قد نفهم جنون البقر وجنون البشر وحتى الجنون الذي تحدث عنه درويش ذات مساء فقال ناصحاً من حرمه الحصار كِسرة الخبز وشربة الماء
حاصر حصارك بالجنون وبالجنون .. ذهب الذين تحبهم فإما أن تكون أو لاتكون
لكن ما لانفهمه هو جنون الأرقام في خليجي 20 الذي سيشهده وطني، البلد الذي أختلّت لدى أهل الحِل والعقدِ فيه موازين ترتيب الأولويات حتى أصبح كل شيء فيه يحمل ختْم الجنون!.
120 مليار ريال يمني أي (560 مليون دولار أمريكي) هي الموازنة المعتمدة لخليجي 20!؟. 500 مليون ريال تكلفة حفل الافتتاح الذي سيستمر لمدة 30-40 دقيقة فقط !؟. 30 ألف جندي من الأمن والقوات المسلحة سيتم نشرهم لحماية الدورة الخليجية!؟. 10 آلاف عنصر استخباري سيتم زرعهم داخل أحياء وشوارع مدينة عدن لتأمين خليجي 20 إلى جانب انضمام الشرطة النسائية!؟.
هذه بعض الأرقام المجنونة والمعلن عنها رسمياً من قبل الجهات المعنية وربما الأوضاع الحالية في بلادنا تحتاج إلى مثل هذه الأرقام لكن السؤال الذي يدور في عقل المتابع والمراقب هل هذه الأموال تستحقها مناسبة كهذه وهل ستنفق جميعها في مصارفها الحقيقية؟ ثم هل نحن فعلاً بحاجة لهذه الأعداد الكبيرة من الجنود لتوفير الحماية للدورة الرياضية؟ وبعد ذلك ما مصير هذه الحشود بعد انتهاء هذه الحفلة الصاخبة؟
والسؤال الأكبر ألا يعني هذا الصخب الحاصل والمناورات اللفظية والتراشق والشد والجذب والتهديدات التى تطفوا على السطح بين حين وآخر بأن هناك مشكلة حقيقة وجرح بحاجة لتطبيب قبل أن يستفحل ويجري في الجسم اليمني كمجرى الدم إن لم يكن قد استفحل وصار جرحاً غائراً!؟.
ربما يستطيع هذا الجنون الرقمي أن يُنجح هذه الفعالية ويجعلها تمر بسلام لكن من سيستطيع أن يمتص جنون الغليان والاحتقان والفقر والبطالة والظلم والتدهور والتذمر الذي يعاني منه الكثير من أبناء الشعب وبالذات في المناطق الجنوبية حيث سيقام هذا الحدث؟.
ربما يجدر بالمنظومة الخليجية أن تفكر في إقامة بطولة أخرى يتم من خلالها التنافس على قيم ومبادئ ومكاسب ذات جدوى تعود بالنفع على المواطن البسيط وليس لجيوب مجموعة من المنتفعين سواءً كانوا أفراداً أم مجموعات، صدقونا نحن بحاجة ماسة لبطولة يتم من خلالها اختيار وتكريم أجمل مدينة وأفضل مشفى وأرقى جامعة وأعظم اختراع وأقوى اقتصاد وأجود إنتاج..
وأكبر مساحة حرية حتى تجتهد الحكومة اليمنية أو على الأقل تهز ساكناً وبالتالي تصنع شئياً يعمّ خيره شعباً لطالما نهبت خيراته وبيعت بأبخس الأثمان وآخرها صفقة الغاز مع كوريا، أما كرة القدم فقد سئمنا من صداعها المزمن الذي بدّد الطاقات وشغل الشباب بجنون لا ينتهي.