آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

يروجون انهيار اليمن لاختطاف قراره المستقل

القصة الدرامية للطرود المفخخة رفعت من وتيرة الترويج في القنوات الفضائية ووسائل الإعلام المختلفة (أميركية وغربية وبعض من العربية) أن اليمن على وشك الانهيار تارة، وتارة أخرى تصويرها ملاذاً آمناً لتنظيم القاعدة.

ووصل الأمر أن يذرف البعض دموع التماسيح ويطالب أصدقاء اليمن بالكفاح لتجنب انهيار مؤسساته، ولسان حالهم يردد: "أسرعوا في التهام اليمن وافتراسها" كأنها كعكة على الطاولة، ولكل طرف من الأطراف الدولية والإقليمية مآربه وأهدافه التي تقف وراء هكذا ترويج؛ فقد يجد المرء تفسيراً لترويج بعض القوى الإقليمية والدولية أن اليمن دولة ضعيفة على وشك الانهيار؛ لأن هناك من يبحث عن موطئ قدم على أراضيه في صراعه مع القوى المنافسة.

وهناك من يريد بسط نفوذه واختطاف القرار اليمني المستقل، وإعادة فرض الوصاية التي تحررت منها اليمن.. لكن المصيبة والكارثة أن ينضم للزفة وحفلة الرقص أطراف وقوى سياسية يمنية يفترض فيها إدراك مغازي مثل هذا الترويج.

وإذا كانت لعبة الطرود المفخخة قد كشفت أهداف بعض القوى الدولية والإقليمية، التي لم تعد خافية على أحد؛ فإن المرء لا يجد تفسيراً مقبولاً ومنطقياً لدعوات بعض قادة ورموز قوى سياسية وأطراف داخلية بسرعة إنقاذ اليمن من انهيار وشيك يتخيلونه في عقولهم وجلساتهم ليس إلا..

فهل يعتقد هؤلاء أنهم سيكونون البديل في حال عم الخراب وانتشرت الفوضى في البلاد؟ وهل صدقوا مقولة أن هناك فوضى خلاقة ستحملهم إلى كرسي الحكم؟، ولهذا أصبحوا لا يخفون أهدافهم في تصريحاتهم وسلوكهم السياسي؛ فمنهم من يسعى -بكل الطرق- لإضعاف البلاد ومؤسساتها الشرعية، ومنهم من يحلم بكرسي حكم على مساحة محددة من اليمن وجاهز بسكاكينه وشفراته الحادة لاقتطاع كانتونه الصغير، والمسميات كثيرة وأسماء الحراكات تلوكها ألسن الحالمين والواهمين الذين يعتقدون أن لعبة الطرود المفخخة ستعجل بتنفيذ أوهامهم.

يا سادة يا كرام: من حقكم أن تحلموا بالوصول إلى الحكم، ولكن عن طريق صناديق الاقتراع وليس بوضع العراقيل أمامها تارة بالهروب للأمام وأخرى للخلف عندما يتعلق الأمر بإنجاح الحوار الوطني والمشاركة السياسية للوصول إلى انتخابات برلمانية؛ لأنكم تريدون إيصال البلاد إلى حالة الفراغ الدستوري لتلتقون مع بعض الأطراف الإقليمية والدولية الساعية لإثبات أن اليمن دولة ضعيفة على وشك الانهيار ويجب وضعها تحت الوصاية.

يا سادة يا كرام: أينما كنتم -في الداخل أو في الخارج- تيقنوا وانتبهوا وأصغوا السمع إن كنتم تعقلون؛ فاليمن ليست كعكة على الطاولة وسكاكينكم مصنوعة من خشب، واعلموا علم اليقين أن اليمن عصية ودولتها ليست ضعيفة وليست على وشك الانهيار كما تصور لكم ذلك مخيلاتكم، فقد مرت اليمن بظروف أصعب بكثير مما تمر به اليوم..

وإن تعمدتم إضافة الانسداد السياسي إلى مصاعبها الاقتصادية والأمنية، والذي يأتي متناغماً مع دعوات الالتهام والافتراس؛ فهناك قوى وطنية حية تحب اليمن ووحدتها ناضلت وضحت من أجلها وقدمت قوافل الشهداء منذ ثلاثينيات القرن الماضي ولازالت على عهدها باقية وقابضة على الجمر برغم ما تعانيه من مصاعب اقتصادية وأمنية شارك في صناعتها جميع أطرافها المعنية وليس طرف بعينه، وتذكروا جميعاً المقولة الخالدة "تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها".

ولمن نسي أو تناسى، فليتذكر جيداً أن صنعاء كانت محاصرة وقاب قوسين أو أدنى من السقوط، فكانت ملحمة السبعين يوماً التي انتصرت فيها اليمن بقواها الحية، وإن استطاع أعداء اليمن في الداخل والخارج بعد ذلك جر رفاق السلاح المدافعين عن صنعاء إلى الاقتتال، لكن صنعاء ضمدت جراحها، وجاوبتها عدن بطرد الاستعمار وإعلان الاستقلال وإقامة دولتها وتجربتها التي ذاع صيتها وانتشرت هيبتها ولا زال الجميع يتذكرها، ثم توجت اليمن انتصاراتها بوحدتها في الـ22من مايو 90م، وضمدت جراحها.

كما نقول للحالمين بكانتونات صغيرة ومشيخات وسلطنات والساعيين لاختطاف القرار اليمني المستقل وعودة الوصاية، أن يتذكروا أن اليمن في حرب صيف 94م كانت على وشك التشرذم والانقسام، وكانت سكاكين المتربصين جاهزة لتقطيع أوصالها وتمزيقها إرباً إرباً، فانتصرت اليمن -كل اليمن- وليس طرفا ضد آخر، كما يصور البعض؛ لأن وحدة اليمن وسلامة أراضيه وسيادته وقراره المستقل كانت ولازالت وستظل مشعلاً متوهجاً في قلوب اليمنيين بمختلف مشاربهم واتجاهاتهم السياسية والفكرية وتنوعهم من اليسار إلى اليمين إلى الوسط، وإن حصلت بعض الجراح التي تأخر كثيراً مداواتها، لكن مثل هذه الجراح لا تعطي للمصابين بها الحق في تحريض الآخرين لالتهام اليمن وافتراسها، ولا تبرر للساعيين لاختطاف القرار اليمني المستقل وعودة الوصاية ما يمارسونه تجاه اليمن ولهم جميعاً في أفغانستان والعراق وباكستان نماذج حية.. أفلا يعتبرون منها ويتعلمون الدروس؟!

وأخيراً: لا تحلموا؛ فاليمن عصية وليست على وشك الانهيار، ولن تستطيعوا اختطاف قراره الوطني المستقل ووضعه تحت الوصاية، وسيبقى اليمن قوياً بأهله ورجالاته، وهو -كما تقول لنا أضابير التاريخ ومفردات الجغرافيا- أصل العرب والرحم الولادة التي جاء منها العرب جميعاً، وأهل اليمن هم خَيار من في الأرض جميعاً، وهمُ الذين شهد لهم الرسول -صلى الله عليه وأله وصحبه وسلم- ورحم الله عبد الله عبد الوهاب نعمان (الفضول) وليردد معي كل يمني غيور وشريف:

عشتُ إيماني وحبي أمميا.. ومسيري فوق دربي عربيا
وسيبقى نبض قلبي يمنيا.. لن ترى الدنيا على أرضي وصيا

زر الذهاب إلى الأعلى