نشوان نيوز يعبر عن رأي كاتبه، وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع.

زر الذهاب إلى الأعلى