كم أنا هائم وعاشق لبلدي، وكم هو غالٍ وطني وعزيز على قلبي وروحي وضميري، تعودت بعد أن أصلي الفجر، وأقرأ أذكار الصباح التي علَّمنا إياها نبينا وحبيبنا المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وجمعها في (ورد الإخوان) أستاذنا عاشق وطنه الإمام البناء رحمة الله عليه، أن أردد مع أمل عرفة وفهد يَكن ما سطره فؤاد وقلم شاعر اليمن المبدع عباس الديلمي:
صباحُ الخيرِ يا وطناً يسيرُ بمجدهِ العالي إلى الأعلى
ويا أرضاً عشِقنا رملَها والسَّفْحَ والشُّطآنَ والسَّهلَ
صباحُ الخير يا قِمَمَاً إليكِ الشمسُ تُهْدِي القُبْلَةَ الأُولى
وأنتِ الخيرُ يا مَن في كتابِ اللهِ ذِكْرُكِ آيةٌ تُتْلَى
وأنتِ الخيرُ يا بلدي .. يا بلدي
تُرَابُكِ طُهْرُ مَن صَلَّى
ومَاؤُكِ مِن دَمي أغلى
وحُبُّكِ هَديُ مَن ضَلَّ
حَمَاكِ الخَالقُ المَولى
وأتذكر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وقد ألجأه طغاة مكة والمستبدون فيها إلى الهجرة من وطنه إلى غيره، وهو يقف على مشارف بلده مكة، مسقط رأسه ومهوى فؤاده، ويقول: (واللهِ إنَّكِ لأحبُّ بلادِ اللهِ إليَّ، وأحبُّ أرضِ اللهِ إليَّ، ولولا أنَّ أهلَكِ أخرجوني منكِ ما خَرَجْتُ)، وتشتد الحمى على سيدنا بلال رضي الله عنه وهو في أرض الهجرة المدينة المنورة فيَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ مُتَغَنِّيَاً بِحُبِّ مَكَةَ ومَعَالِمِهَا:
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً *** بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ *** وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ.
فيُشْفِقُ عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ويدعو على الظلمة والطغاة والمستبدين الذين ضيقوا عليهم وطنهم، كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا، ثُمَّ يقول: اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ. رواه البخاري.
إنه الوطن معشوق المخلصين والأسوياء، ونبض قلوب الأحرار والعقلاء، إنه الوطن الذي علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون (أحَبَّ بلادِ اللهِ إلى قلوبنا)، إنه الوطن بمجتمعاته وأرضه وترابه، بمصالحه وأمنه واستقراره وتنميته ورخائه، بماضيه وحاضره ومستقبله، إنه الوطن أكبر من الرئيس والمرؤوس، وأوسع من الجماعات والأحزاب والطوائف والمذاهب والأعراق والأحساب والأنساب، إنه الوطن ذروة سنام القيم والمبادئ، لا يضر بمصالحه إلا سفيه، ولا يتآمر عليه إلا خائن، ولا يتنكر له إلا عاق، ولا يفسد فيه أو ينهب ثرواته أو يبدد موارده إلا مجرم قد تحلل من الأخلاق، إنه الوطن نبنيه معاً، ونحرسه معاً، ونأخذ بأيدي العابثين فيه، ومعاً نواجه الظالمين، دون أن يتعرض وطننا لخطر أو مكروه.