[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

أزمة الصورة في الإعلام العربي

قد لا يخدم كثيراً مصطلح "أزمة" الوارد في العنوان أعلاه مضمون هذا الموضوع من حيث أن الأزمة بدلالاتها ومقاصد لفظها تشير إلى شيء من التعقيد كثير في موضوع معين لايشترط أن ينحصر في الملفات ذات الصبغة السياسية..

ومن هنا فإن الأزمة المقصودة في حديثي هنا المراد منها إشارة إلى حالة من واقع القطيعة بين الواقع العربي الراهن وحتى الماضي من جهة وبين السبل التي تسلكها الوسائط الإعلامية العربية في تعاطيها مع مقتضيات الواقع العربي وهي سبل تحيط ذلك الواقع بحالة "تأزيم" تختفي معها ملامح الصورة الحقيقية للواقع العربي ولا يتمكن الآخر من معرفة كنه تلك الحقيقة العربية وحتى الإسلامية..

والمقصود هنا أن ساحتنا العربية والإسلامية التي نزلت بها صنوف من الملمات على مدى فترات طويلة وشوهت معالمها الحقيقية صور ذهنية ترسخت لدى الآخر بسبب حالة الضعف التي إعترت وماتزال الخطاب الإعلامي العربي التي عززتها "أزمة" الصورة بالنسبة للإعلام المرئي على وجه التحديد كونه المعني بتوظيف الصورة واستخدامها بشكل أكبر مع أن الصورة تشكلها وسائل الإعلام مجتمعة ولكن بدرجات متفاوتة وفقاً لخصوصية كل وسيلة،لذلك يقول خبراء الإعلام إن أردت التعرف إلى بعض ملامح أي مجتمع حللت فيه ضيفاً أو زائراً أو باحثاً اليوم فلا تكلف نفسك سوى إطلالة فاحصة لواقعه الإعلامي"تلفزيون، إذاعة، صحافة، والوسائط العصرية وإن بدرجة أقل"فنتاجات" ذلك الواقع الإعلامي تنبؤك بما فيه الكفاية عن واقع هذا البلد أو ذاك على إعتبار أن الواقع المنعكس أو المعبر عنه إعلامياً يمثل أو"هكذا يفترض" صورة مصغرة للواقع الحقيقي وهنا تبدأ الحكاية..

واقعنا حافل بصور قد تفوق الواقع على المستوى العربي والإسلامي ولكن إعلامنا عجز وما يزال عن التعبير الأمثل عن تلك الصور بشقها الإيجابي بل ربما تفنن من حيث لايدري في الترويج لصور السلب وبالتالي يكون لزاماً أن تظل صورتنا نحن العرب والمسلمين مشوهة الملامح "دعاة حرب وإرهاب، لاهثون وراء الشكليات والملذات،مستكينون مسلوبو التفكير والإرادة .....الخ"..

والمشكلة تلاحقت فصولها حتى اليوم في زمن الفضاءات المفتوحة وتعدد الوسائط، فتخيلوا أنه منذ عقود طويلة إبان محدودية فضاء الإعلام كان العجز والضعف سمتين بارزتين لإعلامنا العربي والإسلامي في تبنيه لواقعنا الجميل ناهيكم في تصديه لإعلام مضاد أو لنقل مواجه..

وحتى اليوم في عصر مختلف السمات تعززت حالة العجز تلك لأن قطار الإعلام إنطلق ماض بقوة ونحن لم نواكب جزءاً يسيراً من مراحل التغيير تلك،بل جعلنا من بصيص أمل لاح في الأفق الإعلامي العربي من قنوات إذاعية وتلفزيونية وسائل للمناكفات والتربص بالآخر وإشعال فتيل الأزمات في ساحاته ،مع التقدير هنا لنماذج إعلامية محدودة، فعوضاً عن الاتكاء إلى صورة مثلى يتميز بها واقعنا وماضينا ينبغي توظيفها السليم وتعريف الآخر بها رحنا نتفنن في "التناكف" الإعلامي والانشغال بقضايا غير جوهرية وغير ذات صلة بواقعنا لنظهر في موقع الضعف لدى الآخر بل وربما في مواضع إدانة..

فمسلسلاتنا وبرامجنا ونتاجاتنا الإعلامية والصحفية منشغلة بالربح والتكسب وشؤون الساسة وتعيش أزمة صورة حقيقية التي هي "أي الصورة" ليست بألف كلمة كما يقول المثل الصيني بل بملايين الكلمات،وهي مرتبطة بعالم التربية والتعليم والأخلاق والدين والخيال والإبداع،ولكم أن تتخيلوا مستوى وحجم تأثير الصورة في هذه الحالة..

وبما أن الحديث عن أزمة الصورة في الإعلام العربي فقد يتساءل البعض عن أي أزمة نتحدث ونحن أصلاً نعيش في عصر الصورة كما يسمى؟ والمجتمع الإنساني مجتمع تقوم الصورة بالوساطة ،خلاله، في الأنشطة الإنسانية كافة(1). لدرجة حذر بعض المفكرين من طغيان الصورة على ثقافة الإنسان قائلين إن التلفزيون سيحل محل الكلمات فيكون هو العامل الأساسي في التخاطب الإجتماعي(2)، فكيف يمكن أن تنشأ أزمة صورة في خضم هذا الطغيان للصورة بسلبياتها وإيجابياتها؟

وللإجابة هنا فإنه لابد من الإشارة إلى أن الأزمة المقصودة هي في "تأزيم واقع الصورة الحقيقية للمجتمع" أي عدم التوظيف الأمثل لملامح الصورة المثلى لمجتمعاتنا،مع أنه بالمقابل هناك إسراف وبذخ في توظيف الجوانب السلبية للصورة من خلال ثقافة "البوب" الغنائية التي تبنتها كنموذج قناة"MTV " وحاكتها –وما تزال- قنوات عربية غرقت في المحاكاة لتتعزز من خلالها أزمة الصورة الحقيقية لنا كمجتمع ليس بتلك السمات التي سادت لدى الآخر..
على العموم، لا تختلف وجهات النظر كثيراً حول وجود أزمة صورة في إعلامنا العربي لأنها تتفق على وجود أزمة سياسات إعلامية وسيطرة أزمة الخطاب الإعلامي وطغيان كثير من المصالح على حساب أشياء كثيرة ولكن وجه الإختلاف يكمن حول مستوى تلك الأزمة وحجمها فيما يخص الصورة..

فلاشك أن ثمة تقصيراً كبيراً من قبل جهازنا الإعلامي العربي في تبني مشاريعنا النهضوية العربية وخدمة واقعنا الراهن ومستقبلنا حتى ولو بالإتكاء على ماضينا ومآثره الخالدة ولو بنوع من التحسر على أزمان غابرة إذ أنه كما يقال من المنطقي أن يكون موقفنا من التراث إنعكاساً لموقفنا من الماضي وعلاقة هذا الماضي بحاضرنا ومدى تأثيره في توجهات مستقبلنا.بصورة عامة.(3)

ولكن إعلامنا يركض وراء سراب عصري رغم أنه لاعيب في ذلك ولكن لابد من الإنطلاق من مواضع القوة والعظمة في تراثنا ككنز إعلامي ثمين،واليوم يمكننا القول إن إعلامنا يتخذ من تراثنا موقف العارض والزائر، تطوف كاميراته بصحون الجوامع وردهات المعابد وشواهد المواقع الأثرية،وتنقل مايكروفوناته الغناء الشعبي وشعرنا الفلكلوري..

وهلم جراً، ولكن- غالباً- ما يتم ذلك دون تعميق وعرض لمآثر هذا التراث في سياقه الثقافي الأشمل الذي يعين المتلقي على تذوقه واستيعابه، لم يعد كافياً ذلك العرض السلبي والزيارات المتعجلة لتراثنا، ولابد لنا أن نتجاوز الكاميرا والمايكروفون لكي ننفذ إلى المعرفة الكامنة وراء التراث ونستخلص الحكمة من جوهر نقوشه ونصوصه وأصواته وأنغامه وأطلاله ،إنَ علينا أن نعيد اكتشاف تراثنا العربي والإسلامي(4)..

ومن هذه المنطلقات الفكرية يمكن لنا ان نتبين تفاصيل مشهد أزمة الصورة في الإعلام العربي الغافل أو ربما "المغفَل" عن منظومة عربية ماضية وحاضرة وبالضرورة مستقبلية من القيم والصور والإنجازات الكبيرة في حياتنا لنظل نعيش في إعلامنا أزمة صورة رغم عبارة "آبل جانس"الشهيرة في العام 1926" لقد أقبل عصر الصورة" (5)..

لتظل الخلاصة "لقد عجزنا عن تفجير الشحنة الإبداعية الكامنة في تراثنا العربي والإسلامي لأننا قد حرمناه حقه في الحوار مع تراث الآخرين(6)، ولاشك أن خير معبر عن كل ما ورد هو الصورة وليس سواها ولكنها غائبة وإن كانت حاضرة فهي في أزمة توظيف إعلامي..

*إعلامي في قناة في فضائية اليمن الرسمية
[email protected]

----------
المراجع:
(1) د.شاكر عبد الحميد "عصرالصورة" سلسلة عالم المعرفة العدد"311"يناير2005
(2) المرجع السابق ،ص11
(3)د.نبيل علي ،الثقافة العربية وعصر المعلومات سلسلة عالم المعرفة العدد"265"يناير 2001
(4) المرجع السابق ص385
(5) د.شاكر عبد الحميد "عصرالصورة"سلسلة عالم المعرفة العدد"311"يناير2005، عن كتاب "السينما آلة وفن" تأليف روبرت فولتون-المقدمة"
(6) إنظر المرجع رقم "5" ص386

زر الذهاب إلى الأعلى