أيها الأشقاء.. سلام الفرح الممتد من سماء اليمن إلى كل مدينة خليجية تعمِرها قصوركم الفارهة.. أخيراً، منحتمونا مشكورين، فرصة مميزة لنشوة النصر حتى وإن كان ذلك قد تحقق في مضمار طالما عرفنا نحن اليمنيين أن لنا فيه بصمة السبق الفارقة في علامة التفوق والنجاح.
ما يربو عن أربعة عقود وانتم تنهلون من ينبوعنا الفني الذي امتلأت به أحاسيسكم وكل القلوب الهواوية في العالم العربي، وها نحن اليوم نستعيد مجد ما كتب لنا فيه بشهادتكم أيضاً، من حقوق التفوق الحصري منذ دندنة حسين المحضار إلى شجو الواعد فؤاد العديني، وما بينهما من أسماء بالطبع، اعتلت صدارة الأغنية الخليجية منذ عقود ك(أبو بكر سالم بلفقيه والمرشدي وفيصل علوي ومحمد سعد عبدالله والثلاثة الكوكباني وكرامة مرسال وأيوب طارش وآخرين)، ولست بحاجة هنا لذكر الفنانين الخليجيين ذي الأصول اليمنية، وقد بلغوا من الشهرة مبلغها.
ليس في الأمر مبالغة أو تجريح، إن تحدثنا عن الخيوط الفنية الساحرة التي مددناها باتجاهكم وصنعتم أنتم منها عبر وسائلكم المتأتية من طفرة النفط، مكانتكم الفنية المرموقة اليوم على مستوى الوطن العربي. ولذا دعونا نبتهج بحقلنا هذا الملغوم بالموسيقى والطرب لنفجره نشوةً، في أي لحظة نشعر معها بالهزائم والخيبات أمامكم، في كل ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والرياضة.
يحدث أن تغسلنا مياه الأقدار التعيسة، فننتفض مستمعتين لأغنية "ظناني الشوق" بصوت محمد عبده ونقول في قرار أنفسنا "هذه أغنية الكبير المرشدي.. إنهم يتغنون بأغانينا ويسرقون تراثنا.. فلم كل هذا العداء باتجاهنا أيضاً".. لا أدري أي عداء أو ضغينة يجب أن أتذكر هنا لأسطر مثال تمٌسكِنا بحبل الفن كأحجية وحيدة على انتصارات دائمة لم نعد بحاجة لأن نتذكرها أو نذكر بها.
إن عبث محمد الشلهوب مثلاً بأعصابنا وقلوبنا وهو يهدف في مرمى منتخبنا في أي لقاء كروي يجمعنا بمنتخب السعودية، أو الإجراءات التعسفية والقاسية التي تتخذها سلطات أبوظبي لأي زائر يمني للإمارات، حتى ولو كان شخصية لها صيتها في الشأن السياسي أو الثقافي اليمني، فضلاً عن احتقار الكفيل للعامل اليمني في السعودية أو قطر وعمان ومعاملته على أساس أنه "رخيص" كأي بنجالي أو هندي، علاوة على مضايقته بشتى الطرق والوسائل اللا إنسانية كأن يفرض عليه غرامات شهرية اعتباطية تتسق ومزاج هذا المدعو الكفيل، ودونما مسائلة أو رقابة وإجراءات عادلة من المسئولين الأشقاء، إن كل هذا العبث الأخوي الذي نجد فيه أنفسنا في دائرة الضعف، لهو المولد الحقيقي للاتكاء على ماضي أو حاضر انتصارنا الثقافي والفني، إذ مهما تعاميتهم انتم ومسئولينا عنه فإنه "لن يقبل بأن يموت تحت ظل العِقال".
ذات مرة، كنت أشتط غضباً وأنا أتابع الأغنية المصورة "يا مركب الهند" للفنان ذي الصوت الشجي عبدالله رشاد، حينما لمحت في النهاية أنها قدمت على أنها من التراث فقط، دون أن تنسب لقائلها الأول.. أتذكر أني حينها، بدوت وأنا أتصدى لهذا العبث بمخزوننا الفني، كما لو أني وزيراً للثقافة!! إذ حاولت أن اجري عدة اتصالات لا أتذكر لمن بالضبط، لكنها انتهت بمقال نشر في ثقافية الجمهورية بعنوان "أغانينا المسلوبة".. غير أن معلومة تمددت ذات نقاش بين أصدقاء حول أن كلمة "التراث" في أي أغنية يقدمها الخليجيون للأخوة العرب لا تعني سوى شيء سوى "التراث اليمني" ولاسيما فيما يتعلق بالفن. فالتراث مرتبط بحضارة وتأريخ وعراقة اليمن.
اعذروني لو أني أبدو في نظر بعضكم مندفع أو أن طرحي متحيز وغير عقلاني في رأي آخرين، لكن.. أن يطال العبث أيضاً حياتنا الفنية وهي آخر مدخراتنا، على اعتبار أننا تنازلنا عن كل شيء بدءً من السياسة إلى الاقتصاد والرياضة وحتى والجغرافيا والتربة، فإن الأمر هنا يختلف تماماً، حيث يتوجب هنا أن نخلع رداء الصمت ونشهق بصوت العقل "آن لهذا العبث أن يتوقف".
ولأن يد السخرية والاستهتار لا تزال تمتد من حين لآخر لسرقة أغاني لفنانين يمنيين لازالوا وذويهم على قيد الحياة كما هي أغنية "يا منيتي يا سلى خاطري" التي عرف بها ومن خلالها الفنان العدني المعاصر (طه فارع)، فإن نصيحة نسديها لشركات الإنتاج وللفنانين الخليجيين والمهتمين، ماذا لو أنكم كسبتم تأييد 24 مليون يمني وانتم تشيدون بالتراث الفني لشقيقتكم وتكرمون بعض رموزها الغنائية الذين شكلوا بالطبع، منتخب فني يمني لم يهزم قط أمامكم منذ عقود. ماذا لو وسعتم قاعدة جماهيرية إنتاجكم الفني والموسيقي والإبداعي وانتم تقحمون شقيقتكم اليمن في كل شيء هي أصلاً تستحقه. وما حدث لـ"نجم الخليج" في نسخته الأخيرة والذي توج بلقبه الشاب فؤاد عبد الواحد العديني وبكل جدارة، وذلك الطبع يعني أن البرنامج ظهر بشكل وبزخم مختلف عن نسخه السابقة، نظراً للحضور اليمني فيه مشاركة وغناءً وجماهيرية تماماً، مثلما حدث في خليجي 20 الذي أعطى اليمن البطولة بعداً دولياً وفقاً لتقارير صحف غربية عديدة.
لكل الأشقاء الذين أهدوا اليمن فرحة مستحقة عبر نجم بارع رفع رأس بلاده، وقبل هؤلاء جميعاً الجمهور اليمني التواق لأي فرحة، ليست بعيدة بالطبع، عن عودة الفن كسمة من سمات الحياة النقية والهادئة والتي تبعث على الانشراح بعيداً عن دوامة الكراهية والتعصب أو هدير أصوات الأزمات، لكم.. اليمن تهدي الفرحة.. ولفؤاد الذي لم يكن اخضرار جبال العدين ودفء تعز وأصالة اليمن بعيدة بالطبع، عن حلمه الفني البهيج أو صوته الآسر الشجي.. وحقاً أيها الفارس الغنائي الواعد.. فأنت منتخب فني كامل متكامل لا يعرف لغة غير التهديف بثقة ساحرة.. لقد سددت في مرمى مسامع وقلوب كل مشاهديك والعالم ما عجز الآخرون في بلد دونت سعادته على صفحات الكتب السماوية..
اليوم أنت تعطي دروساً لكل دبلوماسي أخرق أو مسؤول سياسي كان أو رياضي أو ثقافي؛ عقدته الوحيدة الأضواء وعقدتنا وأزمتنا الكبرى أنه يتحدث باسم بلد هو مولد للإبداع والمبدعين... أهنيء الأغنية اليمنية بعريسها الجديد والشاب وجل أمنياتي أن تستمر في صناعة نجاحك وأن يكن هذا الظهور اللامع هو بداية مشوار ساطع بالنجومية والألق ليس لك وحدك ولكن لليمن وتراثه الغنائي المتنوع والوافر.