أحسست بالوحشة مساء الإثنين الماضي عندما وجدت أن كل البرامج الجميلة التي بثتها فضائياتنا الثلاث والفضائيات الرياضية العربية طوال فترة خليجي 20 قد انتهت مع نهايته، فهذه البرامج التي ظلت تعكس بوسائل وأساليب متنوعة كل ما كان يحدث خلال فترة الدورة الرياضية أخرجتنا من حالة الرتابة والكآبة والإغراق في السياسة إلى أجواء فرائحية ممتلئة بالسعادة والفخر والاعتزاز لم نعش مثلها منذ العيد الوطني العاشر كما أذكر...
لكن ما خفف وحشة غياب تلك الأجواء الرائعة هو هذا النجاح الكبير الذي تحقق لهذه الفعالية الخليجية على أرض اليمن التي أسيء إليها كثيرا حتى يومين فقط قبل الافتتاح، لكن الإساءة التي عادت بالخزي على أصحابها تحولت إلى كميات متدفقة من الإشادات باليمن وأهل اليمن ورئيس اليمن وحكومة اليمن واللجان المنظمة للبطولة في اليمن، وبدا الكثير من هذه الإشادات صادقا مخلصا مفعما بالعواطف الجميلة نحو هذا البلد الطيب أهله الجميلة أرضه، فيما كان جزءا كبيرا مما كتب وقيل يوجه اللوم الشديد والنقد الصارخ والإدانة الواضحة تجاه كل الذين قادوا الحملة ضد اليمن من الداخل والخارج وشككوا فيه وفي أوضاعه وأمنه وشعبه...
لقد تغيرت الصورة 180 درجة وفعلت الرياضة ما عجزت عنه السياسة ولن يصبح من السهل على أحد بعد الآن أن يكرر تلك الإساءات، ويكفي أن صحفيا أمريكيا كبيرا هو (روبرت وورث) كتب مقالا هاما في الصحيفة الأمريكية الأشهر (نيويورك تايمز) يوم الإثنين الماضي خلص فيه إلى أن اليمن وإن خرج فريقه من الدور الأول إلا أنه حقق نجاحا كبيرا مع الرأي العام الدولي، وأنه نجح في استضافة هذه المناسبة الرياضية وقدم صورة مختلفة عنه عكس ما كان قد تم تعميمه على مستوى العالم.
ستظل الصورة الجميلة عن اليمن راسخة في ذاكرة العالم كله الذي كان يترقب حدوث ما يزعزع الأمن خلال خليجي 20 واكتشف أن اليمن بلد يعيش حياة طبيعية عادية كمختلف شعوب الأرض، وأن ما يحدث هنا أو هناك من عمليات إرهابية محدودة أو تحركات سياسية معارضة للنظام لم تستطع أن تغير مسار الحياة المستمرة والمتدفقة في مختلف المدن اليمنية...
وأقترح على البعض أن يرجع لما كتبه السفير الأمريكي السابق عن اليمن بعد مغادرته له بأنه ليس دولة فاشلة ولا تنطبق عليه هذه الصفة وهو ما أكده السفير الجديد في حواره مع قناة العربية الشهر الماضي... أقترح ذلك لأن بعضنا يمكن أن يقتنع بوجهة نظر دبلوماسي أمريكي لكنه لا يمكن أن يقتنع بوجهة نظر باحث أو محلل أو مفكر يمني إن قال مثل هذا الكلام.
هذه الصورة الجميلة لليمن يجب أن تستثمرها الحكومة اليوم برؤية وخطة واضحة المعالم والأهداف، فما تحقق من مكسب كبير بتصحيح الصورة المغلوطة لم نكن لنستطيع أن نقوم به حتى لو أنفقنا على شركات علاقات عامة دولية ضعف المبالغ التي تم إنفاقها على خليجي 20 وأتصور أن النجاح الباهر لهذه الفعالية قد أنجز عمليا النسبة الأكبر من الأولوية الرئاسية والحكومية العاشرة المتعلقة بتحسين صورة اليمن على الصعيد الدولي...
وفي ظني أن الخطوة الأولى للمطلوب إنجازه من الحكومة خلال الفترة القادمة يبدأ من الرسالة الهامة التي وجهها الرئيس علي عبدالله صالح في كلمته لبعض وحدات الجيش يوم الإثنين الماضي وخلاصتها (أنه لا يمكن أن يتحقق أي إنجاز إلا في ظل نظام وقانون يسري على الجميع ودون استثناء)، ولعل هذه هي العبرة التي استخلصها فخامة الرئيس من النجاح الكبير والمشرف لخليجي 20 وهي ترقى بكل تأكيد لمستوى التوجيه واجب التنفيذ من الجهات المعنية...
لقد اختصر الرئيس بهذه العبارة الكثير من سنن الحياة التي لا تصلح ولا تستقيم ولا تزدهر ولا تستقر حياة الأوطان والشعوب بدونها، ولذلك يجب أن تكون هذه العبارة التاريخية عنوان العمل الوطني في المرحلة القادمة ولابد أن توضع التصورات التنفيذية لها خاصة أن الأولوية الرئاسية والحكومية الثامنة التي ركزت على ترسيخ سيادة النظام والقانون تصب في ذات الرؤية التي عبر عنها الرئيس في خطابه.