دراسات وبحوث

"مصرع الابتسامة".. كتاب حميد شحرة عن ثورة 48 في اليمن

يعرف الكثيرون أن الأستاذ الراحل حميد أحمد شحرة ألف كتاباً بعنوان "مصرع الإبتسامة" وهي التسمية التي عُرف بها بالفقيد وربما أطلقت عليه كلقب، لكن الغالبية قد لا يعرفون من اسم الكتاب سواء العنوان وقد لا يدركون ما هو الكتاب؟ وإلى ماذا يتطرق؟ وماذا يتناول؟، وفي ذكرى رحيله الرابعة نستعرض في هذا العدد مادة الكتاب والقضية التي يعالجها.

المضمون والتسمية
يتألف الكتاب من حوالي سبعة محاور رئيسية إضافة إلى ملحق خاص بالوثائق والمراجع ويحتوي على 341 صفحة من القطع المتوسط وقد صدر عن المركز اليمني للدراسات الإستراتيجية عام 1998م وقدم له الأستاذ نصر طه مصطفى رئيس المركز يومذاك.

ويتطرف الكتاب في مضمونه لقضية سقوط مشروع الدولة الإسلامية في الين إبان الفترة (1938م- 1948م) وهي الفترة التي شهدت فيها اليمن نشاطاً متنامياً للمعارضة اليمنية التي كان يقودها الأحرار إضافة إلى بعض زعماء القبائل والتجار ومجموعة من المحسوبين على آل البيت ضد الأمام يحيى حميد الدين حيث كان الجميع يسعون لإيجاد نظام حكم أفضل لليمن بعد وفاة الإمام يحيى وفاة طبيعية من خلال ما سمي بالميثاق الوطني المقدس الذي يضع تصوراً متقدماً لنظام جديد سيحكم اليمن آنذاك، وتناول الباحث هذه التطورات مثبتاً بالشواهد والوثائق كيف لعبت حركة الإخوان المسلمين في مصر من خلال مؤسسها الأستاذ الشهيد حسن البناء في بلورة تصور جديد لدولة إسلامية في اليمن والجهود والدعم الذي قدمتها الحركة للأحرار اليمنيين والحركة الوطنية في اليمن عموماً.

أما عن التسمية فقد أطلق المؤلف رحمه الله على كتابة "مصرع الابتسامة" مقتبساً ذلك من قصيدة شعرية للشهيد محمد محمود الزبيري في ديوانه ثورة الشعر حيث يقول:

أنا راقبت دفن فرحتنا .. وشاهدت مصرع الإبتسامة
ورأيت الشعب الذي نزع القيد .. وأبقى جذوره في الإمامة
تحن شئنا قيامه لفخار .. فأراه لطغاة هل القيامة

وقد كان معلوماً عن الراحل تائرة بشعر الزبيري وإعجابه بمسيرته النضالية.

مبررات التأليف
يتطرق المؤلف في مقدمة الكتاب إلى الأسباب التي دفعته لتأليف الكتاب والتي بدأت عندما تفاجأ بالسؤال " هل للإخوان المسلمين دور في الحركة الوطنية اليمنية وانقلاب 17 فبراير 1948م " ثم انهالت بقية الأسئلة –حسب كلامه-: عن طبيعة العلاقة التي ربطت الإخوان المسلمين باليمن وأحرارها ومتى بدأت وما الغاية منها وكيف ولماذا؟..

يقول: شعرت أن من واجبي رفع الغبن والظلم التاريخي عن جماعة قدر لها أن تخوض معركة مبكرة مع التخلف الضارب جذوره في وطني في حين كان الآخرون يباركون هذا التخلف ويدعمونه..
وعلى إثر هذا بدأ المؤلف بتجميع مادة الكتاب ليسلط الضوء بشكل مفصل على دور جماعة الإخوان المسلمين بمصر في الحركة الوطنية اليمنية في عهد الإمام يحيى.

يتناول الكتاب في دفتيه نشأة الإمامة في اليمن وبداية حركة المعارضة اليمنية وطبيعة علاقة حركة الإخوان المسلمين بالأحرار اليمنيين وكيف تشكلت تلك العلاقة؟ وكيف دخلت اليمن؟ إضافة إلى قدوم الفضيل الورتلاني وكيف تم التنسيق لإعداد وإعلان الميثاق الوطني المقدس؟ وكيف تحول تصور النظام الجديد "الانتقال الدستوري" إلى "الانقلاب الدستوري" تم أصبح بعد ذلك يطلق عليه ثورة؟ وكيف ساهم الإخوان المسلمين في شرح قضية الوضع في اليمن على مستوى جامعة الدولة العربية؟ وموقفهم من اغتيال الإمام يحيى؟ ويختتم كتابه بقراءه لأسباب الفشل ونتائج ذلك على الحركة الوطنية.

البداية
يؤكد المؤلف أن المعارضة المنظمة ضد الإمام يحيى لم تظهر إلا في وقت متأخر نسبيا وتحديداً أواخر الثلاثينات ومطلع الأربعينات كنتيجة طبيعية لمقدمات سبقتها إثر الهزيمة المهينة للنظام الإمامي على يد قوات الملك عبدالعزيز آل سعود عام 1934م والتي كان من نتائجها اقتطاع مناطق كاملة من الأرض اليمنية وضمها للملكة العربية السعودية وفق اتفاقية الطائف التأريخية.
وقد قسم قوى المعارضة آنذاك إلى ثلاث قوى حسب اوضاعها وثقافتها:
الأولى مجموعة علماء ومثقفي المذهب الهادوي الذين عارضوا الإمام يحيى منطلقين من مبادئ المذهب وحجتهم في ذلك انحراف الإمام عن ركائز وقواعد المذهب الهادوي وقد أسماه المؤلف التيار المناهض للإمامة من أعماق ثقافتها وابرز رموزه الشهيد حسين الكبسي والشهيد أحمد المطاع وعبدالرحمن الإرياني، أما الثانية وتمثل مجموعة من الشخصيات الهاشمية الطامحة للحكم من الأسر والبيوتات الكبيرة المنافسة لبيت حميد الدين كبيت الوزير وبيت شرف الدين.

والثالثة تتمثل في عدد من الشباب المتعلم والمثقف وهم أكثر ادراكا للوضع القائم ومن أبرزهم الزبيري وأحمد محمد نعمان ومحي الدين العنسي وأحمد حسن الحورش وأحمد البراق ومحمد صالح المسمري وزيد الموشكي وأحمد يحيى الشامي وآخرين.

علاقة الإخوان المسلمين باليمن
تعد حركة الإخوان المسلمين من أسبق الهيئات المصرية رسمية وشعبية أتصالاً باليمن إذ تزامن أهتمامها باليمن مع تأسيسها بالإسماعيلية بمصر عام 1928م عندما تعرف الأستاذ حسن البناء مؤسس الجماعة بالعلامة محمد زباره ( أمير القصر السعيد) وقيامه بزيارة الأخوان المسلمين بالأسماعيلية ونزوله ضيفاً عليهم بدارهم وأثناء تلك الزيارة اتفق زباره مع البناء على قبول انتدابه لليمن ليقوم بشؤن التعليم هناك وتبودلت مكاتبات عدة بهذا الشأن بين السيد زباره وسيف الإسلام الأمير محمد البدر ابن الإمام يحيى وقد كان هذا معروفاً بتنوره وتطلعه للإصلاح ومات غريقاً بالحديدة 1938م وبين الأستاذ البناء من جهة أخرى وسعى زباره لتحقيق هذه الغاية وطلب بأسم حكومة اليمن موافقة وزارة المعارف المصرية على انتداب الأستاذ البناء إلى أن الحكومة المصرية رفضت الموافقة رفضاَ باتاً.

وكانت اليمن محط اهتمام مؤسس الجماعة حسن البناء حيث كان يفكر في نقل دعوته إلى اليمن معتبراً أنها الدولة الوحيدة التي لا سلطان فيها للأستعمار وأهلها مشهود لهم بالإيمان والحكمة وتخلوا من الأقليات الدينية ونظام الحكم فيها آنذاك كان يقوم على أساس الإسلام، وقد بلغ من حب الأستاذ حسن البناء لليمن أن أطلق على نجله الوحيد أسم أحمد سيف الإسلام تسجيلاً لهذا الرابطة الروحية بينه وبين اليمن.

بداية الاتصال
لكن اتصال الأحرار بالإخوان المسلمين بدأت عندما بعث الشهيد أحمد بن أحمد المطاع وزملائه في هيئة النضال إلى الأستاذ حسن البناء يطلعوه على الأوضاع في اليمن وذلك في جملة من الرسائل بعثها المطاع إلى الحكومة العربية آنذاك وقوبلت بالصمت وكان الأخوان المسلمين وحدهم هم الذين تجاوبوا وبادروا إلى دعم مطالب الأحرار وعملوا جاهدين لمساندة النضال اليمني والذي تمثل فيما بعد في البعثة التعليمية عن طريق بعض المدرسين المصريين الأعضاء في جماعة الإخوان المسلمين والاهتمام بقضايا اليمن وإبرازها في الوسائل الإعلامية التي كانت تصدر عن الإخوان المسلمين بمصر كصحيفة الإخوان المسلمون اليومية ومجلة الإخوان المسلمون الأسبوعية بالإضافة إلى مجلة الكشكول والتي لعبت دوراً مميزاً للتعريف بالقضية اليمنية من خلال المقالات التي كانت تنشرها لليمنيين المقيمين في القاهرة وللكتاب من الإخوان المصريين حيث كانت تطالب تلك الكتابات والمقالات يضرون الاصلاح وتخليص اليمن من مظالم سيوف الإسلام.

وقد تمثل الدعم الإعلامي للأحرار بدعم صحيفة الصداقة التي أصدرتها مجموعة الأحرار بالقاهرة ودعم صحيفة صوت اليمن التي صدرت بعدن عن الجمعية اليمانية الكبرى وقد أنسحب الخطاب الإعلامي في صحف الإخوان المسلمين المصرية على صحيفة صوت اليمن التي كانت تندد بالحكم الإمامي وأعادت الصحيفة نشر بعض رسائل حسن البناء تعبيراً عن تبني الأحرار اليمنيين لأفكار الإخوان المسلمين السياسية، وتجلى هذا الأمر أيضاً في مجلة (الحكمة يمانية) التي أسسها عام 1938م الأستاذ أحمد عبدالوهاب الوريث بإشراف سيف الإسلام عبدالله وخلفه بعد وفاته الشهيد أحمد المطاع، حيث كانت تنشر مبادئ الإخوان المسلمين في باطن الغلاف الأخير تحت عنوان (من التمدن الإسلامي... عقيدة) وتعد مجلة (الحكمة يمانية) أهم وثيقة تشرح الواقع الفكري للرعيل الأول من رجال الحركة الوطنية وتتطابق المقالات التي كان ينشرها الأستاذ الوريث في المجلة إلى درجة كبيرة مع الأفكار التي كان يطرحها حسن البناء.

ومن خلال القسم الذي خصصه حركة الإخوان المسلمين للاتصال بالعالم الإسلامي بدأ نشاط الحركة وتصالحها في اليمن، و تجلى تأثير الإخوان المسلمين في حركة الأحرار اليمنيين في انتهاج الأحرار أسلوب المعارضة الإصلاحية لنظام الأمام يحيى بعيداً عن الثورية والعنف، وينقل المؤلف عن الإخوان المسلمون اعترافهم بممارسة التأثير على الأحرار اليمنيين الذين كانوا يدرسون في القاهرة وأنهم قاموا بتوجيه الأحرار اليمنيين الذين كانوا يدرسون في القاهرة توجيها صالحاً إلى الحكمة والموعظة الحسنة حيث لم يكن الأحرار يسعون إلى سلطة أو مواقع مرموقة بقدر ما كانوا يسعون لتحقيق بعض مطالبهم الإصلاحية عن طريق الأسرة الحاكمة نفسها دون أن يفكروا بالانقلاب عن الأمام يحيى والإطاحة به وقدمت جماعة الإخوان المسلمين للأحرار رؤيتها الفكرية الإصلاحية الشاملة ومنهجها الإصلاحي المتناغم مما جعل هذه الحركة تتجاوز واقعها المتخلف آنذاك وتتقدم خطوات ضد حكم الفرد في المملكة المتوكلية.

الميثاق الوطني المقدس
يتطرق المؤلف في كتابه إلى زيارة العالم الجزائري السيد الفُضيل الورتلاني والأثر الذي أحدثه في نفوس الطلاب الدارسين في القاهرة أولاً وفي اليمن ثانياً حيث أرتبط بعلاقة وثيقة مع الأحرار ومع الأمام يحيى نفسه وأبنائه سيوف الإسلام فقد كان يقدم النصح والمشورة للأمام وكان في ذات الوقت على اتصال كبير بالأحرار اليمنيين وقد ساهم في دراسة قوى المعارضة ووثق علاقته بأقطابها وخلال الزيارتين التي قام بهما إلى اليمن كان الورتلاني يقوم بسلسلة من الحوارات والنقاشات التي تتناول وضع اليمن بعد وفاة الأمام يحيى وذلك خلال لقاءاته المتعددة بأبرز الشخصيات العلمية والاجتماعية في المملكة المتوكلية ممن أصطلح على تسميتهم بأهل الحل والعقد مطالباً بضرورة الاتفاق على خطة جامعة حكيمة، وقد مثل هذا بداية التمهيد لفكرة الميثاق الوطني المقدس.

وعند زيارته الثانية لليمن عاد الورتلاني بعد أقل من شهرين بصحبة أحمد الحورش ومحي الدين العنسي وكان يحمل معه مسودة الميثاق الوطني المقدس وكثف من لقاءاته بالعلماء والمثقفين والضباط والمشايخ لمناقشة مضمون الميثاق وتشكيله الأسماء المقترحة للحكومة الجديدة واجراء التعديلات عليها وقد استمرت التعديلات في مواد الميثاق وتشكيلات الحكومة حتى نوفمبر 1947م أي قبل انقلاب 1948م بشهرين، وتم إرساله إلى عدن والقاهرة لطباعته وفي نفس الوقت قام عبدالرحمن باشا عزام أمين عام الجامعة العربية بناءً على أتفاق مع الأستاذ البناء بإطلاع الملوك والزعماء العرب على فكرة الميثاق ومطالبتهم بدعم موقف الشعب اليمني لإصلاح بلادهم ونظام حكمها بعد وفاة الإمام يحيى.

ثلاثة أسابيع من الأحلام
بعد أن تحددت المناصب الرئيسية في الحكومة الدستورية القادمة وبعد مداولات عن الأمام الدستوري الجديد الذي سيخلف الإمام يحيى أستقر الورتلاني والأحرار على اختيار عبدالله بن أحمد الوزير من بين اربعة مرشحين ليكون إماماً دستورياً لليمن بعد وفاة الإمام يحيى وكاجراء للتهيئة للميثاق نشط الأحرار في عدن عبر ( صوت اليمن) في نشر مقالات ومواضيع تحمل مضامين الميثاق، وفي الجانب الاخر كان الأخوان بمصر يقومون بالتمهيد والتهيئة لدى الملوك والزعماء العرب للانتقال المقرر في اليمن بعد وفاة الأمام يحيى.

وفي ذات الوقت كان ولي العهد الأمام أحمد على إطلاع يما يدور من خلال بعض الجواسيس الذين كانوا مدسوسين في صوف الأحرار.

الخبر الخطأ والفعل الخطأ
وفي نوفمبر 1947م انتشرت شائعة مفادها أن الأمام يحيى توفي بصورة مشبوهة ونشر الأحرار ذلك في صحيفة صوت اليمن مصحوباً بالميثاق الوطني المقدس وأسماء الحكومة الجديدة التي كانت مشكلة من شخصيات تنتمي للأسرة المتوكلية ونشرت الخبر صحيفة الإخوان المسلمين واتضح فيما بعد أن الإمام على قيد الحياة وأن تلك الأخبار لم تكن سوى شائعة أطلقها الإمام أحمد حسب بعض الروايات لضرب الأحرار خاصة الذين وردت أسمائهم في التشكيلة الحكومية مما يمهد الطريق لصعوده كإمام قادم.

ونظراً لتخوف الأحرار من المصير الذي ينتظرهم بعد فشل مشروع الميثاق المقدس خاصة من الإمام يحيى الذي واجه صهره عبدالله الوزير بما نشرت مجلة الإخوان المسلمون من تشكيلات الحكومة الجديدة، ونضراً لزيادة المخاوف من حصول ضربه مباغته وردة فعل قوية من الإمام يحيى بدأ الأحرار ومعهم الورتلاني بالتفكير بمخرج جديد للأزمة وأتفقوا على قتل الإمام يحيى مع أبنه أحمد غير أن عبدالله الوزير أصر على التعجيل بقتل الإمام يحى وتم الإتفاق على تحديد يوم 17 فبراير عام 1948م موعداً لتنفيذ عملية الإغتيال هذه، ونفذ الإغتيال في اليوم المحدد وقتل الأمام يحيى بينما نجا السيف أحمد من القتل وبدأ حركته المضادة للإنقلاب وكان نجاة ولي العهد سبباً رئيسياً في فشل أنقلاب عام 1948م وهكذا فشل مشروع الميثاق المقدس من الأنتقال الدستوري وتحول إلى انقلاب.

أمام علاقة الأخوان المسلمين بقرار أغتيال الأمام يحيى وكف تعاملوا مع خبر مصرعه فقد تطرق المؤلف إلى ذلك بالتفصيل مستشهداً بالبيان والأخبار التي كانت تنشرها صحيفة الإخوان المسلمين والتي نفت أن تكون للجماعة علاقة بمقتل الإمام العجوز كما أنكرت أي صلة تنظيمية تربطهم بالفضيل الورتلاني وأرسلت الحركة وفداً إلى صنعاء للتعزية والإطلاع على الأوضاع باليمن وتوسط مؤسس الحركة لدى جامعة الدول العربية بتشكيل وفد عربي لزيارة اليمن.

يقول المؤلف أن موقف الإخوان المسلمين من الإنقلاب كان واضحاَ منذ البداية فقد كانوا أكثر الهيئات العربية حماساً له وإطلاعاً على خفاياه وخاضت صحف الإخوان معارك صحفية دفاعاً على الانقلاب ورجاله وفندت التهم التي وجهت إليهم من قبل الأنظمة العربية آنذاك وآليتها الإعلامية التي اعتبرت الانقلاب على ملك اليمن بادرة خطيرة في المنطقة.

أسباب الفشل
وفي سياق سرده لأسباب اخفاق وسقوط الحكومة الدستورية 17 فبراير-13مارس 1948م يسرد المؤلف جملة من الأسباب والعوامل التي كان للإخوان المسلمين صلة بها بصورة مباشرة أو غير مباشرة ومنها تشر مخططات الانتقال الدستوري، ومقتل الإمام يحيى وردود الافعال عليها والذي استفاد منها ولي العهد أحمد إضافة إلى مساهمة الفضيل الورتلاني في صنع الفشل عندما أختار شخصية الإمام الدستوري الجديد.

ومن أسباب الإخفاق التي – بحسب المؤلف- يتحمل الإخوان المسلمين جزء كبير منها سوء تقدير الموقف وذلك بأعتمادهم على دعم وتأييد الجامعة العربية والتي كانت في ذات الوقت مؤلفة من مجموعة من الأنظمة الملكية الحاكمة والتي خالفت تصور الإخوان المسلمين ووقفت في وجه الحكومة الدستورية وقدمت دعمها لولي العهد أحمد خلافاً لما كان يتصوره الإخوان المسلمون.

النتائج
وكان من نتائج فشل الانقلاب سقوط صنعاء في يد الإمام أحمد وإعلانه أماماً على اليمن في 21 مارس 1948م وإعدام 29 شهيداً من خيرة أبناء اليمن وإعدام مجموعة من انصار الإخوان المسلمين في اليمن وبصعوده للحكم انتهى وجود الإخوان المسلمين في اليمن.

ومن نتائج فشل الإنقلاب أيضاً دخول الإخوان المسلمين في مصر أزمة صراع مع الصحافة والمنظمات والهيئات السياسية المصرية والتي وجهت للإخوان المسلمين تهم الإشتراك و التدبير في اغتيال الإمام يحيى حميد الدين ومحاولة الاستيلاء على نظام الحم في اليمن ودللوا على ذلك بتطلع الإخوان المسلمين إلى إقامة دولة إسلامية وكان دافعهم في التورط في قضية اليمن هو عدم تمكنهم تحقيق ذلك في مصر ومناسبة اليمن لذلك وقد تقدم الإخوان المسلمون بمرافعة عظيمة تمثلت بإصدارهم لبيان شرح موقفهم من قضية اليمن.

اسدال الستار
بأنتهاء الأحداث على هذه الصورة المؤلمة وبهذه النتائج السيئة أعتبر الإخوان المسلمون قضية اليمن قضية خاسرة كلفتهم كثيراً وفتحت عليهم جبهات أكثر ووضعت حركتهم تحت المراقبة وكان أكثر الشخصيات أحساساً بهذه الخسارة هو الأستاذ حسن البناء الذي استشهد بعد عام من مقتل الإمام يحيى عندما اغتيل في القاهرة 12 فبراير 1949م في عملية اغتيال مدبره من قبل الأمن المصري.

وبمقتل الإمام يحيى يكون مشروع الدولة الإسلامية الذي كان مرتقباً إقامته في اليمن قد أنتهى وصار إلى الفشل وهكذا قتلت الإبتسامة.

في ثنايا الكتاب
يعد هذا الكتاب مرجعاً هاماً للمهتمين بدراسة تاريخ حركة الإخوان المسلمين سواء في مصر أو اليمن فقد وثق تاريخ الحركة وتطرق لمرحلة هامة من مراحل نشأتها وتعاطيها مع القضايا الدولية وأبرز أدوارها النضالية وتتطلعها لتحقيق مبدأ عالمية الإسلام والإهتمام بالمجتمع الإسلامي كأحد أركان دعوتها.

وقد تعامل المؤلف مع مادة الكتاب بموضوعية وأخفى ذاته وانتماؤه لحركة الإخوان المسلمين باليمن ولم ينزلق كما يفعل بعض المؤرخين الذين يقدمون مشاعر الانتماء وأيديولوجيا التفكير على حساب الحقيقة والواقع ولذلك لم يجد حرجاً وفقاً لقراءته من نقد تعامل الحركة مع الاحداث في اليمن والتصريح بقول أخطأت أو أصابت وفقاً للموقف.

الكتاب يكشف عن الجهد الكبير الذي بذله المؤلف في تجميع المصادر والوثائق ورطبها بالأحداث والشخصيات، وقد ألفه من سن مبكرة جداً وعمره لا يتجاوز الخامسة والعشرين عاماً، وتكشف مادة الكتاب عن امتلاك مؤلفه لمواهب فطرية منحه الله إياها جعلت منه شخصاً واسع الإطلاع والمعرفة وسباقاً في مجالات كثيرة رغم حداثة سنه وقد ساعده في ذلك انتماؤه المبكر لحركة الإخوان المسلمين باليمن وتأثره بأفكارها وقراءته لتأريخها ورموزها، كما أن عمله في المركز اليمني للدراسات الإستراتيجية قربه أكثر من اليمن والتثقيف التأليف.
يقول الأستاذ نصر طه مصطفى في تقديمه للكتاب: "انه يوثق مسيرة النضال والثورة في اليمن.. وكان لحماس مؤلفه الشاب دوراً كبيراً في أن يرى النور.. ورغم أن حميد شحرة من مواليد العصر الجمهوري وعلى صغر سنه فإنه نموذج للشاب الجاد المهموم بقضايا وطنه وبمستقبله.. الأمر الذي يجعلنا نفتخر ونعتز به وبأمثاله".

وإذا كان الراحل قد اعتبر فشل مشروع الدولة الإسلامية باليمن مصرعاً للإبتسامة فإن رحيله هو مصرعاً أخر للإبتسامة.

زر الذهاب إلى الأعلى