ليس المطلوب قتل الناطور بل أكل العنب (مثل عربي)
وردتني رسائل كثيرة حول مقالي الموسوم ( شكرا سمو امير قطر ) وكان اغلبها يقطر دما ألما على مايحدث في العراق واطراء لاشاراتي إلى موقف امير قطر من العراق ودوره المباشر في الحاق الخراب والكوارث فيه..
وكانت بعض الرسائل مشحونة بلغة الانتقام والتوعد وقسم الثأر ممن دفع العراق إلى الكارثة، عراقيين وعربا واعاجم، واصابني هم وغم كبيرين وانا اقرأ ذلك النوع من رسائل الثأر لانني لم اقصد في رسالتي إلى امير قطر تزكية الانتقام والثأر من اي طرف كان بل كان همي واهتمامي هو تسجيل حقوق العراق وتوثيقها لاجل حسابات المستقبل وهي حتمية، والحسابات هنا، ولكي لا يفسر كلامي بصورة خاطئة، هي حسابات الحقوق القانونية وليس حسابات الانتقام باي طريقة أو اسلوب. من هنا فان هذا الخلط بين الحقوق وطريقة استرجاعها ونزعة الانتقام من الاعداء والخصوم والاستسلام للاحقاد حتى لو كانت مشروعة، كما في حالات العراق وفلسطين والاحواز، يلزمني بتوضيح عدة حقائق وبعدة ضرورات لا غنى عنها لمن يريد حقا التحرير للعراق والخلاص لامتنا العربية من كوارثها.
حقائق سبع لابد من الالتزام بها:
الحقيقة الاولى: حينما فتح الله باب التوبة شرّع لنا طريقا لابد من السير فيه وهو طريق التسامح مع من يتوب ويتراجع عن ظلمه وشروره. فهل يوجد انسان يتجرأ على شرع الله؟
الحقيقة الثانية: لقد خلق الله البشر وفي طبعهم النقص، واول النقص ارتكاب المعاصي والوقوع في فخاخ الشرور، فهل ننسى اننا حينما ننتقم ونثأر من الخطاة نضعهم في مصاف المعصومين من الاخطاء وتلك هي من صفات الله وحده؟ اذا قبلنا حقيقة ان البشر يخطئون بطبعهم فان ما يترتب على ذلك هو قبول حقيقة ان التوبة مقبولة. ولذلك يقول مثل عالمي (كلنا كالقمر له وجه مظلم). وقال السيد المسيح عليه السلام (من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر).
الحقيقة الثالثة: انزل الله فكرة الاصلاح للنفس البشرية في كل دياناته التوحيدية وبعضا من غير التوحيدية، وقامت اغلب الحركات الاصلاحية على اعادة تربية البشر وتهذيبهم وتوعيتهم وليس ابادة الخطاة. فهل لدينا مشروع حماية الانسان كل انسان بما في ذلك الخطاة والخصوم والاعداء وليس الاصدقاء فقط، واعدادهم للاصلاح وتعلم التمييز بين الخطأ والصواب في الحياة الاجتماعية؟ ام ان مشروعنا هو حمل مناجل الموت لكل من عبس في وجهنا أو اطلق علينا النار؟
الحقيقة الرابعة: ان البشر ليسوا كأسنان المشط، من حيث الكفاءات والقدرات، رغم وحدة قيمتهم الانسانية واصلهم الانساني، فلكل منا قدرات مختلفة عن غيره وطرق سلوك خاصة به، ولذلك فان التنوع طبع انساني وقانون اساسي من قوانين الحياة الطبيعية وليس التماثل والتطابق. من هنا فان التوافق والاتفاق على قواسم مشتركة اول واهم مظاهر الاجتماع الانساني والنضج والعقلانية لدى البشر. في اجتماع ناقصين كالبشر لا احد يمكنه ان يحتكر كل شيء ولا احد يستطيع ان ينسب كل الفضائل له، ولا احد يملك الحقيقة المطلقة وغيره على خطأ، وهذا النفي لكل تلك السلوكيات ليس سوى تحصين ضد وسوسة الشيطان في قلوبنا كي نحتكر وننفرد ونتع إلى ونطغى ونقسو، واذا فعلنا ذلك لابد ان نخرج من عائلة ادم وندخل في بيت الشيطان.
الحقيقة الخامسة: حينما نمارس الثأر نصنع بايدينا حلقة مفرغة لا يمكن كسرها، وهي حلقة دموية مميتة اسمها يتكرر بمأساوية امام نواظرنا: الثأر وتكرار الثأر وتبادل الثأر حتى يسقط الجميع موتى أو ايتام ولا يتحقق للطرفين اي انجاز حقيقي بل يتراجع الجميع ويخسر الجميع، فهل واجبنا الوطني والقومي أو الديني هو ان نموت نحن واولادنا واخوالنا وجيراننا في معمعمة الثأر؟ وهل يحقق الثأر غير راحة عاطفية مجردة من اي فضيلة ويتحول إلى فورات دم لاتنتهي؟ هل واجبنا كقوى سياسية هو رفع نافورة الدم لتصبح شعارا لاحزابنا وقوانا السياسية وتكون بديلا عن سنبلة قمح تشبع الجياع أو نور ينير طريق الحرية للجميع؟
وهل يحقق الثأر ما نريد حقا ام انه اشباع عاطفي سلبي بل قاتل؟ وحلقة الثأر المغلقة والفارغة هي نتاج تبادل الادوار بين المتصارعين في حلبة الثأر، فاليوم انا قوي واستطيع اخذ ثأري منك، ولكن غدا من المستحيل ان اضمن انني سابقى قويا، ومن المستحيل ان امنع عدوي من امتلاك وسائل اخذ ثأره مني، فالزمن دوار (ولو دامت لغيرك لما الت اليك) كما يقول المثل، لذلك فان اول امارات الحكمة والعقلانية هي ادراك انني اليوم قوي ولكنني غدا ساهرم واصبح ضعيفا وبذلك تزداد حاجتي لابني وقريبي وجاري وتظهر حاجتي للمصالحة مع خصمي، وهذه الحقيقة تنطبق في مجال السياسة اكثر من غيره، لذلك فالتحسب صفة عقلانية لاغنى عنها.
الحقيقة السادسة: السياسة كتعبير عن موقف ستراتيجي لا صلة لها بالثأر لا من بعيد ولا من قريب، فهي لها اهداف يجري النضال من اجلها، وليس بين اهداف السياسة، على الاقل بالنسبة لنا نحن العرب، هدف ابادة اخرين عربا أو اعاجم، بل استعادة حقوقنا واعادة بناء اقطارنا وتحقيق وحدة امتنا العربية وضمان العدالة الاجتماعية لشعبنا، فهل نشم بين هذه الاهداف نزعة ثأر؟ كلا. الثأر مفهوم متخلف انحدر الينا من صلب القبيلة، وتلبس عقول الاكثر تخلفا منا، لذلك فان التحرر من الارث السلبي للقبيلة وفي مقدمته نزعة الثأر شرط مسبق لتحرر العراق وبقية اراضينا المحتلة.
الحقيقة السابعة: من ينمي الثأر ويشجعه؟ اذا تركنا الارث القبلي جانبا وهو المصدر الاصلي لنزعة الثأر، فان ما يتبقى هو سياسة معروفة اسمها (فرق تسد) وهي سياسة تبنتنها بريطانيا في العصر الحديث لكنها سياسة وجدت منذ وجد بشر يتقاتلون فظهرت الحاجة لتقسيم العدو من داخله باستغلال كل عيوبه وعيوب مجتمعه وطباعه الخاصة. لذلك وقبل ان نتقدم لاخذ الثأر علينا ان نطرح سؤالا حاسما: من سيستفيد من نزعة الثأر؟ عند الاجابة الموضوعية والهادئة والبعيدة عن العواطف فان المستفيد من الثأر والانتقام هو العدو أو الاعداء الذين يقفون عند بوابات غرف نومنا ويمسكون بوسائد اطفالنا. اذا لم نتذكر هذه الحقيقة كلما غضبنا وانتابتنا عصبية القبيلة، وتبرعمت ونمت مجددا في عروقنا جذور الانسان القديم غير العقلاني وغير المتحضر الدافعة لايذاء من الحق بنا أو باحبابنا الاذى، فاننا مقدمون حتما على اهانة انفسنا وتحطيم العنصر العقلاني في بشريتنا وقمنا بانقلاب ردة شامل على ما حققناه عبر الاف السنين من تقدم وتحضر، وحققنا للشيطان ما اراده وهو ان نسفك الدماء بدون حسابات عقلانية معروفة. وحينما اتحدث عن الشيطان فهو عندي كل من الحق اذى بامتنا العربية.
ضرورات ست لابد منها
بعد عرض بعض الحقائق لابد من توضيح ستة ضرورات اساسية:
الضرورة الاولى: ان الحقوق لا تزول بالتقادم، وهذا يعني ان لنا حقوقا لاتخضع للتسامح و(العفو عما سلف) ولابد من اخذها بالحوار والتفاهم فاذا لم ننجح فبالقوة ولكن القوة يجب ان تكون الخيار الاخير. هذا هو ما يميزنا عمن يقول (اذا صفعت على خدك الايمن فادر لمن صفعك خدك الايسر) ليصفعه وانت ساكن، هذه ليست طباعنا ولا ممارساتنا لا من قريب ولا من بعيد.
الضرورة الثانية: العقلانية هي السيد وليس الانفعال العاطفي، فنحن نواجه كل شياطين الارض صغيرهم وكبيرهم، ونحن لدينا اطفال ونساء وشيوخ ولدينا حديقة هي جميلة مهما قل وردها اسمها وطن، وعلينا ان نحمي كل هؤلاء من حماقة التسرع والانفعال عند صنع القرار. ان القائد السياسي الذي يتسرع في قراره يسبب موت الالاف وربما الملايين، اما الطبيب فخطئه لا يؤدي الا إلى وفاة شخص واحد، لذلك لا يجوز ابدا ان تكون السياسة مسرحا لتفجير العواطف واتخاذ قرارات ونحن في فورة الدم والغضب.
الضرورة الثالثة: لقد كانت اجدادنا يمنعون القاضي من اصدار الحكم وهو جائع أو تعبان أو غضبان أو نعسان أو لديه حاجة بيولوجية عاجلة، مع انه مكلف بتقرير مصير متهم واحد، فكيف يجب ان تكون شروط الحاكم السياسي عندما يحكم في قضية تخص الملايين؟ ان الحكمة الفردية غير كافية والعقلانية الفردية مضللة احيانا بحكم الطبيعة الخبيثة للانا والاعيبها الكثيرة، لذلك فان حكمة الجماعة وقرار القيادة الجماعية هو الضامن الوحيد لصدور حكم عقلاني وموضوعي وصحيح.
تذكروا الحقيقة الثانية التي تقول بان الانسان ناقص وخطّاء ومهما كان عبقريا وحكيما وواعيا ومثقفا وعالما فهو خطاء وناقص وحكمه الفردي ناقص أو خاطئ، ولا تسد الثغرة الانسانية هذه الا بالحكم الجماعي والحكمة الجماعية والديمقراطية والشورى والتشاور، والاهم في التأني في القضايا الكبرى فلا ديمقراطية ولا شورى بدون التأني والتريث والبحث التفصيلي والدقيق في كل صغيرة أو كبيرة تتعلق بقرار عام وخطير.
لنتعلم احد اهم دروس التاريخ ماضيا وحاضرا: الديكتاتور لا يصنع نفسه بقرار منفرد يتخده هو فقط بل يساعده محيطه على التوغل في مجاهيل الديكتاتورية مجهول اثر مجهول حتى يكتشف الفرد انه صار ديكتاتورا دون ان يقصد ذلك غالبا، لذلك فان اول خطوات منع ولادة ديكتاتور هي عدم التوقيع على بياض له ومناقشته وتخطئة اي عمل غير صحيح له والاصرار على جعل المرجعية التي تحسم القرارات الكبرى هي القيادة الجماعية، وعندها سوف ننقذ الانسان الطيب ونمنعه من التحول السهل إلى ديكتاتور ربما لم يكن هو يريده.
الضرورة الرابعة تغيير الاوضاع: ليست السياسة عندنا نحن ثوار الامة كما في الغرب لعبة الاستحواذ على المال ونهبه بطرق متعددة، وهذا يتضمن الخداع والكذب والاحتيال كما رايناه في السياسة الأمريكية تجاه العراق وغزوه وتدميره مثلا، ان السياسة بالنسبة لنا واجب وطني وقومي مقدس، مكرس لتحقيق اهداف العراق، في التحرير واعادة البناء للبشر والعمران، واهداف امتنا العربية في تحرير الارض من الاحتلالات وتحرير البشر من الجوع والفقر والامية والتخلف وتحقيق العدالة والمساواة الفعلية والقانونية في طار هدفنا القومي الاسمى وهو تحقيق الوحدة العربية.
اذن نحن لسنا بصدد تنافس على السلطة وامتيازاتها بل نحن منذورون لتحرير الامة ونقلها إلى حالة ايجابية. وهذه الحقيقة تفرض علينا واجبا اساسيا وهو معالجة ليس امراض الامة فقط بل امراض افراد فيها وقعوا فريسة انانيتهم، فوجدوا انفسهم يجلسون في احضان الشيطان، فهل نتركهم هناك والشيطان يعبث بضمائرهم ويحدد قراراتهم مع انها تؤذي الامة كلها؟ ام نحاول انقاذهم بفتح طريق التوبة امامهم؟ نعم هناك من لا سبيل إلى اصلاحه، نعم هناك من افسد لدرجة انه فقد الاحساس بالذنب، نعم هناك من توغل في درب الجريمة والخيانة، ومئة نعم اخرى فوقها لكن كل تلك النعمات لا تلغي الحاجة للمحاولة، الم يفتح الله ابواب التوبة؟
ماذا نحاول؟ لسنا وحدنا من وجد لديه عملاء وخونة وجواسيس فكل الشعوب واجهت هذه المشكلة المعقدة انسانيا، ولدينا امثلة مهمة جدا منها ما حصل في صدر الاسلام، فقد كان العفو هو قاعدة تعامل الرسول الكريم (ص) مع الكفار من قريش، وموقفه من ابي سفيان معروف رغم انه كان من اشد الكفار ايذاء للمسلمين، لقد قال (من دخل بيت ابي سفيان فهو امن) لقد تجاوز النبي في موقفه العفو والتسامح ومنح ابي سفيان حق حماية من يدخل في بيته.
الاصلاح كان المبدا الاول بعد الانتصار على كفار قريش وليس الانتقام والثأر، وبالفعل دخل الاسلام بعضا من خيرة رموزه، الم يكن خالد بن الوليد من اشد خصوم الاسلام؟ ولكن ماذا اطلق عليه النبي بعد اسلامه؟ (سيف الله المسلول) هذا هو وصف خالد بعد اسلامه، لذلك فان اجدانا كانوا حكماء في التعامل مع الاثار الاجتماعية للانحرافات الجماعية عن طريق الحق.
اما في العصر الحديث فان الصين بعد نجاح ثورتها وجدت ملايين الناس مع العدو الذي هزم، فماذا تفعل بهم؟ هل تبيدهم مع انهم بشر يستحقون الحياة بغض النظر عن الجرائم التي ارتكبوها؟ نعم يحاكم من الحق الضرر والاذى ولكن لا يباد. تلك احدى اهم ملامح الحل الانساني لمشاكل الخطاة والمنحرفين عن الخط الوطني العام في العراق وخارجه.
وهنا لابد من التاكيد على ما يلي: القيادة التي تستحق هذا الوصف وتستطيع كسب دعم الاغلبية هي التي تملك الشعور الاعلى بالمسئولية عن ارواح وحقوق الناس جميعا، من كان على صواب ومن كان على خطأ، فهي تكافأ من كان على حق وتحاسب من كان على خطأ وتصدر الحكم العادل به دون احقاد أو انتقام أو اهانة لانسانيته التي يجب ان تحترم في كل الاحوال. وبعد العقاب واذا اقترن بالتوبة فمن حق المخطأ سابقا ان يمارس حياته بصورة طبيعية وان يتمتع بكامل الاحترام والتقدير والحقوق كغيره من المواطنين.
الضرورة الخامسة ترتيب الاولويات: بما ان لدينا اهدافا كثيرة واغلبها يتمتع بقيمة خاصة فعلينا ترتيب الاولويات بعد دراستها كلها بتأن ودقة، لانه ليس من المنطقي ولا من المعقول ان نضع كل اهدافنا على خط مساواة واحد، فكل هدف يتطلب جهدا ويطرح امامنا خصما معينا أو يخلق لنا عقبة خاصة، فاذا حاولنا تحقيق جميع اهدافنا مرة واحدة فسوف نفشل حتما في تحقيق هذه الاهداف لسببين: الاول قوة الاطراف الاخرى التي سوف نفتح معارك معها مرة واحدة وفي وقت واحدة لانها ستتحد ضدنا، والثاني لان قوتنا محدودة ومهما كانت كبيرة.
ان ترتيب الاولويات من ابرز مظاهر العقلانية والحكمة والتحسب، لذلك علينا دائما ان نطرح سؤالا مهما قبل الاقدام على عمل كبير وهو ما هي الضرورة الاساسية الان؟ وعند الجواب يمكن ترتيب الاولويات بصورة صحيحة.
وفي حالنا اليوم فان ترتيب الاولويات يقتضي ان نحشد كل القوى والشخصيات والجماعات التي تقترب منا حول هدف تحرير العراق وطرد الاحتلال، وبغض النظر عن مواقفها السابقة، فتفكيك قوى العدو الرئيسي لنا وهو أمريكا وإيران يستوجب تجريده من اكبر عدد ممكن من اولئك الذين يلتفون حوله الان، وعزله عن اكبر عدد ممكن منهم. وبين هؤلاء من تورط في التعاون مع الاحتلال لاسباب كثيرة، والشعور بالتردد أو الخطأ هو المقدمة الطبيعية لجره إلى معسكر التحرير ومنع بقاءه رغما عنه مع الاحتلال.
علينا الان والمقاومة تتقدم للحسم في العراق، ان نعيد ترتيب التحالفات لاجل ان تعظيم معسكرنا وتقزيم معسكرات العدو. وتلك مهمة وطنية اولى الان. كما ان ما يجب عدم نسيانه اطلاقا ونحن نحشّد القوى والشخصيات حول المقاومة، هو ان الاقتراب عمل يقوم من اختار سابقا موقفا خاطئا ولسنا نحن، فمعيار الخطأ والصواب هنا هو ان نجعل هؤلاء يقتربون من موقفنا الاصلي والثابت وهو تحرير العراق وضمان كافة حقوقه وعدم التفريط باي منها تحت اي ذريعة.
ما الذي يتطلبه ذلك؟ التسامح والعفو عمن تراجع واعتذر وتاب، ونسيان عواطف ما مضى والاحقاد، من اجل الحاضر والمحافظة على هوية الوطن ووجوده ووحدته، ومن اجل وسلامة الابناء والاحفاد. اما على المستوى العربي فان الاولوية التي لا تعلوها اولوية فهي حماية وضمان عروبة كافة الاقطار العربية ودحر مخططات التفريس الإيرانية والصهينة الصهيونية والامركة، والتي تقوم على تقسيم الاقطار العربية ومحو الهوية العربية.
لذا فان اي خلاف لنا مع اي نظام عربي مؤجل وكل الجهود والطاقات لدحر مخطط التقسيم والشرذمة. هل هذا منطقي؟ طبعا، فقط اسئلوا انفسكم اذا تقسمت وتشرذمت الاقطار العربية ومحيت هويتها العربية فهل تبقى لدينا حقوق؟ وهل يتبقى من يطالب بها؟ لنضمن اولا وجودنا القومي ولنحمي اولا هويتنا القومية كعرب ثم بعد ذلك لنبدأ بالحساب فيما بيننا، وتذكروا ان الموتى لا يتحاسبون فيما بينهم ولا يعاقبون ولا يحاكمون.
الضرورة السادسة الحساب: وهو ليس حساب المتأمرين الدموي، بل هو حساب القانون المبني على الحق والحقوق، وبما اننا امة مستهدفة فالحساب بيننا لا يمكن الا ان يكون وفقا للقانون في المقام الاول والعاشر والمائة، وليس الدبابة أو المدفع. نعم لدينا حقوق لابد من الحصول عليها خصوصا من قطر والكويت وغيرهما بسبب دورهما الرسمي والموثق في غزو العراق، ولكن هذه الحقوق لن تنتزع بالقوة بل بالقانون ولدينا من الوثائق الرسمية القطرية والكويتية والدولية ما يضمن كسبنا لاي معركة قانونية قادمة.
والعراق المتحرر القادم سيكون من القوة بحيث لا يخشى تقادم الزمن ولا تغير الظروف، لانه عراق قائم على حكم وصل بالديمقراطية ويستند إلى قيادة جماعية تتخذ قراراتها بالاغلبية في المجلس الوطني والاحزاب الحاكمة، ولذلك فان ما عد ثغرة في السابق، وهو وجود صراعات بين العراقيين سهلت غزو العراق، لن تكون موجودة في العراق المحرر. صدرنا واسع وصبرنا صبر ايوب ولكن حقوقنا لن تذهب ولن تنسى وسوف نناضل قانونيا ونترك كل الخيارات الاخرى لما بعد اليأس من خيار القانون. رسالتي لامير قطر تقع في هذه الخانة: توثيق حقوق العراق لاجل المستقبل وليس الاساءة.
ماذا بعد؟
الانتقام في ضوء ما تقدم يضعنا في قلب لعنة مخالفة شرع الله ويسلب منا الحكمة والعقلانية اللتان لا حياة حرة كريمة بدونهما، الحساب يقدم لنا مكافئة مسرة ومفرحة وتخلو من الدموع والدماء، أو على الاقل لا تلقي بمسئوليتهما على عاتقنا بل على عاتق من رفض حقوقنا.
ولابد من تذكر الفرق بين لحظة الحكمة ولحظة النقمة، واللحظة هنا ليست اللحظة بمعناها الزمني بل بمعناها الفلسفي اي القوة التي تنقلنا من حال إلى حال اخر مختلف، لذلك فان لحظة الحكمة، اي قوتها وزخمها، تفتح اما ابناءنا واحفادنا بوابات الاستقرار والمحافظة على الكرامة والتمتع بالحقوق بلا منغصات، ولحظة النقمة، اي عمى الانفعالات والاحقاد، تورثنا عدم الاستقرار والحروب وحرمان اطفالنا واحفادنا من حق الاستقرار والحرية والكرامة، فلتكن كل لحظاتنا لحظات عقلانية وحكمة وتحسب، مع المحافظة التامة على نهجنا الثوري المقاوم وغير المساوم، لنصل إلى عراق متحرر من اي عقد أو ازمات لا يمكن السيطرة عليبها.
علينا الان الاختيار هل نريد التحرير حقا؟ فاذا كان الجواب نعم فالخيار الوحيد المتوفر لنا هو وحدة كل العراقيين الاخيار، بما فيهم من يتراجع أو يتوب، ضد الاحتلال واتباعه ومريديه وصناعه. وعلينا تذكر ان التحرير الحقيقي للعراق من كوارثه كلها وليس من كارثة الاحتلال فقط مشروط بفتح الصدور والتوقف النهائي عن حفر القبور، ألا تكفي قبور اكثر من خمسة ملايين عراقي ماتوا واكثرها مجهولة وبلا شواهد تدل على الشهداء النائمين فيها؟