كان نجاح "خليجي- 20" نجاحا لليمن وليس فقط للرئيس علي عبدالله صالح الذي راهن على امكان اجراء دورة كأس الخليج لكرة القدم في بلاده من دون حوادث تذكر. اظهرت مباريات الدورة، اول ما اظهرت، ان الكلام عن تدهور الوضع الامني في البلد ينطوي علي كثير من المبالغات وأنه ليس صحيحا ان السلطة المركزية فقدت سيطرتها علي المحافظات الجنوبية والشرقية. علي العكس من ذلك، تبين أنه هناك رغبة لدي اليمنيين في الدفاع عن ثقافة الحياة من جهة والتمسك بالوحدة من جهة اخري. وهذا شيء مهم يدل على وجود وعي لخطورة الكلام عن العودة الي عهد التشطير.
هناك استيعاب لدى المواطن العادي لخطورة رفع شعارات تطالب بالعودة عن الوحدة نظرا الي ان المس بالوحدة لا يعني بالضرورة العودة الي الوضع الذي كان سائدا قبل مايو 1990، اي إلى وجود كيانين سياسيين منفصل كل منهما عن الآخر هما الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقرطية الشعبية التي استقلت في العام 1967. هناك بكل بساطة استيعاب لمخاطر المس بالوحدة نظرا إلى ان ليس ما يضمن عدم انتقال اليمن الي مرحلة الصوملة بكل ما تتضمنه من اخطار وكوارث. فما لا بدّ من اخذه في الاعتبار ان اليمن الموحد ضمانة لكل اليمنيين، خصوصا اذا امكن ايجاد صيغة تلائم تطلعات ابناء كل محافظة. تتمثل هذه الصيغة في التمتع باللامركزية الموسعة في اطار دولة ذات مؤسسات ديمقراطية قابلة للتطوير.
ان التجارب التي مرت بها دولة الجنوب بين العامين 1967 و1990 يمكن ان تشكل دروسا يستفيد منها الجميع، في الشمال والجنوب والوسط، وذلك بغية تفادي الوقوع في اخطاء الماضي. قبل كل شيء، لم يتمكن اهل المحافظات الشرقية والجنوبية من العيش بسلام ووئام منذ الاستقلال. كان التاريخ القصير لـ"جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" سلسلة من الحروب الاهلية بلغت اوجها في - يناير من العام 1986 عندما استطاع جناح في الحزب الحاكم التخلص من الرئيس علي ناصر محمد الذي كان يشغل ايضا موقع الامين العام للحزب الاشتراكي الحاكم. ما حصل فيما كان يسمي وقتذاك اليمن الجنوبي، كان حربا اهلية بكل معني الكلمة. وفي حال كان مطلوبا تسمية الاشياء باسمائها، امكن القول إن عمليات الذبح علي الهوية والتصفيات، انما تمت في 1986 علي اساس الانتماء المناطقي. لا يمكن بالطبع إلا الترحيب بالمصالحات التي تمت بين الذين تصارعوا في العام 1986 نظرا الي ان ذلك يدل علي نوع من النضج السياسي لدى هؤلاء. ولكن ما لا مفر من قوله في الوقت ذاته انه يفترض بالمصالحات تهيئة الظروف لطرح مطالب معقولة قابلة للتحقيق في ظل الظروف المعقدة التي تمر بها البلاد...
لا يمكن بالطبع اعتبار نجاح "خليجي-20" نهاية المطاف بالنسبة الي القيادة اليمنية وانه يعني ان كل شيء صار على ما يرام في اليمن. يفترض في الجميع، أكانوا في السلطة أو المعارضة البناء على الانجاز الذي تحقق من اجل العمل على تجاوز المرحلة الراهنة بدل البقاء في اسر الشعارات الكبيرة من نوع الانفصال. كذلك، من الطبيعي ألا تبني القيادة اليمنية علي النجاح الذي تحقق للاستخفاف بالمعارضة، بما في ذلك اولئك الذين يطالبون بالانفصال. هؤلاء مواطنون يمنيون، لا بد من معالجة اوضاعهم عن طريق الحوار بغية تفادي اي انفجار كبير يعود بالمآسي على الجميع.
مرة اخري، تظهر الاحداث أن الوضع اليمني ليس وضعا ميئوسا منه. يمكن ان يصبح كذلك، في حال اعتقدت السلطة انها اخمدت نهائيا الاعتراضات في محافظات معينة وأنه في الإمكان النوم علي امجاد الحدث الرياضي الذي شهدته ملاعب عدن والمدن الجنوبية الاخري.
في النهاية، هناك مصلحة لدي جميع اليمنيين في التصدي للخطر الكبير الذي اسمه الإرهاب. انه الإرهاب الذي تمارسه "القاعدة" ومن لف لفها والذي لا يميز بين يمني وآخر. إن الخوف كل الخوف في ان يكون هناك بين اليمنيين من يراهن على "القاعدة" من اجل إضعاف السلطة المركزية.
مثل هذا الرهان بمثابة انتحار لا اكثر ولا اقل. من قال إن "القاعدة" تفرق بين موال ومعارض ويمني من عدن وشبوة وابين وحضرموت والمهرة ويمني آخر من صنعاء أو عمران أو حجة أو صعدة أو الجوف أو تعز أو اب أو البيضاء أو الحديدة. جميع اليمنيين في مركب واحد. يخطئ كل من يظن ان في استطاعته توظيف "القاعدة" لمآرب خاصة به. ضربت "القاعدة" في عدن وحضرموت وشبوة وابين وصعدة. لم يفلت الحوثيون حتى من شرها وشر عملياتها الانتحارية...
يستطيع من يريد التفكير في مستقبل اليمن الانطلاق من "خليجي- 20" للبحث جديا في كيفية تطوير الاتفاق الذي تم التوصل اليه اخيرا مع الحوثيين، بدل الاستعداد لحرب سابعة، والانتقال إلى البحث في حل لمشاكل المحافظات الجنوبية والشرقية وهي جزء لا يتجزأ من مشاكل اليمن الاخري. على رأس هذه المشاكل النمو السكاني غير الطبيعي والتطرف الديني والبرامج التعليمية والوضع الاقتصادي المزري وكل ما له علاقة ببناء المؤسسات. اظهر "خليجي-20" ان اليمنيين علي استعداد للتجاوب مع كل ما يخدم البلد ويحسن صورته. المهم انه وجدت نقطة انطلاق. والأهم اقتناع الجميع بأن الحوار وطرح افكار معقولة وواقعية كفيلان بإيجاد حلول تشكل بديلا من السقوط في هاوية الصوملة والاحلام المستحيلة التحقيق.