عشرون عاما مضت منذ آخر فرح حقيقي تمتع به هذا الشعب الكريم في أرومته، المنكوب بحكومته ومعيشته..عقدان من السنين والأيام مضت من ذلك الفرح التاريخي المجيد الذي ملأ حياتنا غبطة وبهجة وسرورا..
يوم الثلاثاء الموافق 22 / مايو 1990م يوم ضحكنا ملء أشداقنا حتى ظهرت نواجذنا وأغرورقت عيوننا بالدموع طرباً وتشققت خدودنا من الابتسامات وشرقنا بالضحك وبكينا من لذة الفرح وشوق اللقاء بأهلنا وأحبابنا في جنوبنا الحبيب، بكينا يومها من هيبة الموقف وخشوع اللحظة في ذلك اليوم الأغر في جبين الدهر والتاريخ واليمن، يوم أشرقت الشمس بنور الوحدة على كل الربوع اليمانية وأعلن اليمانيون على الدنيا عودة لحمتهم والتئام شملهم ورأب صدعهم واكتمال وحدتهم العضوية بشموخ الرجال، يومها برئت ذمة الأبناء للآباء والأحفاد للأجداد، ومنذ ذلك اليوم الأغر ونحن لا نعرف للفرح طعما ولا للسعادة لونا أو للابتسامة طريقا..
عشرون سنة من جفاف الروح والفرح معا.. عشرون سنة جرت فيها الكثير من الدموع والقهر اليومي بدون ذنب جناه هذا الشعب.. تمزقت شفاهنا من كثرة العض عليها غيضا وألما وتخشبت خدودنا من شدة عبوسها وتقطيب الجبين.. نرى العداوة ولا نرى أسبابها.. عشرون سنة من الألم والقهر والقحط السياسي اليومي غير المسئول في حق هذا الوطن.. عشرون سنة من الحروب العبثية والدماء المسفوحة دون قضية، عشرون سنة من التنابز السياسي السخيف والفتن المتناسخة بلا نهاية.
فجأة يزورنا الفرح زيارة الكرام وليتها كانت زيارة اللئام.. 22/ نوفمبر- 5 / ديسمبر 2010م.. أياما معدودات بمختلف ألوان الفرح اللذيذ العابر لن تنسى من ذاكرة اليمانيين والأشقاء الخليجين بشكل عام والكويتيين بشكل خاص.. ومن المصادفات العجيبة أن الأخوة الكويتيين أيضا كانوا مثلنا يعيشون في خصومة مع الفرح - مع الفارق طبعا - وبعيدين عن الأعراس والليالي الملاح التي ألفوها وتعودوا عليها من قبل منتخباتهم الكروية إلى درجة الاحتكار لبطولات الخليج منذ انطلاقتها في العام 1970 م في دولة (البحرين)..
كان الفرح عنهم غائبا أكثر من اثني عشر سنة عجاف.. وكان اسم اليمن في الذاكرة الجمعية للشعب الكويتي الشقيق يثير الكثير من علامات التعجب والعتاب (المرير) مشفوعا بمواقفهم الصادقة مع اليمن منذ اليوم الأول للثورة عام 1962م حتى يوم الوحدة وما بينهما، من المساعدات والمعونات النزيهة التي لا تشترط أي شروط.. كما يفعل الآخرون الذين يشترطون أولا حجم اللوحة الإعلانية الفسفورية المضيئة على الطرقات الرئيسية موضحة اسم البلد الممول للمشروع قبل التنفيذ بشهور.. لكنها (الكويت) كانت بعيدة عن كل ذلك المنّ والأذى..
حيث دعمت التعليم والصحة والزراعة والتنمية بسخاء بلا حدود ومعوناتهم شاخصة وشاهدة حيّة بين ظهرانينا إلى ما شاء الله.. ولازالت تدعم حتى اللحظة رغم الجرح الغائر في أعماقها.. فكان العرس الخليجي الكبير على ارض اليمن.. وكانت خطوة موفقة من اليمن حين أطلق اسم الشهيد الشيخ / احمد الفهد على الدورة العشرين من بطولة الخليج.. فكان الوفاء من اليمن وكانت الفرصة السانحة التي هيأها القدر لرد بعض الجميل إلى الشعب الكويتي الشقيق الأرض والإنسان.. وللرجل العروبي القومي الأصيل الشهيد / احمد الفهد الذي كثيرا ما طالب في الثمانينات بإدراج (اليمن) ضمن هذه البطولة الإقليمية التي تعزز أواصر الحب والإخاء بين الأشقاء في منطقة الجزيرة والخليج..
والحمد لله فقد كسبت الرهان (شخصيا) أمام أصدقاء المقيل عندما كنت أشجع أمامهم منتخب الكويت بكل صراحة وأقول لهم أتمنى من أعماق قلبي أن يفوز المنتخب الكويتي هنا في اليمن وفي هذه الدورة بالذات التي تحمل اسم الشهيد، فوافقني بعضهم مشكورين ومتفهمين لمقصدي البعيد، والحمد لله الذي حقق أمنيتي..
فمنذ تسلم المنتخب الكويتي كاس البطولة على ارض اليمن بعد طول غياب له مع الفرح، وكاس الشهيد أصبح في يدي أبني الشهيد بحضورهم الكريم وسيحملونها إلى بلد الشهيد وشعب الشهيد الذي سميت البطولة هذه بالذات باسمه في دورتها العشرين فلن تعتقد الكويت بعد الآن حكومة وشعبا أن (اليمن) فأل سوء أو طالع شؤم عليهم أو رمزا للجحود ونكران الجميل، فذلك ليس من شيم اليمانيين الحقيقيين ولا من أخلاقهم وان جنت (السياسة) عليهم يوم ما ووصمتهم بما ليس فيهم ظلما وسوء فهم.. إن اليمن فأل سُعدْ ورمز خالد (لليمنْ) والبركة والخير والطالع الحسن.. ولذلك قال المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.. (نفسُْ الرحمن من ارض اليمن) وفي رواية (يطلع عليكم الآن أهل اليمن كأنهم السحاب هم خيار من في الأرض)..
وقال عبدالله بن العباس لبعض اليمانيين :لكم من السماء نجمها، ومن الكعبة ركنها، ومن السيوف صمصامها ويعني سهيل اليمان من النجوم والركن اليماني من الكعبة و صمصامة (السيف) (عمرو بن معدي كرب الزُبيدي المذحجي) فارس العرب عامة في الجاهلية والإسلام الذي وصف بأنه رجل بألف رجل.. فكيف لا تكون (اليمن) فأل خير لكل من سالمها وآخاها وآزرها وأعانها في شدتها.. إن هذه الأرض كريمة طيبة بشهادة رب العزة و الجلال.. وهي ولادة للشرفاء الكرام من أبنائها الذين يردون الجميل بأحسن منه وليس فيهم من يجحد الجميل سوى من كان دخيلا عليها..
حتى وان كان يحمل جنسيتها واسمها أو يشغل منصبا رفيعا فيها.. حيث تعرضت هذه البلاد الكريمة عبر تاريخها لعدة غزوات أجنبية وحملات عسكرية من خارجها.. من الأحباش والفرس والأتراك واليهود وغيرهم.. فاختلطوا مع بعض الأنساب اليمنية وتناسلوا معها.. فتشكلت بقايا أجناس وجينات بعد زوال الاحتلال وأصبحوا يمنيين بالجنسية وحسب..
وبقيت قلوب بعضهم ترنوا إلى موطنها الأصلي في فارس وتركيا والحبشة وغيرهم دون ولاء أو وفاء لهذه الأرض حتى وبعضهم يتبوؤن فيها مواقع مسئوليات كبيرة.. لكن العرق دساس.. كما يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام.. فأساؤا إلى هذا البلد الكريم بتصرفاتهم وأساؤا إلى أشقائه.. لذلك وبعيدا عن أي عنصرية عرقية أو شوفينية طورانية نقول أن أخلاق اليمني الأصيل من نسل قحطان بن هود عليه السلام ليس من شيمتهم الجحود ونكران الجميل إلا ممن اندس بينهم وتجنس بجنسيتهم ولم يتحلى بأخلاقهم.. وصدق رسول الله حين قال : الناس معادن فمنهم الرخيص والغالي.. أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
قبل الختام :
كل الشكر والثناء لأهلنا وأبنائنا في (عدن) الحبيبة و(أبين) البطلة خاصة وكل الشعب اليماني عامة على حرصهم في إنجاح بطولة خليجي (20) في محافظتي عدن وأبين سواء بالحضور الجماهيري الرائع الذي أذهل الأشقاء في الخليج أو من خلال الاحتفاء البالغ بالأشقاء وعكس الصورة الحقيقية للشعب اليمني الكريم أمامهم فكان لها الأثر الأعظم في نفوسهم.. لقد كان أبناء (عدن) بالذات سر نجاح البطولة بأخلاقهم العالية وعشقهم الأزلي للرياضة.. فكانت عدن واحة غناء للقاء الأحبة كما هو عهدها منذ عرفناها في الستينات و إلى ما شاء الله..
لقد دمعت عيناي وأنا أشاهد شباب (عدن) الرائعين يزفون المنتخب الكويتي أثناء وداعه إلى ارض المطار بالأغاني والأهازيج واختتموها بالرقص الجماعي مع شباب المنتخب الكويتي أمام بوابة المطار كوداع استثنائي لن ينساه أعضاء المنتخب الكويتي مدى الحياة.. قلت في نفسي إنها عدن التي اعرفها أولا ثم شباب (عدن) ملح البطولة وحلاوتها وبهائها وروعتها ولا أبالغ لو قلت لو لم تكن البطولة في (عدن) وعدن بالذات ما كنا لنحصد اليوم هذا الإعجاب الكبير باليمن من قبل الأشقاء.. وهذا النجاح الكبير الذي انعكس على كل الوطن اليمني الموحد، رغم انف دعاة الردة والانفصال.. الذين تم تصفيدهم وعزلهم كما يعزل الجرب..
آخر السطور :
كل الشكر والتقدير للنجم الإعلامي الكبير ونجم البطولة الأبرز خلف الميكرفون المعلق الرياضي الرائع (فارس عوض) الذي جعل اليمنيين مدينين له بالشكر والعرفان لتلك الصورة الرائعة التي نقلها عنهم وعن اليمن أرضا وإنسانا بكل أمانة وتجرد إلى العالم عبر الأثير.. مثلك أيها العزيز (فارس) له النصيب الأوفر من اسمه فقد كنت نعم الفارس ونعم العوض علينا من الله من أولئك الغربان والبوم من أزلام دعاة الانفصال الذين لا يعيشون سوى في الظلام ولا يقتاتون إلاّ من دم الضحايا والجيف..
فشكرا لك من الأعماق عن كل ما قدمته وعرفت به العالم من شمائل اليمنيين وأخلاقهم وأمان أرضهم فكنت نعم الأخ ونعم الضيف والشاهد.. والشكر موصول لأبطال قواتنا المسلحة والأمن عن كل ما قدموه من يقظة أمنية رائعة فكانوا لنا العزاء الجميل في إنجاح البطولة بعد أن خذلنا عجائز منتخب (الطبة) إدارة ولاعبين ومسئولين ومدرب.. وهم الأولى بصرف المكافآت وليس أولئك الذين كانوا في الغرف المكيفة والليالي الحمراء والفضائح العفنة.