[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

اللعبة الإيرانية انتهت، اللعبة الصهيوأمريكية تأكدت(3)

6 – ما هي ستراتيجية إيران الملالي وقبلها ستراتيجية إيران الشاه؟ في زمن الشاه كانت الستراتيجية الإيرانية تقوم على تعظيم إيران ودورها الاقليمي والعالمي وممارستها لدور قوة مقرر في الاقليم ولديها مطامع اقليمية في دول الجوار، ويتضمن ذلك الرغبة في السيطرة على البحرين وقيامها باحتلال جزر الامارات، ووجود مطامع اقليمية في العراق كمقدمة للسيطرة على كل الخليج العربي.

والتبيرير واضح: (هذه المنطقة كانت في وقت ما تحت الحكم الفارسي لذلك يجب استعادتها)، وكان المحفز قوميا صريحا. اما في زمن خميني ومن اعقبه فان الامر مختلف في واجهته لكنه متطابق في جوهره، فشعار (نشر الثورة الإسلامية) في الوطن العربي والعالم واضح في طبيعته الستراتيجية، اذ يجب ان تسيطر إيران على كل الوطن العربي باسم الإسلام، وتقوم بعد ذلك بتغيير قواعد اللعبة العالمية مستغلة قوة الإسلام والمسلمين بعد وقوعهم تحت سيطرة الاستعمار الإيراني ولكن لخدمة إيران وليس لخدمة المسلمين لان المسلم بكل وضوح لا يستعبد مسلما اخرا ولا يطمع بأرضه ومياهه وثرواته.

ما الفرق بين الشاه وخميني؟ الفرق في درجة التوسع والغطاء، فالتوسع الاستعماري الإيراني في زمن خميني اكبر واخطر لانه يشمل كل العالم الإسلامي وليس مناطق عربية فقط كما كان الامر في عهد الشاه، والشكل استخدام الإسلام غطاء لتسهيل التوسع الاستعماري الإيراني وهو غطاء يمكن ان يخدع بعض السذج، أو انه يكون تمويها لخيانة البعض لوطنهم وامتهم. وفي الحالتين فان إيران لديها هدف ستراتيجي لم يتغير في كل الازمنة والانظمة وهو الغاء الهوية العربية وتفيت الامة العربية والانطلاق من ركامات الامة العربية وخرابها لبناء امبراطورية فارسية قومية تتستر باسم الإسلام أو الطائفة.

السؤال المهم في ضوء ذلك هو: لمن تخدم هذه الستراتيجية الإيرانية القائمة على تفتيت الامة العربية وتقسيمها؟

7 – سايكس بيكون 2: لكي نقدم الجواب الصحيح لابد من التذكير بالتطور الخطير في الستراتيجية الأمريكية الذي حصل في عهد جورج بوش الابن، فلقد انتقلت أمريكا من سياسة احتواء وتقزيم العراق، وهي السياسية الأمريكية التقليدية تجاه العراق، إلى سياسة تقسيم العراق والتي تبنتها الصهيونية وكيانها مبكرا وكان اخر من شرح الهدف الصهيوني الستراتيجي هذا هو عوديد ينون الكاتب الصهيوني في الثمانينيات.

ما هي سايكس بيكو رقم 2؟ انها تقسيم الاقطار العربية على اسس عرقية أو دينية أو طائفية أو اقليمية أو اقتصادية أو اي اساس اخر يضمن تحويل القطر الواحد إلى عدة اقطار واعادة الاقطار العربية لمرحلة ما قبل الامة والوطنية والقومية. وبخصوص العراق فقد اعتبرته كل الستراتيجيات الصهيونية العدو الاول والاخطر والذي يجب ان يقسم إلى ثلاثة دول: كردية في الشمال وسنية في الوسط وشيعية في الجنوب.

ولكن هل نجحت هذه الخطة؟ ومن انجحها؟ هنا نصل إلى قلب الموضوع، فتقسيم الاقطار العربية هدف قديم وكان يجب ان تعقب سايكس بيكو الاولى، وهي خطة تقسيم الوطن العربي إلى اقطار مستقلة، سايكس بيكو الثانية، وهي خطة تقسيم الاقطار العربية على اسس عرقية وطائفية، لضمان امن الكيان الصهيوني وديمومته وبقاءه من خلال التخلص من تهديد اقطار عربية قوية ومتماسكة الهوية والانتماء.

ولكن انبعاث وصعود القومية العربية في عهد عبدالناصر وهيمنة التيارات القومية العربية على الساحة انتج العكس تماما وهو تعاظم فكرة الوحدة العربية وتجذر الانتماء العربي في كافة الاقطار العربية وتزايد احتمالات تحقيق انقلاب جذري على سايكس –بيكو الاولى، متمثلا في تحقيق الوحدة العربية بدل بقاء الاقطار العربية مستقلة عن بعضها، وكان تحقيق وحدة مصر وسورية في عام 1958 خطوة جبارة ارعبت الغرب الاستعماري والصهيونية، مما جعل المعركة الرئيسية ليست معركة تفتيت الاقطار العربية بل التمهيد لذلك بدحر القومية العربية بجعل الولاء القطري يحل محل الولاء القومي وتحويل الولاء من الولاء للامة والقومية والوطنية إلى الولاء للطائفة والعرق والاثنية، وكان الانفصال السوري الذي قامت به قوى مشبوهة عملا خدم الصهيونية والغرب الاستعماري مباشرة وحقق واحدا من اهم اهدافهما وهو منع قيام الوحدة العربية وان قامت فيجب تخريبها.

هنا جاء دور القطرية والطائفية في تخريب حركة القومية العربية وشيطنتها، فلقد جاء السادات ليحول مصر من قاعدة تحرر الامة العربية، كما كانت في عهد عبدالناصر إلى كيان تحركه القطرية ويلهث وراء مصالح قطرية، واقترن ذلك بتهديم اهم مقدسات العرب وهو عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني فاعترف به وانهى دور مصر القومي وحصرها في حدودها الاقليمية وثقافة قطرية مقيتة. وجاء خميني ليكمل خطوة السادات وهي تنفيذ المخطط الصهيوني الاستعماري الغربي القائم على شرذمة الاقطار العربية وتقسيمها وتغيير انتماءها العربي، وكانت الطائفية هي اللافتة التي اكملت عمل لافتة القطرية، فالقطرية منعت الوحدة العربية والطائفية تولت العمل لتقسيم الاقطار العربية.

الخمينية الإيرانية والتطرف الديني السني والشيعي بشكل عام، كان الخيار الستراتيجي الغربي الصهيوني المتوافق والمنسجم مع الستراتيجية القومية الفارسية العتيقة جدا، فهذه الموجة قامت على خلق تناقض مفتعل وغير طبيعي بين العروبة والإسلام لاجل الحط من شأن الهوية العربية والانتماء القومي العربي باسم الإسلام، ثم وبعد ان شككت بالانتماء القومي العربي وازالت الكثير من قدسيته ورفض المس به تقدمت خطوة اخرى محسوبة إلى امام باشهار ارجحية الولاء الطائفي والعرقي على الولاء الوطني أو القومي.

بتحقيق صورة ايجابية لإيران خميني عبر شعارات (الموت للشيطان الاكبر) اي أمريكا و(الموت للشيطان الاصغر) اي الكيان الصهيوني، وفرت إيران خميني البيئة المناسبة لاستدراح بعض العرب لدعمها رغم انها كانت ترفع شعارات توسعية طامعة بالارض العربية تحت شعار مضلل نشر (الثورة الإسلامية)، وهي مطامع لا تختلف عن المطامع الصهيونية من حيث الجوهر، وهكذا اصبح بامكان خميني واتباعه تحقيق اخطر اختراق تقسيمي للهوية العربية وللقومية العربية في التاريخ الحديث باسم الإسلام اولا ثم باسم الطائفة ثانيا بعد ان تركزت قاعدة الخمينية في اوساط عربية معروفة.

ما المغزى التاريخي لهذا النجاح القومي الفارسي الخميني؟ لقد نجحت إيران في تحقيق اخطر الاهداف المعادية للامة العربية وهو ايجاد شرخ طائفي في الاقطار العربية يجعل الولاء للطائفة وليس للوطن أو الامة، وبذلك تجرد الامة من وحدتها الوطنية ويصبح القطر الواحد عبارة عن طائفتين أو اكثر يتوزع ولاءها بين هذا الطرف الطرف أو ذاك، وهو ما فشلت في تحقيقه كل من بريطانيا وفرنسا في عهد استعمارهما، ثم فشلت أمريكا بعدهما وفشل الكيان الصهيوني.

هنا يبرز سؤال جوهري وهو: لم فشلت القوى الاستعمارية والصهيوينة صاحبة خطة تقسيم الاقطار العربية على اسس دينية وطائفية وعرقية ونجحت إيران خميني؟ الجواب منطقي وواضح لمن يفكر بعمق وشمولية وهو ان القوى الاستعمارية والصهيونية تأتي من الخارج وتخاطب العرب من منطلق اجنبي غريب ومعاد لهم اما إيران الملالي فقد خاطبت العرب من باب الإسلام الواسع، وعندما نجحت في اقناع الكثير من العرب ب (هويتها الإسلامية) وليس القومية الفارسية اخذت تخاطب العرب من خرم الطائفة وحركت فيهم التطرف الطائفي واصطنعت ما يسمى (المظلومية الشيعية) الكاذبة لتحشيد بعض الشيعة العرب، تماما كما فعلت الصهيونية في ترويج (المظلومية اليهودية) قبل ذلك.

والاخطر مما تقدم انها شرعت بتنفيذ حملة تبشير طائفية مدعومة بمليارات الدولارات سنويا لشراء ولاء بعض فقراء العرب المعدمين في كافة الاقطار العربية، فأمريكا والانظمة التابعة لها تخلق الفقر والامية والجهل وتأتي إيران لتقطف ثمرات ذلك بشراء ولاء من يريد اطعام اطفاله وليس لديه مال كاف ويجد يدا (مسلمة) تمتد اليه بالعون ولكن مقابل تغيير الطائفة، وبما ان إيران مسلمة ولا فرق بين مسلم واخر، طبقا لترويج المرحلة الاولى وهي تثبيت إسلامية إيران، فان تغيير الطائفة صار ممكنا بالنسبة لمن يعاني من الفقر والامية. لقد رأينا تحولات خطيرة في الاستقرار التاريخي للانتماءات الدينية والطائفية اوجدت انقساما طائفيا، في اقطار عربية كثيرة مثل السودان والمغرب العربي وغيره، لم يكن موجودا قبل مجئ خميني للسلطة، وهو ما اثار ردود فعل سلبية متوقعة.

وهكذا وجد المسلمون انفسهم يواجهون مشكلة تغيير الطائفة هنا وهناك بحيث اصبحت هذه المشكلة تطغى احيانا على التهديد الاستعماري والصهيوني، وهذا بالضبط هو ما سعت اليه الصهيونية والقوى الاستعمارية منذ عقود من الزمن وفشلت في تحقيقه.

ان نشر ما سمي ب (الثورة الإسلامية)، والتي صارت نشر التشيع الصفوي في عهد خامنئي، كان الديناميت الذي اشعل اخطر الخرائق في الاقطار العربية والتي وصلت اقطار لم يكن فيها تشيع، واسست إيران لها قاعدة امينة في لبنان بعد اعداد دقيق ومدروس بدأ باطلاق حركة امل وانتهى بتاسيس حزب الله.

هدف من شرذمة الاقطار العربية؟

انه الهدف الاول والاهم للكيان الصهيوني لذلك فان المكافئة الصهيونية لإيران خميني كانت إيرانجيت وما بعدها مثل دعم مشروع تقدم إيران عسكريا وتمكينها من تدمير العراق ونهبه والعمل على اجتثاث العراق، وهو امر يعني ستراتيجيا بالنسبة لإيران ازالة العقبة الاخطر من امام توسعها الجغرافي في الاقطار العربية.

انه ايضا هدف أمريكا التي تبنت هدف تقزيم العراق لكنها بتأثير المحافظون الجدد وضغط فشلها امام عراق قوي احبط كل مخططاتها لاختراقه قررت قبول هدف تمزيق وتقسيم العراق، وهو ما ارادت فعله بعد غزو العراق ورايناه بام اعيننا متجسدا بالدستور الكونفدرالي الذي وضعته أمريكا، واطلقت عليه تسمية مضللة وهي الدستور الفدرالي، والذي اسس نظام المحاصصة الطائفية ووضع قاعدة (دستورية) لتقسيم العراق.

انه قبل هذا وذاك هدف إيران التي تريد ازاحة العقبة الاخطر التي تمنع توسعها الامبريالي التقليدي غربا، وهو الطريق الرئيسي لتوسعها وامتدادها تاريخيا، وهي العقبة العراقية، لتتمكن من الاندفاع السريع وبلا عقبات نحو احتلال كافة الاقطار العربية، وبهذا المعنى فان التوجه الإيراني لتقسيم العراق عمره الاف السنين اي قبل نشوء أمريكا وبروز اوربا الاستعمارية.

اذن هناك قاسم مشترك بين الاطراف الثلاثة (الغرب الاستعماري والكيان الصهيوني وإيران) وهو تدمير الامة العربية من خلال تقسيم اقطارها واعادة الاقطار إلى مرحلة ما قبل الوطن والامة وجعل العشيرة أو الطائفة أو العرق أو الاقتصاد أو العائلة اساسا للدولة. هذا القاسم المشترك ليس رابطا يجمع هذه القوى بصورة مؤقتة بل هو يدخل في اطار ما يسمى ب (الستراتيجيات العظمى) للدول اي الخطط الاكثر اهمية في حياة تلك الامم والتي تتحكم بالستراتيجيات المرحلية، لهذا فان صلة إيران بالغرب والصهيونية هي صلة ستراتيجيات عظمى تطغى على الستراتيجيات المرحلية لكل طرف من هذه الاطراف. لو سئلت الصهيوني الواعي هل تريد تقسيم إيران فسوف يقول لك فورا هل انت احمق؟ ومن يقسم العرب طائفيا اذا قسمنا إيران أو اضعفناها؟

8 – ان من مصلحة الغرب الاستعماري (أمريكا وبعض الاطراف الاوربية) ومن مصلحة الصهيونية صنع بطل من إيران لان البطل الإيراني الذي يقاتل أمريكا والكيان الصهيوني، حتى ولو في الاعلام، هو من يخلب لب بعض العرب ويكسب دعم بعضهم حتى لو كانت إيران بنفس الوقت تحارب وتعمل على تقسيم اقطار عربية واحتلالها.

انظروا: إيران تشارك أمريكا في احتلال العراق وتدميره وتشريد شعبه ومع ذلك نجد عربا لديهم صلات ستراتيجية مع إيران ويدعمون إيران، بل ان عربا من فلسطين ضحايا الصهيونية يصفقون لإيران وهي تذبح العراق وشعبه! لماذا؟ لانها حسب ضلالهم وتضليلهم (تحارب اسرائيل) وفي (حالة صراع مع أمريكا)! بالله عليكم متى وكيف حاربت إيران الكيان الصهيوني؟ ومتى واين حاربت إيران أمريكا؟ ان دعم إيران لتنظيمات فلسطينية ولافراد عبارة عن ثمن تافه للسكوت على غزو العراق وتدميره، فليس هناك غطاء افضل للتعتيم على تدمير العراق من وجود تصفيق (فلسطيني) عال لإيران ووصفها انها (تحارب اسرائيل).

بدون جعل إيران تبدو كبطل يحارب أمريكا والكيان الصهيوني لا امل للغرب الاستعماري والصهيونية في تقسيم ودحر الاقطار العربية وتنفيذ سايكس بيكو الثانية. ولهذا فثمة ترابط عضوي ودائم بين نجاح إيران في تقسيم العرب على اسس طائفية وبين صنع صورة البطل الذي يحارب أمريكا لها، فبدون صورة إيران البطلة التي تحارب أمريكا والكيان الصهيوني لن يدعمها عربي واحد.

9 – لنتذكر دائما ان إيران تستخدم الطائفية غطاء اساسيا لها، وانها هي من نجح في نشر فتن طائفية في الوطن العربي فيما فشلت القوى المعادية الاخرى، وهذه الطبيعة الطائفية ميزة رسمية لإيران، فهي وحدها من ثبت في دستور الدولة ان مذهبها هو المذهب الاثنا عشري، ولذلك فان من يقول ان من نشر وينشر الطائفية هو أمريكا أو غيرها لا يخطأ فقط بل هو يريد تزوير الواقع وهو ان إيران هي دولة تتستر رسميا بالطائفية وتؤثر بها وتتوسع عبرها وتحلق على اجنحتها.

ويجب ايضا عدم نسيان حقيقة معاشة وهي ان الاحزاب الموالية لإيران اسست على اسس طائفية صرفة ابتداءا من حزب الدعوة الطائفية وانتهاء بحزب الله الاشد طائفية. وهذه السمة في إيران هي البوابة الرئيسية للتلاقي الإيراني ستراتيجيا مع أمريكا والكيان الصهيوني وكل من يريد اشعال فتن طائفية في الاقطار العربية.

10 – لنتذكر دائما حقيقة تاريخية مهمة جدا تؤثر في واقعنا وهي ان إيران دولة استعمارية نشأت قبل نشوء الاستعمار الاوربي وقبل قيام أمريكا وبروز الاستعمار الصهيوني، فبلاد فارس احتلت قبل الميلاد اماكن كبيرة من اواسط اسيا شرقا وحتى اليونان غربا، واسست امبراطورية استعمارية ضخمة كانت اغلب الاقطار العربية جزء من الاراضي التي احتلتها.

وهذه الخلفية الاستعمارية لم تتجمد في صفحات الكتب وتنتهي لتصبح محض تاريخ ميت بل بقيت حية في قلوب النخب القومية الفارسية تحركها خصوصا حينما تتراجع إيران وتضعف. وقد اطلق هاشمي رفسنجاني تلك الحقيقة حينما قال لم اقام العرب والترك امبراطوريات ويحرمون ذلك علينا؟ وهذا القول صدر ما يشبهه من خميني قبل ذلك.

من هنا فان التطلع الامبراطوري في إيران قوة متحركة وحية وخطرة تتحكم بعواطف وخطط النخب الإيرانية التي لا تخفي اصرارها على اعادة بناء امبراطورية فارس.

11- لنتذكر ايضا ان من حطم الامبراطورية الفارسية الاخيرة هم العرب عندما فرضوا على فارس الإسلام، وياليتهم لم يفعلوا وابقوا جدار النار بيننا وبينهم وهو جدار الغربة وعدم وجود قاسم مشترك بيننا وبينهم وهو الإسلام. ولذلك فان نزعة العمل لاعادة بناء امبراطورية فارسية جديدة تستبطن دائما وابدا نزعة اخرى هي الثأر من العرب الذين حطموا امبراطوريتهم. وهذا العامل ايضا تاخذه الصهيونية والمخابرات الغربية في الحسبان عندما تتعاون مع إيران ضد الاقطار العربية لانه يشكل حافزا ذاتيا لدى النخب الإيرانية لمعاداة العرب والعمل على الثأر منهم بكافة الطرق.

12 – ربما يقول البعض ان الصلة بين إيران والغرب والصهيونية مؤقتة وتكتيكية وهذا غير صحيح فان الغرب، خصوصا أمريكا، ليس ساذجا ولا عاطفيا بل هو يخطط للحصول على مكاسب وتقديم ثمن لمن يخدمه في تحقيق ذلك، والنتيجة الطبيعية للتعاون الأمريكي – الصهيوني مع إيران هي مساومات كبرى على حساب العرب تتمثل في اعطاء إيران حصة من غنيمة سبي العرب وشرذمتهم، وهي تنحصر في اعطاء إيران مكاسب في العراق ودول الخليج العربي ودور اقليمي بارز مقابل تلك الخدمة الخطيرة التي قدمتها إيران وهي المساعدة على احتلال العراق وشرذمة الاقطار العربية على اسس طائفية.

ولكن أمريكا والصهيونية تنظران للامر من زاوية عقلانية وهي ان حاجتهما للعرب لن تتجاوز فترة تتراوح بين 30 و40 عاما بعدها ينفد النفط وتترسخ جذور الكيان الصهيوني ويتشرذم العرب وعندها لن تعود هناك حاجة لإيران، وفي هذه الفترة فان القوة الأمريكية والصهيونية هي التي تضمن ابقاء إيران تحترم ما اتفق عليه.

اذن الصلة الإيرانية بالغرب والصهيونية ذات طبيعة ستراتيجة عظمى وليست ستراتيجية مرحلية عابرة، وهي لذلك ابعد ما تكون عن الصلة التكتيكية. هذه حقيقة عيانية ومعاشة ومن الخطأ نسيانها أو التقليل من شأنها.

13 – اذا جمعنا ما سبق تثبيته وتوضيحه نصل إلى حقيقة خطيرة على مستقبلنا العربي ذات طبيعة ستراتيجية واضحة وهي ان المشروع النووي الإيراني لا يشكل خطرا على الكيان الصهيوني ولا على الغرب لاسباب كثيرة منها ان الغرب والكيان الصهيوني يستطيعان محو إيران من الخارطة نوويا، وهذا ما تعرفه يران تماما، بل هو ومصمم موجه لابتزاز العرب واخضاعهم وليس لغيرهم، وهو هدف يخدم الكيان الصهيوني لانه يحول العرب إلى خردة، ويخدم أمريكا لانه يسهل عملية السيطرة على الاماكن والاقطار العربية التي تريد أمريكا اخذها بلا مشاكل أو ثورات بعد ان تخربها إيران وتفتتها.

وهذه الحقيقة تثبتها الوقائع المشاهدة والمعاشة ومنها ان تدمير المفاعل النووي العراقي ثم تدمير العراق وليس اسقاط نظامه الوطني فقط، كان خطة لتجريد العرب من قوة الردع سواء لاسرائيل أو غيرها، ومقابل ذلك فان المشروع النووي الإيراني ماكان له ان يتقدم ويتطور لولا الدعم الغربي والرغبة الغربية والدعم الصهيوني.

لتتأكدوا من صحة ما سبق تذكروا وانتبهوا إلى ان الغرب والصهيونية لم يدمرا هذا المشروع مع انهما كانا ومازالا يقدران على ذلك عسكريا وتكنولوجيا، كما دمر المشروع العراقي والذي كان سيكون لو تم بناءه العامل الحاسم في تجريد الكيان الصهيوني من قدرته النووية الابتزازية والردعية بتوازن رعب مدمر للكيان الصهيوني.

*سياسي وكاتب عراقي

زر الذهاب إلى الأعلى