[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الصّفقة الجديدة.. وآلية الخروج من الأزمة!

إذا ما حاول المرء أنْ يستقرئ المعطيات السّياسيّة المطروحة على نظرية الموازنات، والمتاحات، في الأزمة الخانقة الّتي أوشكتْ أنْ تعصف بالجميع في بلادنا بلا استثناء فإنّه بلا شك سيدخل في مربعات صعبة من الكلمات المتقاطعة، الّتي لا تتوافق وتنسجم إسقاطاتها الرّاسية مع امتدادتها الأفقيّة.

غياب الرّؤية، وضبابية السّبل، وعدم تحديد البرامج والمشاريع بتفصيل دقيق واضح، عند كل الأطراف الجالسين على الكروت والأوراق المطروحة على طاولة التفاوض والمناورة منْ مؤتمريين ومشتركيين وحواريين وغير حواريين ولقائيين ووداعيين وحوثيين وهاشميين وقاعديين وإصلاحيين وإخونجيين وزيديين وشافعيين وأمويين وعباسيين؛ كاْن منْ شأنه أنْ كرّس الأزمة نحو مزيد من التّعقيدات الخطيرة التي تنبئ بجلاء إلى تحريك الجميع، نحو بنْدقة التّكتلات، وعسْكرة الأحزاب، وتجييش القبائل، وقبْيلة الجيش، في زيارةٍ مفاجئةٍ لتاريخ الغاب، وممارسة توازنات النّاب؛ عوضاً عن حوارات العقل الجميل. اختلط الحابل بالنّابل، وضيّع شنٌّ طبقة!

خدعنا بشكلٍ مؤنبٍ ووقحٍ. تلبيساً وتدليساً حين قيل عن الزّعيم الهامد الخامد الرّامد بأنّه الذّكي الدّاهية الذي يرقص رقص الثّعالب فوق الضحية. والأمر ليس كذلك. حين سقط الإتحاد السوفييتي قيل هو ذكاء الإمريكان. لا .. أبداً؛ إنّما هو غباء الرؤوس أنفسهم. وشبْهة الحالة هنا تحدث في اليمن..

فالأمر ليس ذكاء الزعيم ؛ إنما هو غباء المحاور الآخر: اللقاء المشترك، وبقية الأحزاب الكباشية والغنمية في سوق القات السياسي في اليمن. خدعنا بأحزابٍ معتقةٍ في العمل السياسي والتنظيمي، وبأسماء كالطبول، داخل المظلات الحزبية أو مستقلة، أو ذات ثقلٍ إجتماعي ؛ فإذا بهم يبدون لنا في آخر المطاف ونهاية اليوم شحّاذين سحّاتين عند موائد السّلطان السّاخر بالجميع ؛ راميين عرض الحائط بأمآل النّاس، ورغبتهم في العيش بكرامة؛ وراكبين حمير أحزابهم المرهقة من رهق الرّحلة، وثقل الذّنوب ؛ وما منّا نفرٌ إلا واعتقد أنّ بخرْج حميرهم أسفار الخروج من الْأزْمة، فإذا بنا - غباءاً مخذولين مخدوعين - نرى الخرْج فيه حيْش الْكهْمة، وكنْشلي، وطبْعة تمباك، والبوري.

والذي يزيد الطين بلةً.. هو صفةٌ تميّز بها علي بفرادةٍ دون نظير. المناعة ضدّ الفهم، والطّفولة المتمكنة فيه، باستحكامٍ مفرط غريبٍ.. يثير الدهشة والإشمئزاز على السّواء؛ فتستوي عنده الطفولة الضّالة، والغباء المستحكم، والزعامة الكلبتومانية، والنّزعة النّرجسية - ليمسي بلامنازع - جثةً محنطةً يتقيأها الناس ويرميها التاريخ خارج ابوابه، رئيساً مدى الحياة. مهزلة تاريخية تنفرد بها اليمن، فكيف يتقبلها اليمنيون!؟.

سؤآلٌ طالما أثار نوازع الشّغب عندي، وحفّز بواطن الملالة والعتاب على الصمت المكسّر في الوجوه ذلةً ومهانةً وخراب، وهزّ لديّ ما يزع إلا الرّفض الجيّاش لمواكبه التي انتهتْ بنا حروبا وخراباً في الدّروب. وقوفك منفرداً خارج سرْب الغربان في المواكب.. أكرم لك من إنضمامك في أغلبية ركاب المجانين الموهومة بقيادة دجّالٍ أعورٍ لجموع العمي. إنّ جهنم ملأى بالاغبياء!

يضحكني الْذين يقولون (لبْننة اليمن) حال المقارنة.
الْفاْرق التّعليمي والثّقافي بيننا وبين إخوتنا اللبنانيين واضح وجلي وليس بحاجة إلى برهنة ذلك. لبنان كان ومازال نافذة العرب على كل أنواع الثّقافات. زدْ على ذلك أنّ التوازنات الدولية والإقليمية موجودة بقوة هناك نتيجة قربها من روح وفلب وعين الأحداث؛ بمعنى أنّ التّوازن حيٌّ ومتحركٌ دوماً وفي كلّ الإتجاهات، مما يدفع بالجميع إلى الحفاظ عليه. فرنسا بتاريخها وأجندتها وثقلها موجود هناك؛ وهذا يبدو لي يكفي لمسك العصا من الوسط.

(أفْغنة) الوضع غير مقبول حال المقارنة؛ لأنّه كان لحظة تاريخية عالمية ضد الإرهاب؛ وخيوطها متشعبةٌ وكثيرة وليس هذا مقامها، وتختلف اختلافاً غير بسيط عن واقعنا الفريد. و( الصّوملة ) وضع مختلف تماماً عن وضعنا؛ لأنّه بوتقة انتقامٍ قديم لقوى كبرى؛ زدْ عليه أنّها بوتقة تجريبية لنظرية أنواع الدّول الفاشلة ودراسة جادّة لنذر الملفات القادمة في القرن الأفريقي الّذي تختلف أدواته وتفاصيله وآلياته وفرضياته عما يجري هنا في بلادنا؛ وملفٌ منذرٌ بالاشتعال في لحظة تاريخية لتكرير بعض الأجندات المؤجّلة الآن.

و(اليمننة) مصطلح جديد سيدخل المصطلحات الجيوسياسية عن قريب. اليمن حالة فريدة من نوعها. يجتمع فيها التّاريخ، والقبيلة، والدّين، والقاعدة، والحوثة، والْحراْك السّلمي، والمرض والفقر والجهل، واليمن الأعلى واليمن الأسفل، والزّيدي والشّافعي، والبطالة، وتصدير الدّعارة، وسماسرة بيع الأطفال، وملايين ملايين قطع السّلاح المنتشرة في طول البلاد وعرضها كالفقر والذباب، والسّياسة نصف المختصة المعيقة لاستقامة الأمور، ويختلط فيها الخاص بالعام ؛والرّئيس وشيخ القبيلة، وأسرته وبطانته والشّعب، وأحزاب مدكّنةٌ في سوق الزّعيم، وأخرىْ ضد الزعيم وليستْ مع الجياع لتسدّ جوعها، وإقتصاد متهاوي تحت مظلةٌ من الفساد الحكومي، الذي تبنّاه نظام بكاملة وبصفة رسمية؛ فاستلمه غالبٌ جمٌّ من النّاس لجهلٍ وفقرٍ وجوعٍ على أنّه واقعٌ يمكن التّعامل معه وهنا يكمن الخطر والسّمّ. ف:
أيْن الزّعيم، واللقاء، والأحزاب، والشّعْب... منْ كلّ هذا ؟

ربّماْ يتفق الأغلب منّا أنّ الْمشْكلة أسبابها معروفة. وزعيمها هو الزّعيم. والرّئيس هو القائد، ومربط الحمار الّذي يرفض أنْ يترّجل لإنقاذ اللحظة؛ والأحزاب المعارضة التي أخفقت منذ البداية في ترصيص التّوائر؛ ليس عن إهمالٍ، بل عن ضيق أفقٍ، وتلميع نعلٍ الزعيم، وربط سشعه، وعن مراعاة مصالح شخصيّةٍ، طغتْ حتّى على أسس ومبادئ أحزابهم، وبرامجها التّنظيمية؛ والطّرف الأهم هم النّاس.. الشّعْب الّذي تهاون، فسكت، فنام مطمئناً لزعامة الزعيم، وجهل المعارضة المقيم. وكل أؤلئك مجتمعين كان فتحاً لباب فتْنةٍ، قدْ لا يغلق إلّا بالبنْدقة لحسم الموقف لصالح طرفٍ دون طرفٍ. و" .. والله إنّ رحى الفتنة لدائرة.. " ولو أنّهم " .. كفكفوا النّاس، ووهبوا لهم حقوقهم، واغتفروا لهم، .. وتعوطيْت حقوق الله " فيْ النّاْس ما فتح بابٌ لها!

لاْ تخْلطّنّ خبيْثاْتٍ بطيّبةٍ *** واخْلعْ ثيابك منهاْ وانج عرْيانا
" فأمْست النّاس منْ خوْف الذّل فيْ ذلٍّ" كما يقول الإمام علي.

التّاريخ هو مجموعة من الأزمات والإصلاحات التي تستوجبها الأزمات. والأزمات هي نزاعٌ وتوترٌ سياسي تراكمتْ أسبابه واهملتْ، له آثاره الاجتماعية والإقتصادية المباشرة والمصاحبة، التي تصيب مفاصل الدولة والناس والإجتماع المدني بكامله؛ فتشلّه. وفكرة الإصلاح فكرةٌ قديمةٌ مذْ كان الإنسان على هذه الأرض. ومتى كانتْ الإجتماعات المدنية هناك على وجه الخارطة الجغرافية، كانتْ اختلافات وجهات النّظر في تكوين التصورات حول الإنسان والحياة والكون على الخارطة الفكرية للإجتماع المدني. والإختلاف سنّةٌ خلْقيّةٌ وخلقيّةٌ بين الناس طالما تحرّك البشر في دائرةٍ ما...، وتظهر الأزمةٌ في مرحلةٍ ما، من المراحل التّاريخية حين لا يتفق مكونات الاجتماع المدني على تصور حلٍ لمشكلة ما وتلك هي المشكلة وهنا يكمن الدّاء وتبدو العلّة؛ وتبدو في الدائرة ما نسميه ( اللحظة التاريخية الصّعبة).

إنّ محاولة استقراء مربعات الكلمات المتقاطعة للأزمات المتتابعة في الساحة السياسية يفتقد إلى ثلاث حلقات هامة بل ومفاتيح الحل الأصيل للأزمة الرّاهنة وتلك اللحظة التاريخية الصّعبة. في أي بلدٍ في العالم رأس المال هو الّذي يحرك السّاسة والسّياسيين والسّياسة؛ إلّا في اليمن؛ حيث بدا رأس المال الوطني بافتراض وطنيته في حالات ثلاث، على ما أزعم؛ إمّا بجيب الزّعيم بحكم الأموال التّي تدار باشتباهٍ تحت أسماء أخرى وهي جزءٌ من حالة الكلبتومينيا التي أصابت الأسْرة المالكة، أوْ في صفّ الرئيس تحت تهديد وضغوط ، أوْ آثرتْ الرّكون، والحياد مقابل إتاْوات نظير عدم إشتراكها في العملية. تلْك هي الحلقة الأولى في المعادلة والموازنة: رأس المال أو ما يطلق عليه بعض مفكري العولمة طبقة الواحد في المائة .one percent class

والحلقة الثانية هي: جزئية سياسة (الأرض الكبيرة) على نظرية العولمة المطروحة كركيزةٍ أساسيةٍ في أطروحة العولمة ريادةً في التّغيير العالمي الجاري الآن. ونظرية النظام الإقليمي الجديد أو ما سمته كونداليسا رايس " الشّرق الأوسط الكبير ". والذّراع الدّولي اللّاعب الموجود على الأرض في اليمن، والذي يغيب عن كل حسابات المتفاوضين والإخوة الأعداء ماعدا الزّعيم بحكم موقعه الذي وضع فيه وليس كياسة سياسية أو فطْنة في إدارة أزمات في حواراتهم لحل الأزمة. وتلك هي أهم القطع على الرّقعة في موازنات اللعبة، وهي الحلقة الثالثة على ما أزعم.
وأني لأبتسم حين يظهر أحد المؤتمريين ليقول لأمريكا أنْ لأ تتدخل في الشّأن اليمني. كنْت أقود سيارتي ذات صباح؛ والسيارة أمامي عليها لاصقٌ طريفٌ، لكنه يحكي الحقيقة التي يتحدث بها الواقع العالمي؛ اللّاصق مكتوبٌ عليه:
‘Be Nice To Your People, Or We Will Bring Democracy To Your Country’
" كنْ طيّباً لشعْبك؛... وإلّاْ سنأتي بالدّيموقراطيّة لبلاْدك! "

الحلقات الثّلاث الغائبة في اللحظة التّفاوضية هو ما يجعلنا نرى اللحظة كالزئبق لا تتشكل أبداً فوق الطّاولة أو بين أيدي أحد الجالسين. وإذا أعترف المتفاوضون؛ بدْءاً بالزعيم الخالد المخلّد البهيّ، مروراً باللقاء غير المشترك في شيءٍ، وانتهاءاً بكل المبنْدقيْن .. إذا إعترف الجميع أنّ اللّاعبين كثرٌ ، وأنّ هناك قواعد للعبة يجب أنْ تعْتبر حين تحريك القطع على الرّقعة، وأنّ التّواصل مع الجميع مفْترضٌ القيام به والمبادرة إليه؛ حتّى لا تقْرط الْجزرة الْجزرة، ولا نضْرب بالعصا. حينئذٍ سنرى الأمور تنفرج، وحلقات الأزمة بدأتْ تتفكك.

إنّ آليات وسائط وتروس الحل ليْستْ قابلة للدوران بسببٍ من الزّعيْم القائد الخالد المخلد البهي الّذي بدا كمن رمى عن عمدٍ وقصدٍ بوتدٍ حديدي بين التّروس؛ في حين أنّ اللقاء لم يبذل جهداً قط في محاولة انتزاع الوتد والتّزييت، بل ظلّ يسأل الزعيم.." لماذا رميْت الوتد بين التّروس ؟ " .. والمشكلة العصية هي أنّ الزّعيم ( .. كاْن عنْده الكثير من القوّات، لكنْ الْقليْل من الرّجاْل).

الواقع متغير؛ والعالم حولنا متغير. ونحن نصرّ على أنّنا مازلنا نعيش خارج هذه الكرة الأرضية. إنّ أيّة استقراءآتٍ للأزمة، أو محاولات إيجاد حلول للأزمة بدون اللجوء إلى تضمين حواراتنا لتلك المعايير الثلاثة السّابقة فأننا نجري على طول خطٍ يساوي قطر دائرة الأزمة؛ من محيط الدائرة، وإلى محيطها مرّةً أخرى؛ دون أنْ نتعدّى الدّائرة. بينما إصلاح الوضع في اليمن وفي أي مكانٍ في العالم والقيام بعملية جراحية للأزمة. والتّغيير يعني في نهاية الأمر، الإنتقال من دائرة الأزمة إلى خارج الدائرة.. أي من وضعٍ سيءٍ إلى وضع أفضل للجميع. الوصول لمنتصف الطريق ليس صعباً؛ إلا أنه يحتاج إلْى قلبٍ شجاعٍ، وعقل متوقد، وقلبٍ ذكي، وروح جميلةٍ قادرة على التّضحيّة فالمبادرة. وجهنم مليئةٌ بالمترددين الذين لا يثقون بحسن أدائهم لأعمالهم، فتهتز أقدامهم على صراط العيار في العبور إلى الجنة! وشيءٌ طبيعيٌّ، أنْ يحْدث في لحظةٍ تاريخية صعبة أزْمةٌ ما، ويظهر الضّدّ، ولكن السؤآل يظل هل يقتل بعضنا بعضنا، ونحرق مسجدنا، وبيتنا، وناسنا لمجرد عناد، وكبرٍ، ونرجسيةٍ، وانانيةٍ وضيق أفقٍ، ومشاريع صغيرة،ومصالح شخصية، وأجندات عارية من الأخلاق والخير والمحبة؟ يقول الشاعر والفقيه إبن الورْدي:
ليس يخلو المرء منْ ضدٍّ ولو .. حاول العزلة في رأس الجبلْ.

وأسأل نفسي : ماهي الأزمة؟
الأزمة هي لحظةٌ تاريخيةٌ صعبةٌ، حاسمةٌ لا تقبل إلا المبادرة وقبض زمامها، واستثمارها في الإتجاه المستقيم والصحيح في التّغيير والإصلاح الذي يرجى منه التقدم والتحرك والإزدهار باللحظة لتلافي المصاعب والأخطار التي تحيق بتلك اللحظة التّاريخية الصّعبة. وهي لحظةٌ تاريخيةٌ لا ترتضي التّهاون، أوالتّلفيق، أوالتّوفيق، أو الإبطاء. ما لمْ .. فهي السّقوط والإنهيار والكارثة، فالمأساة والتّلاشي؟!! وقاموس وبستر يعرّفها على أنها "لحظةٌ حاسمةٌ وزمنٌ خطرٌ يستتبع عواقب سيئة". أماْ أمريكان هيرتيج فيقول أنّها "وقتٌ أو قرارٌ حاسم أو حالةٌ غير مستقرة، تشمل تغيراً حاسماً متوقعاً، كما في الشؤون السياسية، أو المشاكل الدولية، أو الشؤون الاقتصادية".

والأزمة لها ملامح وسمات تعْرف بها. إلا أن ملامحها في اليمن بكرم هذا الزعيم الجالس هناك لا تحصى ولا تعدّ إلّا أنها تظهر في غياب الأمن، وفقدان هيبة الدولة وانعدام سيادة القانون؛ وقتل الأبرياء من الأطفال والنساء؛ وحجز أصحاب الرأي المعارض؛ وتدمير المنشآت العسكرية والمدنية مثل المطارات المدنية ومراكز التسوق والمجمعات التجارية والسكنية، ومقر البعثات الدبلوماسية، والتخريب، والتفجير، والهجوم على المصالح الأجنية، والمحلية، أو الهجوم العسكري على أهدافٍ مختارة؛ والانهيار الاقتصادي، والشّغب، والفساد الإداري الاجتماعي، والرشوة والوساطة والمحسوبية في المؤسسات العامة للدولة والخاصة، وعقد الصفقات المشبوهة لبيع ثروات الشّعب بأبخس الأسعار وأزهد القيم، وسيطرة الأولاد الصّغار القصّر من سلالة الرّئيس ذات الدّم الأحمر الأرجواني المتميز عن بقية أبناء الأمّة على كلّ الثروات تحت أسماء مستعارة ووكلاء مشبوهين؛ ودخول مواد غذائية أو أدوية سامة، أو سمادات كيميائية غير صالحة وممنوعة الاستعمال؛ وتجارات المخدرات، وتجارة الجنس والدّعارة، وبيع الأطفال التي أصبحت السم القاتل الخفي في المجتمع اليمني. جميع هذه الأعمال والنشاطات الإجرامية تؤدي إلى الفساد الاجتماعي الذي لا يرضاه الله ورسوله، بل ضد المبادئ الإسلامية والأنظمة الشرعية أو القانونية. و(إنّما جزاء الّذين يحاربون اللّه ورسوله ويسْعوْن في الأرْض فسادًا أن يقتّلواْ أوْ يصلّبواْ أوْ تقطّع أيْديهمْ وأرْجلهم مّنْ خلافٍ أوْ ينفوْاْ من الأرْض ذلك لهمْ خزْيٌ في الدّنْيا ولهمْ في الآخرة عذابٌ عظيمٌ). (وإذا قيل لهمْ لا تفْسدواْ في الأرْض قالواْ إنّما نحْن مصْلحون، ألا إنّهمْ هم الْمفْسدون ولكن لاّ يشْعرون).

.فأيّ تعريفٍ للأزْمة يا سادة ينسجم وما يجري في اليمن؟

يقول عمرو ابن الأهتم السّعدي :
لعمْرك ماْ ضاقتْ بلادٌ بأهْلها .. ولكنّ أخلاق الرّجال تضيْقُ!

وإذا رجعنا قليلاً إلْى وراء اللحظة؛..يقصّ لنا التّاريخ، وتروي لنا أيام النّاس، وتحكي لنا الأحداث أنّ أيّة إصلاحات من الأعلى إذا لم يستوعب حريات الناس، ومصالح الناس، ومستقبل الناس، ومستقبل أولادهم، والأجيال القادمة كمشروع إستراتيجي لعقودٍ قادمةٍ تتبنّاه السياسات العليا للدولة بشكلٍ مباشر وغير بطيءٍ في السير لبطون الناس، ودرء الفاقة والفقر والجوع عن الناس لتدفعهم باتجاهه والإلتفاف حوله والإستمساك به وحمايته ممّنْ يحاولون عرقلته ليكون حراْكاً مدنياً إجتماعياً موجداً إراْدة جماعية لاحتضانه يظل ذلك الإصلاح محض حركات يراعٍ بحروفٍ منْ حبْرٍ فوق قراطيس للإستهلاك والمماطلة والكذب، وإهدار للطاقات، ومضيعة للوقت. الْحسن البصْري يقول فيما ورد عنه (عظ النّاس بفعْلك؛ ولاْ تعظْهمْ بقولك). إنّ المبادرة بالتّغيير والإصلاح من الأعلى؛ لاْ محالة إذا أريْد له النّجاح والنّجاعة والتّكلل أنْ يصاحبه إحتضانٌ من النّاس والشّعب والأمّة؛ وإلا فإنّها تمسي مجرد ترقيعات جزئيةٍ، ليس لها من التّاثير والتّفاعل شيءٌ يستفزّ اللحظة الصّعبة ألْبتة، ويتمّ التّراجع والإرتكاس عنه بيسرٍ وبلا أخلاق ومواثيق تلزم.. لإنّ القلب النّابض غائبٌ فيْ معادلة تلك اللحظة التّاريخية الْخلدونية؛... الشّعب، والنّاس، والأمّة!

إنّ آليات ووسائل الحلول وأدواته يمكن أنْ تستنبط ببساطة ويسر، بعد معرفة الأسباب الأصيلة للأزمة وأبعادها. القضية بسيطة. تبْدو كذلك! هكذا يراها صاحب التفكير المسطح ذو البعدين: طول الأزمة، وعرضها؛ أو البعدان الأفقي والرأسي. أمّا عمق الأزمة، والزّمن في تنسيب الأزمة فمعدومان. أحسّ أنّ الغالب من الناس في حالة شدهٍ وضبابية في الرؤية والتفسير للمواقف، وتغيير الواقف، وتحوّل التحالفات في معسكرٍ عن الآخر، ومن معسكرٍ لآخر، في مناخ ممطر عاصفٍ موطّداً لحالة الإجهاد الذي بدا على الجميع بلا استثناء رئيساً، ودولةً وحكومةً، ومعارضةً، وأحزاباً، وشعباً. المشهد يشبه زيارة كسْوة الهاشمي، أو حفل ختان صبي في كربلاء!

لا بأس إذنْ إذا أقررنا بذلك؛ فذلك صكّ اعترافٍ بالجريمة التي ارتكبناها في حقّ أنفسنا، حين تهاون الجميع، ولذْنا في الأركان كالفئران.. كلّ يبحث عن قطعة جبنٍ من يدي نظامٍ متهاوٍ؛ فتهاوينا كالجراد المتعب من رحلة سفرٍ فاسقةٍ. وإذا لم نستطع فك شفرة الأزمة، وحلها كما نريد؛ ستحل الأزمة نفسها بنفسها بطريقة متواليةٍ سريعة منْ فوضاها الخلّاقة، التي قدْ لا توافق رضانا، وتنسجم إلّا مع تواليها؛ لتنفي الجميع عن الواقع في ركنٍ نادمين؛ حيث لا نفع من ندمٍ، وحيث لا دم إلّا ويجرّ مثله منْ دمٍ؛ وإذا لم يشم السّيْف في غمده.. يضيع الخيار.

إنّ الجهاز المعول عليه حل الأزمة معطّل، ومشلول تماماً؛ البرلمان. البرلمان اليمني ماهو إلّا إسطبل لحصان المؤتمر المتسبب الأوّل والأخير في خلق الأزمة التي وصلنا إليها، والتي لم نستطع إدارتها بعقلٍ جميلٍ وبأقل خسائر. إنّ الأبعاد الأربعة لعناصر أو مكونات أي أزمة واضحة لمن يريد، وتستحوذ عليه النّيّة المستقيمة والحسنة في ابتغاء الحل، وإنهاء الأزمة. أوّلاً يجب أنْ نستفيد من الأزمة؛ باعتبارها محفز للعقل اليمني الأصيل ليعط الفرصة أخيرة كي يبدع، ويجب أنْ نقبل بعكسها.. بأنْ نعتبرها نقطة تحوّلٍ للأفضل؛ إذ أنّ أحداث التّاريخ تفيدنا بأنّ أيّ حلٍ خلّاقٍ، ومبدعٍ لأزمةٍ كادت أنْ تعصف بكيان إجتماعي ما في لحظةٍ تاريخيةٍ حاسمةٍ وصعبةٍ، مثلّتْ تحوّلاً غير مسبوقٍ لابتدآ مرحلةٍ مزدهرةٍ، وتدشينٍ مرحلةٍ جديدةٍ من التّسامي فوق الجرح المزمن؛ والإدراك الواعي والخلّاق بانها نقطة إنتقالٍ خطوات إلى الأمام، ومنعطف تاريخي عن اللحظة التاريخية الحاسمة والصعبة إلى اللحظة التالية من الإستقرار. إذنْ فالعنصر الأوّل هو النّظر إلي الأزمة على أنها نقطة إنطلاق لا تراجع.

والعنصر الثاني هو عبارة عن جزئيتين. الجزئية الأولى تتمحور حول معانٍ إنسانية كثيرةٍ كالإعتراف العاقل بأنّ الأزمة لا تهدد شريحة في الإجتماع المدني، بل الكيان المدني بكامله، وأهدافه في الحياة، وقيّم الإنسان، وحقه في العيش في دعةٍ، وسلامٍ، وسكينةٍ، في رغدٍ من العيش الكريم؛ وأنها تحتاج إلى نوايا صادقة، وتضحية مفعمةٍ بقلوبٍ تنبض بالحب، بعيداً عن الخصاصة والنّرجسية والأنا في سبيل الكل الجمعي للكيان الإعتباري للإجتماعى المدني.

والجزئية الثانية هي القناعة التامة وبلاترددٍ أنّ الأزمة بحاجة ملحّةٍ للمبادرة السّريعة ضمن اللحظة التاريخية الصعبة والحاسمة لئلا ينفلت القياد ويتيه القياد على وسائط عديدة؛ منها التّنازلات من قبل جميع الأطراف المفترقة حول رؤية الحلول للخروج من عنق الزّجاجة، والإبتعاد عن المعاندة الطفولية، وتعصب الرأي الجاهل، بكل شفافية ووضوح وحسن نية وبدون مماطلات وكذبٍ والتواء والتفاف ومواربةٍ وادعاء فوقيةٍ؛ لإنقاذ الوليد الجديد القادم من رحم الأزمة بلا تشوهات خلْقيّةٍ أو نواقص عقلية وخلقية. إذنْ فالعنصر الثاني هو الإعتراف أنّ الأزمة تهدد الجميع، وأنها تستوجب تنازلات من المفترقين وحلولاً سريعة.

إنّ الّذي يبدو تماماً للمتتبع للأزمة في اليمن، سيلاحظ أنّ الخيوظ انفلتت من يد الزعيم القائد الخالد، وأنّ هيبة الدولة انتهت أو تكاد تماماً، وأنّه فقد السيطرة على الأحداث التي تتسارع بشكل متواليةٍ هندسية تنذر بالسقوط وانحلال الدّولة بالتعريف الدولي والقانوني للدولة، وفقد توازنه حتى في متابعة الأحداث، وضبط أرسان الخارجين على القانون وتطبيق القانون نفسه.
وهذا هو العنصر الثالث أو البعد الثالث في الأزمة. وهو الإعتراف العام بأنّ الأزمة تعني انعدام القدرة على السيطرة على الأمور، وفقدان الدّولة لهيبتها، وضعف أو انعدام السيطرة على الأحداث.

والبعد الرّابع في تحديد مفهوم الأزمة هو الإحساس الكئيب بالقلق. وهو جزئية أوْلى في هذا البعد، الّذي يقلل من قدرة المرء، والإجتماع المدني -على السّواء ويحدد نوع، وكم التركيز المستوجب استتبابه في دائرة حلّ الأزمة؛ مما يورث حالة من الشتات، والضبابية في رؤية الشيء، وعناصر الشيء وهذا يشكل الجزئية الثانية في هذا البعد الرّابع. والجزئية الثالثة في هذا البعد الرّابع هو عنصر الوقت التي تتسارع عقارب ساعاته بشكلٍ مخيف.

إذن.. فيجب على الزّعيم، والمشترك، وكل المتواجدين في سوق القات السياسي:
الإعتراف بالأزمة مهمٌ جدّاً، والقبول بتحويلها إلى عنصر انطلاق، لا تراجع.. والإعتراف بأنّ الأزمة تهدد الجميع، وتستوجب حلولاً سريعة، وتنازلات من المفترقين.. والإعتراف بعدم قدرتهم على السيطرة على الأمور والأحداث، وفلتانها من يديه.. والإعتراف بالضعف والقلق الذي أصابهم، وأنّ الوقت ضيّقٌ..

لك نصْحيْ وماْ عليْك جداْليْ *** آفة النّصْح أنْ يكوْن جداْلا

تلك بداية أوّل آليات الحل!

إنّ تراكمات أربعةٍ وثلاثين عاماً من المشاكل الّتي لاْ نأمل بحلها والفكاك منها بغير عمليةٍ جراحيةٍ قيصرية لإنقاذ البلاد، والفجر القادم من رحم الليل المعتم؛ ويجب ألّا نحلم كثيراً في ذلك.. وألا نفرط في ذلك الحلم؛ كيلا نصاب بإسهال من الأوهام التي تورث الضّلالة والعمى في استهداء السّبل للخروج من النّفْق. إنّ إهمال الزّعيم وتناوله الأمور منذ البداية ويشترك معه في ذلك كلّ الأحزاب بعقلية شيخ القبيلة كان قد كرّس تصاعد الأزمة، وتفاقمها، وتسارعها، بشكلٍ مثير أذْهل العقل؛ فأوْرث الشّك والرّيبة في أيّ بديلٍ مطروح أوْ سيطرح؛ لسببٍ مقنعٍ وهو أنّه ردّ فعلٍ تمّ تحت ضغطٍ يفوق تحمّل الأعصاب المتبقية منْ تراكم تلك المشاكل طوال سنوات الزّعيم التي تركتْ لنا هذا الإسهال الذي نسميه الأزمة اليمنية.

وعليه يبدو لمنْ يقرأ الحركة على مستوى التّسويات التي يراد الوصول لها، أنّ الوضع ينطبق الوصف عليه بالقول الذي يردد بين العسكر في طابور الصّباح (محلّكْ سرْ) برغم كلّ الإتفاقات والوثائق واللقاءات والمقايل وبذخ الصّرف. لماذا يا ترى؟

عندما تكون مفاوضاً متمرساً، ومهندساً سياسياً بارعاً، يتبقّى عليك الإلتزام بقانون المفاوضات، وأدبيات المفاوضات للوصول إلى منتصف الطريق بالقضية محل الخلاف عند المفترقين -بافتراض حسن النيّة، ونقاء سريرتك الوطنية لاسيما والأمر يتعلّق بانهيار دولة وضياع شعبٍ- والمبدأ الأصيل من مبادئ التّفاوض -الذي يجهله الزّعيم الْمدنْجسْ- هو التزام كلا المفاوضين بأدآب المهنة وهو المبدأ الذي يقرر بترك مساحة للمناورة للمناور الآخر عن عمدٍ وقصد، ليتسنى الوصول للحلّ الوسط للأزمة محل اختلاف المفترقين. أمّا الزّعيم فقد استحوذ على كلّ أدوات اللعبة من جيشٍ إفجعهْ بالموتْ يرض بالحمّى وأموال إمّا نهبتْ أو لا يملك سلطة التّصرف بها سواه وهي في الأصل والأساس للأمّة بكاملها، وإعلام منْ عيارات الْلّوزي، وتحالفات لا تعترف به إلّا بمقدار استئجاره لها، لا عن إستحقاق يرضيهما، وجدارةٍ تؤهّل أحدهما لمؤآزرة الحليف، أو جسارةٍ وطنية يجبرها الواقع الناتج من التوازنات حين يتخيّرون.

فماذا ترك صاحبنا للمفاوض الآخر؟
لا شيء ألبتة.

أي أنّ الصّاحب السنحاني لمْ يترك للمفاوض الآخر إلا ما يريد. وحين تشعر أنّ وفاضك خالٍ منْ أيّة وسائل سياسيةٍ منْ وسائل الضّغط كأهم وأقوى أوراق وأدوات المفاوضة، فإنّك تفقد القدرة على المناورة والمفاوضة والمباغتة، أو حتى الحديث القوي والحوار المنتج. وهذا هو ما وضع البلاد والزّعيم وأسرته وبطانة السّوء ولحْقة الحكومة في كفّةٍ، والبقية في كفةٍ منْ شعبٍ وأحزاب خارج أو داخل اللجان ولجان اللجان ولجان لجان اللجان. وهذا هو عمق الأزمة التي أوصلنا إليها فارس بني سنحان!

والسّؤآل المشروع الذي يطرح نفسه..
ماذا إذن؟ وماذا بعد؟ إذا كان ذلك كذلك.
مالذي يملكه الطّرف الآخر لإدارة الحوار والوصول إلى منتصف الطّريق؟
لاْ شيء سوى الْفيْهقة والبقبقة والزندقة..
أو النوايا الحقيقية التي يتبعها فعلٌ في تحريك الشّارع.
وماْهي آليات الحل؟
بدون لف أوْ دوران.. فإنّ آليات الْحلّ هي:

1 تحريك الشّارع وتوحيد كافة الصفوف بمواجهة افتقاد الرئيس وأسرته لمشروعية بقآئهم الّذي تحركه وبدون تأخير للقيام بالمظاهرات السلمية والإعتصامات السلمية والإضرابات سواءً تحت قيادات كافة الأحزاب ومنظمات العمل المدني والإجتماعي أو تحت تحفز الشارع، أو أيّة قيادات بديلة يختارها الغضب الشّعبي المسالم.

2 إنقلاب عسكري رغم عدم إمكانه؛ إلّاْ أنّه يبْقى احتمالا قائما.

3 الإنتظار لنشوب صراع بين أجنحة الأسرة كوضع طبيعي لمنْ منهم ما يمكن أنْ يرى أنّ الرّهان على رئيسٍ متهالك ومحنّط يعدّ رهاناً خاسراً.

4 القبول برهانات الواقع وفوضاه التي ستشعل البلاد إلى حربٍ أهليةٍ واسعة النّطاق وبواْتق حروب تصل إلىْ القرية وجارتها القرية الأخرى.

وسامحونا .

عبدالكريم عبدالله عبدالوهاب نعمان - مهندس معماري واستشاري
فرجينيا الولايات المتحدة الأمريكية.

زر الذهاب إلى الأعلى