آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

صداقة مفخخة!

تتقاطع مشاكل اليمن الأمنية والتنموية، ويرتبط هذا بذاك، وتمتزج هذه بتلك، فتلتحم بما لا يستقيم معها التفكير بالانفصال بينهما، وتوجب على لُسُن عدد من قادة سلطات الدولة اليمنية الواحدة تكرار القول بأن: "لا أمن بدون تنمية" والعكس..

وأن الإحساس بالحاجة إلى عون الآخرين؛ أصدقاء وأشقاء، أقارب وأباعد، وبحالة الفقر العام لا تزيد الاعتزاز بالذات -حسب بعض (الذاتيين اليمنيين)- إلا قوةً وتوطيداً، فيجعل اليمنيين أشد التزاماً باستقلال البلد، واستغلالاً لحساسية موقعه المحتاج وجواره إلى تأمين محيطهم المشترك بقدر ما يتوفر لهم من إمكانيات لا يصعب على أي مقتدر حريص على "استقرار ربوع الجزيرة العربية" لا تنامي "قاعدة الجزيرة العربية"!- مد يد العون إلى جاره، فيجعله حقاً موطن "عمق الأمن ؟لا الخطر- الاستراتيجي"!

واستناداً على تصريحات فخامة الرئيس علي عبدالله صالح السبت قبل الماضي 30 أكتوبر / تشرين الأول 2010م، بعدم قبول أي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية، إثر اتصال أحد مساعدي الرئيس الأميركي بالرئيس اليمني بعد انفجار قضية الطرود المفخخة على مستوى واسع، أخرج الرئيس الأميركي باراك أوباما عن صمته متوعداً "بالقضاء على القاعدة في اليمن"، فجاء الرد من ذات المستوى الرئاسي، وإن لم تستحق القضية عناء الرد طالما "لا تتحمل الحكومة اليمنية مسؤولية الطردين" وفقاً لتصريحات سفير الولايات المتحدة جيرالد فايرستاين خلال لقائه دولة نائب الرئيس عبدربه منصور أول نوفمبر/ ‏تشرين الثاني‏‏ ‏10‏م.

ولدى استضافة قناة (بي بي سي) في برنامج "لقاء مع" الأربعاء الفائت 3 نوفمبر/ ‏تشرين الثاني10‏م، جدد دولة رئيس مجلس الشورى الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني التأكيد على مقدرة القوات اليمنية على مكافحة الإرهاب وعلى استقلال الذات اليمنية المضادة أبداً للتواجد العسكري الأجنبي في اليمن، وأن الأجدى مد يد العون اقتصادياً.

ومد يد العون يتمثل حقيقةً باستعادة ما حدده ورآه رئيس مجلس الشورى، ولا يمارى فيما رأى، وانطوى على تبشير بقادم وانتعاش أفضل، والله ثم القائل أعلم- أي: "بالمساعدة في الجانب الاقتصادي، وأن الإجراءات الجارية الآن بالنسبة لمساعدة اليمن اقتصادياً، جاء الوقت الذي يتم تطبيقها على الواقع لكي ينتعش الاقتصاد اليمني".. منوهاً إلى أن "اكتمال الإمكانيات يمّكن فعلاً من استمرار التعاون الأمني". (السياسية 6 نوفمبر 2010م).

يتسق هذا القول من الأستاذ عبدالعزيز عن توأمة "استقلال الذات وتوفير الإمكانيات" مع تصريحات سابقة لدبلوماسية أميركية تنأى بعيداً باحتمال إرسال قوات عسكرية إلى جنوب غرب الجزيرة العربية، وذاك بتأثير تجربة تدخل مباشر ماثلة للعيان، لاسيما الأميركان!..

والأصدقاء في واشنطن يعرفون تماماً أن لّيس مجدياً ولا مقبولاً المس باستقلال أي قطر عربي على المديين القريب والبعيد؛ إذ باتوا مدركين أن "استثمار مستقبل اليمن" خير وأبقى.. ولذلك شجعوا كثيراً من الدول "الأقدر" على الأخذ بيد الجار "الأفقر"، وألا يعولوا على غير إدارة هذا البلد، الرشد في تثبيت أمن المنطقة، لأنهم موقنون بأن "باب اليمن" مفتوح للمساعدات المثمرة لا للتدخلات المباشرة بكل مظاهرها وخفاياها!.. وأن مسؤولي اليمن -كما يرد في تصريحاتهم- ملتزمون بالدستور..

صحيح أن من الدستور ما يجري تجاوزه أحياناً بممارسة غير واعية، ولكن في المقابل هناك مسائل دستورية أخرى تعد ثوابت أساسية يتم تعزيزها بمدارك واعية.. تتوازى تلكم الثوابت مع احترام الصداقة وهي: صون السيادة والاستقلال، حتى إذا أمطرت المعونات غير المشروطة -لا الصدقات المشروطة- والمساعدات الأمنية بإصرار شديد يؤمّن مصالح الطرفين، ومساعدات تنموية بإلحاح مفيد ينمي مصالح الطرفين ويوائم بين حاجتي وخاصيتي الطرفين أيضاً.

بقيت مسألة توصف بعتب ودود، وردت عبوراً في "لقاء مع" الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني، وهي تشغل بال اليمنيين جداً: قسوة إجراءات الأصدقاء ومبالغتهم بالتحذير مما يدور في اليمن، لقد كادت -حسب بعض المعنيين- أن تصيب سمعة البلد بمقتل، وفي الوقت نفسه ضاعفت من خطر القاعدة، وزادتها عتواً ونفوراً وغروراً، إذ أوحت تلك الإجراءات إلى القاعدة أنها أصابت مرماها بما وجهت من ضربات، وفجرت من مواقف دولية أعادت اليمن إلى واجهة الأحداث، و"فخخت" صداقاته!

ومع التماس العذر بحرص الأصدقاء على تأمين أجوائهم ومواطنيهم إلا أن تضاؤل حرصهم على سمعة صديقهم اليمني، أبدى الصداقة وكأنها "مفخخة"، وإن رد فعل طبيعي لكنه سلبي، كفّ بث الأمن لروح العلاقة المشتركة - قطعاً هي مسؤولية مشتركة- وأرخى شعرة الثقة وخيط الأمل في إمكان ارتقاء درجات تعاون أعلى وأجدى.

ورغماً عن ذلك، لن تعدو هذه المواقف عن كونها غيمة تنقشع في أسرع فرصة ممكنة، وبأبسط الجهود وأقواها أثراً: بتلاحم "أبناء اليمن" مع "أصدقاء اليمن" حؤولاً دون "تفخيخ" الصداقات وفتور العلاقات، ودفعاً بخطوات تتجاوز العقبات قائلين: ما فات مات، ولنمض إلى الخير الآت.

زر الذهاب إلى الأعلى