[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

أحذية تحت القبة

حتى منتصف الأسبوع الفائت، كانت موضة التراشق بالأحذية مغيبة عن ساحة الحياة السياسية و البرلمانية اليمنية. رغم وجود تراشق من نوع آخر؛ إن لم يكن سجل التأريخ القريب حافل بحكايا "صفاط" سياسي وبرلماني بأسلحة نارية وبيضاء أكثر وأكبر خطورة ودموية وعلى أسباب وقضايا تافهة للغاية.

لقد أشعل قانون تحديد زواج الصغيرات في اليمن ، نيران الجدل مجددا في البرلمان إن لم يكن هذه المرة، جدلاً حاد ومؤلم ومستهجن أيضاً. إذ أوجد معه للبلاد حضوراً سلبياً مكثف في أشرطة أخبار شاشات التلفزيون العربية وفي صفحات الصحف والوكالات المهتمة بالأنباء الغريبة. ولا أدري ما إذا كانت البلاد في هذا التوقيت بالذات، بحاجة هكذا أنباء؛ بقدر ما هي مسلية للآخرين؛ مبكية ومحزنة لنا.

"تجددت موضة استخدام "الأحذية" للتعبير عن الرأي، وهذه المرة في البرلمان اليمني". كانت هذه الكلمات مفتتح خبر صحفي نشرته جريدة "الأنباء" الكويتية الخميس. وكما تناقلته عشرات الصحف والوكالات تابعت الصحيفة: حيث تحول الخلاف حول قانون تحديد سن الزواج للفتيات إلى معركة بالأحذية في البرلمان اليمني بين مؤيدي ومعارضي المشروع من النواب. وبحسب صحيفة "القدس العربي" أيضاً، أضافت: إنه وخلال مناقشة القانون احتدم الخلاف وتراشق الطرفان الشتائم إلى أن بادر أحد البرلمانيين إلى رفع الحذاء لضرب زميل له قبل تدخل باقي الأعضاء لفض الاشتباك! انتهى الخبر. وبدأت التساؤلات تتموج في دائرة الذهن.. هل كنا فعلاً بحاجة للتواجد بهذه الطريقة وعلى المستوى العربي والدولي ؟! إنه أمر مؤلم.. لكنها الحقيقة.

الثلاثاء الماضي، "أثارت المادة (15) من قانون الأحوال الشخصية والمتعلقة بتحديد سن الزواج في اليمن مواجهات عنيفة بين رئيس كتلة المؤتمر (سلطان البركاني) والنائبين عن حزب الإصلاح عبدالله العديني ومحمد الحزمي". هذا كان أبلغ خبر صحفي محلي موشى بالرزانة. إذ تابع "نيوز يمن": تلك الموجهات أعقبت موجة من الملاسنة الكلامية بين النواب على خلفية طلب رئيس الجلسة (حمير الأحمر) من النائب (عبد الملك الوزير) قراءة تقرير لجنة الشريعة الإسلامية بشأن ما توصلت إليه حول مداولتها للمادة سالفة الذكر.

تقول الرواية إن (شوقي القاضي) وهو نائب إصلاحي تلقى بعد اعتراضه على حديث نائب آخر متذمر من طول القضية والنقاش، تلقى انتقاداً لاذعاً وصل للتكفير من زميله النائب الإصلاحي "العديني". وبعد تطور الملاسنات تدخل البركاني مدافعاً عن القاضي، ورفع حذائه في وجه العديني لكنه حقاً، كان تصرف أخف من إشهار الحزمي لجنبيته أو حتى الإمساك بها بعد أن طار باتجاه البركاني. غير أن آخرين ممن تبقى من النواب هرعوا لفض تلك الاشتباكات.

ومع أن هذه كانت فعلاً، خاتمة ذلك النبأ المنشور بتواتر، إلا أنه كان بمثابة توتر آخر أضيف لي أنا شخصياً وكل المتابعين أو المهتمين بقضية الزواج المبكر وجدليته وأهدافها في البرلمان. فلم يعد أمر الأزمة "طنطنة تحت القبة" وهو عنوان مقال لذات الإشكالية نشرته أسبوعية "النداء" للزميل سامي غالب قبل حوالي عام ونصف من الآن.. لقد تجاوز الجدل المثار مرحلة ال"الطنطنة" وما هو صاخب الآن. فقط، هو صوت الأحذية التي تحلق بحنق في فضاء قبة البرلمان.

حتى اللحظة، لا اعتقد أن قضية حقوقية قبل "زواج الصغيرات" أخذت حقها من النقاش والجدل البرلماني الديني والسياسي.. لا أظن أيضاً أن أي مادة قبل المادة (15) من قانون (الأحوال الشخصية 1994) أثارت أثناء تداولها في البرلمان نعرة التعصب بحذلقة سياسية ساذجة وكرست روح الانشقاق بهمجية قبلية ودينية مفتعلة بين النواب أنفسهم. وهو ما بدا أنها القضية الوحيدة التي ذابت فيها الحواجز والانتماءات السياسية، إذ جزأت البرلمان إلى كتلتين فقط، أحدهما ديني والآخر ليبرالي؛ ومن ورائهم تتكتل كائنات برلمانية من كل الأطياف.

وعلى أنها أكثر قضية تلقفها اهتمام الرئيس شخصياً، فهي من أعيدت للواجهة بعد أن كان البرلمان قد صوت على تعديل مادتها القديمة التي تحدد سن الزواج ب(15 سنة) وقضى التعديل بتحديد سن الزواج ب(18 سنة).. لقد أعيد تداولها في البرلمان مرة أخرى بعد جلسة طغت عليها اللحى والمواعظ على الأرجح. وبالتالي تتابعت موجات كل هذا الصخب المقزز.

هذه الجزئية بالذات، في تأريخ جدل "زواج الصغيرات" في البرلمان والشارع و"المقيل" السياسي اليمني، يرتكز عليه حتماً، تأكيد البعض في أن القضية بما فيها ليست أكثر من لعبة سياسية تستخدم فيها اللحى وبعض الأصوات المبحوحة بنبرة الدين كأداة لإخماد بعض أصوات الأزمات المعاشة المربكة لهم جميعاً بالطبع.

في تقديري الشخصي، لا أشك في صحة تلك التقديرات الكاشفة عن ستار المسرحية الهزلية. إذ لا يستبعد أن أبطال تلك المسرحية الهزلية المشتركة بين البرلمان والحكومة، أو المتشددين الدينيين في البرلمان وخارجه ومن يديرون البلد، يظنون أن الضجة الإعلامية لقضية زواج الصغيرات إلى جانب إسكاتها لصوت أزمة عسكرية أو قضية سياسة ما، ستسهم في تمرير سياسة مرتجلة أخرى دون أن يتنبه المهتمون أو الشعب بها. تماماً، كما حدث وان تجرع المواطن اليمني ما بات يسمى ب"الجرع" السعرية المتقطعة والحادة في أسعار المواد الغذائية والبنزين ... الخ طوال السنتين الماضيتين. ولم يحدث عنها تفوه احد النواب عنها بتلك الجرأة وبذلك الحرص.

لم يحدث أيضاً أن اجتهد احدهم من أجل كرامة الإنسان ولقمة عيشه وتصدى للفساد والمفسدين.. لم يحدث أن بحث آخر مستنداً على إرث ديني منصف وعادل واعترض سيل الأزمات المعيشية المتفاقمة. حيث يتوجب أن يطالب بمحاسبة التاجر الفلاني أو يستعدي المسئول الفلاني أو يصرح في وسائل الإعلام منتقداً الجهة الفلانية.

لو كان محمد الحزمي مثلاً "مشع" الجنبية في وجه رئيس الحكومة قائلاً له هذه في بطنك إن لم توقف هذا العبث المستشري في جسد حكومتك. ماذا لو رفع البركاني حذائه وصاح في وجه مسئول فاسد أو تاجر جشع هذه قٌوتك إن فكرت أن تأكل من قوت هذا الشعب أو ستسقر في رأسك أن أكلت ريال من خيرات البلد وهي ليست ملكك وحدك.

باختصار.. أنا شخصياً لم اعد أعبأ بتصرفات النواب وأصواتهم المقززة وجدالهم المشين. ولم يحدث وأن استغربت من ما تتطاير عند رؤوسهم وأدمغتهم من "أحذية" وما تجود به أدمغتهم من أفكار معطوبة وألسنتهم من مصطلحات نابية. ومع اعتذاري لقلة منهم لا يتجاوزون عد الأصابع، إلا أنني "لعنتهم" جميعاً من خارطة الاتزان والعقل والنبل والأخلاق. ربما لأن إيماني بمسئوليتهم في تحمل أمانة الشعب، توقف نهائياً، حين صوتوا لأنفسهم بفترة برلمانية قادمة في فبراير 2009م.

زر الذهاب إلى الأعلى