عند خاصرة شبه الجزيرة، عند رئة البحر، عند المقلة ولب القلب، يسكن اليمن، هذا البلد، الذي تريد أيدٍ أثيمة أن تخطفه من بيننا في طرفة جفن، أو غمضة عين تريد أن تغتال الفرح وأن تغتصب الأمل،
وأن تفجر الأحلام وأن تفخخ القيم، وأن تسدل ستارها الأسود على عيون الأطفال الذين يذهبون إلى مدارسهم، آملين أن يصبح اليمن يمناً سعيداً، وأن تضع بلقيس كفها على قلوبهم مطمئنة، وأن تكشف عن ابتسامة تطرد بها الخوف والمرض والجهل.
اليمن الذي يسكن الخاصرة، الآن مهدد بالتهشيم، ومطارد من قبل الضواري بالتحطيم والتأزيم، وجعله يهيم في صحاري الأمنيات الهاربة، كما تم ذلك في بلاد كثيرة، وكانت بالأمس هنا، حاضرة متحضرة، واليوم قد رحلت ترتدي أثوابها المرقعة والسوداء القاتمة.
اليمن الذي يسكن الخاصرة بحاجة اليوم إلى هبة من بني الجلدة الواحدة، ويقظة تهش ذبابة ال “تسي.. تسي” التي باتت على مقربة جداً من الحياض، ويحتاج إلى قراءة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، لما يجري لهذا البلد، فالقضية لا تنحصر في طوق طرود مفخخة فحسب، وإنما يجب أن يكون للعين المجردة فعل الميكروسكوب الذي يحدد الذرات الدقيقة المتنامية تحت الجلد، وفي الشريان وخلايا المخ.
ما يجري في اليمن ليس بمحض المصادفة، وليس هي عدوى وبائية جاءت من أقاصي جبال أفغانستان، وبالتحديد من تورا بورا، الأمر الذي يستحق التبصر، والتدبر، والتفكر، لنحمي ما تبقى من بحار عربية لم تلوث بعد، ولندفع الشر عن جبال عربية لم يتسلقها المشعوذون والمهووسون، والمدنفون بحب الموت والتخريب والتدمير.
اليمن اليوم بحاجة إلى أن تتحرك لأجله الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي والعالم أجمع المحب للسلام والوئام لإيقاف النزيف، ودحر التزييف، وصد التخريف، ومنع التجديف لدرء الخطر عن هذا المعقل المهم في منطقتنا العربية، ولأهمية اليمن بالنسبة لموقعه من التضاريس البحرية العالمية.
نقول بصراحة، الطائرات وحدها لن تكفي في مطاردة فلول الشياطين، والمدافع لن تصيب الغربان المختبئة في الفراغ، اليمن في حاجة إلى حصانة اقتصادية واجتماعية وثقافية، اليمن بحاجة إلى الحقيقة التي تدحض عنه افتراءات المدعين، اليمن بحاجة إلى مواجهة من نوع آخر لكبح جماح الذين يريدون له الشر، ويتأبطون ضده الغدر، ويريدون أن يكفنون تاريخ هذا البلد العريق بأناشيد الموت، لأنه ما من كائن على وجه البسيطة يمكن أن يصدق أن ما يجري على أرض اليمن مجرد صراع بين طرفين مختلفين في العقيدة أو النهج، فأمام ثوابت الأوطان، ووحدة سيادتها تسقط كل الذرائع والحجج، ومن يفعل غير ذلك فهو كائن جبان، ومعتد أثيم، باع الوطن مقابل أوهام ونوايا أسوأ من السوء، وأحلك من السواد، وأنجس من العفن.