س6: هل يمكن تجنب عقد صفقات ومساومات بين أمريكا وإيران والكيان الصهيوني على حساب العرب؟
ج 6: كلا فذلك امر حتمي فما دامت هذه الاطراف التقت، وتعاونت وتأمرت، بصورة مشتركة على الامة العربية نتيجة تلاقي ستراتيجياتها العظمى فان المساومات جزء مقوم – اي اساسي وهيكلي – في العلاقات بينهما. انظروا إلى العراق وكيف انه تم غزوه نتيجة تلاق ستراتيجي أمريكي- إيراني – صهيوني، وانظروا كذلك لافغانستان وما حصل فيها وهو نفس ماحصل في العراق من حيث الصورة العامة اذ ان غزوها كان نتاج تعاون أمريكي إيراني رسمي ومباشر. ان النزعة البراغماتية هي السمة المشتركة لهذه الاطراف الثلاثة – أمريكا والكيان الصهيوني وإيران - وهي تقودهم إلى تبني سياسة ميكيافيلية انتهازية مجردة من القيم والاخلاق والمبادئ وتبرر كل تصرف وفقا لمفهوم المصلحة الخاصة. والسؤال الذي لابد ان يطرق ذهن كل مسلم مؤمن هو: اذا كانت أمريكا والصهيونية بالاصل تقومان على البراغماتية فهل يسمح الاسلام بتبني نزعة ميكيافيلية براغماتية من قبل مسلم حقيقي خصوصا اذا كان الضرر يلحق بمسلم اخر من جراء تبنيها؟
لقد وصلت النزعة الانتهازية لإيران الملالي حد عقد مساومات علنية ورسمية مع أمريكا والدخول في مفاوضات رسمية حول العراق وتقاسمه بينهما.
س 7: من هو ضحية المساومات والصفقات الأمريكية – الإيرانية؟
ج 7: انه الاقطار العربية كلها التي تتعرض لاخطر ازمات تهديد الوجود والهوية نتيجة التلاقي الصهيوني –الأمريكي- الإيراني حول القضاء على القومية العربية والكيانات القطرية العربية، ويكفي طرح سؤال واحد لتقديم جواب يؤكد ما قلناه وهو: لم اقترنت ظاهرة زرع – في الاقطار التي لم تكن فيها طائفة شيعية - أو اثارة الفتن الطائفية الخطيرة والمدمرة في الاقطار العربية بزمن الملالي في طهران ولم تنجح في زمن الشاه رغم انه حاول كثيرا ذلك؟
الخلاصة
ما اهمية ما ثبتناه وشرحناه في تفسير حالتنا وما يجري الان وتحديد الدور الإيراني وطبيعة الدولة الإيرانية تحت انظمة مختلفة؟
1 – ان اخطر ما في الدور الإيراني كما اكدته الاحداث في السنوات السبعة الماضية من غزو العراق هو ان إيران هي المنفذ الرئيسي والاهم لسايكس – بيكو 2، والتي تقوم على تقسيم الاقطار العربي، فمنذ انشاء الكيان الصهيوني ومنذ دخل الاستعمار الغربي إلى وطننا العربي تجري محاولات لشرذمة الاقطار العربية وانهاء القومية العربية، وما سياسة (فرق تسد) البريطانية الا انموذج لتلك الستراتيجات الغربية والصهيونية. ولكن ما يجب عدم نسيانه في سياق فهم مسار الاحداث ومحطاته الرئيسية هو ان خطط تمزيق الاقطار العربية على اسس عرقية وطائفية قد فشلت وما نجح هو اثارة تمرد مسلح عنصري في شمال العراق ثم اثارة تمرد عنصري اخر في جنوب السودان، اما الفتن الطائفية فقد فشلت كليا في كل الاقطار العربية، بل ان لبنان، انموذج المحاصصات الطائفية، استقر بعد الحرب الاهلية التي انتهت في مطلع التسيعينيات على قاعدة دروس تلك الحرب واهمها تجنب الفتن الطائفية وتأكيد التعايش بين الطوائف اللبنانية من منطلق ان اي حرب لن تؤدي إلى غالب أو مغلوب فاكل مغلوب والكل خاسر.
وهنا جاء حزب الله لنسف هذا الدرس بتحوله، وباوامر إيرانية واضحة، من حزب (مقاومة) إلى حزب ابتزاز للطوائف الاخرى ومحاولة تحويل لبنان بالقوة من بلد تتعايش فيه الطوائف إلى قاعدة إيرانية تعمل على تصفية الطوائف الاخرى أو اضعافها على الاقل لتصبح إيران سيدة لبنان بلا منازع.
ان صعود خميني وافراخه فقط هو الذي ضمن بدأ عصر نجاح فتن طائفية هنا وهناك في الاقطار العربية والتي لم تعرف – باستثناء لبنان – الفتن الطائفية خلال القرون الماضية وفشلت القوى الاستعمارية في اثارتها. لقد اقترنت الخمينية ببدء عصر الفتن الطائفية في الوطن العربي، وهذه الحقيقة التاريخية الخطيرة - والمعاشة والعيانية والثابتة بالادلة والوقائع والوثائق - تنسف الدعاية الإيرانية الفجة، التي يرددها مرتزقة عرب معها، القائلة بان من يثير الفتن الطائفية هي أمريكا، لان الكل يعرف انه لا أمريكا ولا الكيان الصهيوني ولا فرنسا ولا بريطانيا نجحت في اشعال فتن طائفية رغم كل الجهود الضخمة التي بذلتها هذه الدول الاستعمارية منذ قرن من الزمان، لسبب بسيط هو انها دول معادية وذات طبيعة استعمارية مكشوفة وديانتها، وفقا لقادة الغرب، تتناقض مع الاسلام ولذلك لم تصغي اليها الجماهير وتحصنت ضدها، لكن مجئ خميني واتباعه بثوب الاسلام، اولا، ثم الطائفة والدفاع عنها، ورفع راية الصهيونية ذاتها وهي راية (المظلومية) وبذل جهود جبارة لاثارة الفتن بعد تغليب الانتماء الطائفي على انتماء الوطني في اوساط معروفة هو الذي سمح لإيران وليس غيرها بنشر فتن طائفية هنا وهناك.
وثمة اسئلة يشكل اثارتها تنظيف لعقول بعض الناس من دعايات إيرانية سمجة: من منكم سمع ان في مصر مشاكل طائفية بين شيعة - لم يكونوا موجودين - وسنة قبل وصول خميني وافراخه خصوصا اللبناني حسن نصر الله؟ ومن منكم سمع بوجود طائفية في المغرب العربي والسودان قبل ما سمي زورا ب(الثورة الاسلامية في إيران)؟ من منكم سمع بحصول تحولات طائفية من مذهب إلى اخر وما ترتب عليها من تفجير فتن طائفية واعتبار الصراع بين السنة والشيعة اهم من مواجهة الاستعمار والصهيونية قبل وصول المال الإيراني الذي بلغ حوالي مليار دولار سنويا لحزب الله فقط لشراء فقراء العرب الذين افقرتهم أمريكا عن طريق الانظمة التابعة لها فجاءت إيران وقطفت ثمار ما زرعته أمريكا وقبلها بريطانيا؟
من منكم سمع ان عربيا تجرأ ودافع عن غزوات إيران في عهد الشاه للجزر العربية؟ من منكم سمع عربيا واحدا يدافع عن رغبة الشاه بغزو البحرين؟ لم نسمع ابدا بل كانت الادانة هي الموقف العربي الوحيد. اما الان فان إيران تشارك أمريكا في احتلال العراق وتدميره، وفي نشر اخطر الفتن الطائفية رسميا وعمليا وبلا مواربة، وهي اعمال تبدو سياسية الشاه مقارنة بها بسيطة، ومع ذلك نجد اصواتا عربية تغني لإيران وتمجد إيران وتدعم إيران وكانها حررت فلسطين ! لولا لافتة الاسلام والمقاومة التي صارت غطاء لكل مرتزق عربي يخون وطنه وامته هل كان بامكان عربي واحد الاجهار بدعم إيران مهما كان منحطا وطنيا؟
ولنتذكر هنا ان المرحوم عبدالناصر كان يدعم علنا ورسميا حركات تحرير الاحواز المحتلة من قبل إيران بالسلاح والمال؟ ومع ذلك نجد ناصرويا أو اسلامويا يعد إيران قبلته ويدافع عنها اكثر مما يدافع عن عرضه وشرفه وهويته الوطنية؟ هل يمكن لعاقل واحد ان يستبعد حقيقة ان هؤلاء يعبدون إيران نتيجة تكفلها بتغطية نفقات مكاتبهم وسكرتاريتهم وبيوتهم واحزابهم الوهمية وحراسهم وسياراتهم؟ هل يوجد احتلال إيراني في زمن خميني وخامنئي محمود واحتلال في زمن الشاه مذموم؟ لقد سخرت إيران الملالي الطائفية للتغلغل باسم الاسلام لتمزيق الوحدة الوطنية في كل قطر عربي مستغلة الفقر والبؤس والتخلف والطمع ونزعة بيع الشرف والضمير من اجل المال.
وهنا نصل إلى مفصل حيوي: بما ان نشر الطائفية هو البند الاول والاهم في المخططات الاستعمارية والصهيونية فان إيران حصلت على دعم هذه القوى عسكريا وامنيا واقتصاديا وتكنولوجيا بصورة مموهة أو مكشوفة، عن طريق صنع صورة (محبوبة) لإيران من قبل الغرب تبدو كمقاومة للاستعمار والصهيونية من اجل تمكينها من اختراق قلوب العرب والمسلمين وذلك اهم شروط نشر الفتن الطائفية، لان ناشرها مسلم منا، وليس (صليبيا) أو يهوديا، ومقاوم للشيطان الاكبر ومدافعا عن فلسطين...الخ. ان إيران غيت مثال واضح على الدعم العسكري، كما ان من اشكال الدعم الاخرى التجاهل العملي والفعلي لسعي إيران لامتلاك سلاح نووي وتكنولوجيا نووية وعدم مهاجمة المنشأت النووية كما فعلت مع العراق، وذلك دليل واضح على ان الغرب يريد ان يصنع من إيران بعبا يرعب العرب ويجبرهم على الاستسلام لها خوفا أو طلب الحماية الأمريكية، لانه يعرف ان سلاحها النووي لن يستخدم ابدا لا ضد اسرائيل ولا ضد الغرب بل هو مصنوع لابتزاز العرب.
2 – ان اخطر ادوات إيران هو حزب الله فهو انبثق من بين اضلاعنا ورفع احب شعاراتنا وهو مقاومة الصهيونية، وقدم الادلة على صدقه بتحرير الجنوب ثم افشال خطة الكيان الصهيوني لغزو الجنوب مرة اخرى في عام 2006، وهكذا اصبح رمزا للمقاومة في زمن التراجعات والهزائم العربية مما جعله بطلا في الساحة ! وبقوة تأثير هذه الصفة بدأ مرحلة جديدة بعد عام 2006 بعد ان تم اكمال تأهيله (وطنيا)، وهي استثمار قوته العسكرية الهائلة التي جمعها تحت شعار تحرير الجنوب ومقاومة اسرائيل في اخضاع لبنان وتصفية من يعترض طريق سيطرته عليه. ان غزو بيروت في ايار من عام 2008 وسفك دماء اللبنانييين واستخدام سلاح المقاومة ضد الشعب اللبناني قد دشن مرحلة كشف حزب الله هويته الفعلية ودوره النهائي وهو انه الاداة الإيرانية الرئسيسة التي تستخدم في اختراق العرب وتضليل اجزاء منهم واسقاط المعايير الثابتة والتقليدية في تحديد معنى الوطنية والانتماء القومي وتبني البديل الإيراني بامتياز وهو جعل الانتماء الطائفي هو المعيار الاساسي في العمل والحرب والسلام وتحديد الهوية والانتماء والولاء.
لقد اعاد حزب الله لبنان إلى مرحلة ماقبل الحرب الاهلية الاخيرة التي اتسمت بتحكم خطوط الفصل الطائفي بلبنان بل انه ادخل لبنان في مرحلة هي الاخطر في تاريخه وهي مرحلة تكون قوة عسكرية وامنية واقتصادية وتكنولوجية وشعبية اكثر تقدما وقوة وفعالية من الجيش والاحهزة الامنية ومن كافة التنظيمات السياسية في لبنان، ويملكها طرف واحد هو حزب الله، الامر الذي وضع لبنان على بركان يغلي ويهدد بتحقيق انقلاب مسلح على التوازن التقليدي في لبنان تتحكم فيه القوة وحدها، وتلك هي ميزة دور حزب الله في لبنان. ان لبنان الان يواجه احتمالات الحرب الاهلية بقوة واكثر من كل المراحل السابقة واخطر من كل المراحل السابقة لان لبنان قيد التحول إلى مركز لقطب واحد وتابع علنيا لإيران اذا لم تبادر القوى اللبنانية الوطنية لوضع حد لهذا الاختلال المصطنع في وضع لبنان. وزيارة احمدي نجاد جاءت لتؤكد هذه الحقيقة الخطيرة على الامن ليس في لبنان فقط بل في الوطن العربي كله.
ان هذه النتيجة تخدم الكيان الصهيوني لانه بحاجة لتسويق نطريته الاساسية وهي ان المسلمين يتميزون بالعدوان والتفرد ورفض الاخرين ولبنان الذي يتحكم به حزب الله مثال على هذه الحالة ومن ثم فان الطابع الطائفي للكيان الصهيوني سوف يتعزز، ولذلك لم تكن صدفة ابدا ان يصعد نجم اليمين الصهيوني ويفوز نتنياهو المتطرف ويجعل من وزير خارجيته صهيوني متطرف بل اكثر الصهاينة تطرفا. ان فراعة حزب الله استخدمت لتخويف الصهاينة واجبارهم على تحويل دعمهم مما يسمى ب(المعتدلين) مثل حزب العمل إلى دعم الليكود وغيره. كما ان لبنان المسيطر عليه من قبل حزب الله هو الفرصة التاريخية للغرب الاستعماري لتحشيد امكانياته العسكرية والامنية والاقتصادية لتعزيز حصاره والاكثار من قواعده في الوطن العربي بحج وجود خطر إيراني شامل نووي وامني وشعبي وسياسي...الخ.
ان الدرس التاريخي الخطير لما جرى في لبنان يتلخص في ان مؤامرة تحويل لبنان إلى قاعدة إيرانية ابتدات بتشكيل حزب مقاوم هو حزب الله اردا كسب جماهير لبنانية وعربية بقوة سمعته كمقاوم للاحتلال الصهيوني وقاتله واخرجه من لبنان، ثم بعد اكمال تشكيل صورته الايجابية عليه ان ينتقل إلى دور المهيمن على لبنان وهذا الدور يفرض عليه نزع عباءة المقاومة ويطرح نفسه كتابع رسمي وكامل الخضوع لإيران وانه يعمل لجعل لبنان تابعا يدور في فلاك إيران. ما فعله حزب الله من تنظيم استقبال لم يعد لاي ضيف للبنان اثناء زيارة احمدي نجاد يقدم لنا الدليل الحاسم عل صحة ذلك. يتبع إن شاءالله.
*كاتب وسياسي عراقي