[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الحل الأمني وتحرير الإعلام الرسمي!!

كانت وزارة الداخلية قد أحسنت صنعاً عندما أصدرت تعميماً إلى الوحدات الأمنية والعسكرية "بعدم اعتراض أي مظاهرة والاكتفاء بمراقبتها وحمايتها ومنع إطلاق النار عليها"، فما الذي حدث حتى يتم منع المظاهرات وقمعها واستخدام القوة في تفريقها، وتطبيق قانون المظاهرات بصرامة وشدة وبصورة توحي بأن السلطة لم تستفد في اليمن من الدرس التونسي فيما يتعلق بالحريات العامة وحق التعبير عن الرأي في إطار الثوابت الشرعية والوطنية؟.

صحيح أن هناك استخداماً سيئاً لحق التعبير والتظاهر، وأن هناك توجهات انفعالية وحماسية تسير بغير بصيرة ولا رؤية واضحة، ومع ذلك فإن استخدام القوة وزيادة القبضة الأمنية واعتقال الناشطين، سوف يؤدي إلى نتائج عكسية، بل وربما كارثية، وعلى السلطة والأجهزة الأمنية والعسكرية يقع عبء المحافظة على سلمية وسلامة هذه المظاهرات والفعاليات وخاصة في هذه المرحلة التي تتطلب التعامل مع الأحداث والمستجدات بحكمة وعقلانية وآفاق واسعة، والاتجاه نحو الحلول السياسية والحريات الإعلامية وتحرير الإعلام الرسمي والحكومي من هيمنة الحزب الواحد والاتجاه الأحادي، وفتح المجال للرأي الآخر والمعارض والناقد في إطار الديمقراطية والتعددية وحق التعبير والاختلاف والتنوع.

فقد أثبتت التجارب فشل الحل الأمني في معالجة مثل هذه الظواهر والمواقف، وأن امتصاص الغضب وتهدئة الأوضاع والخروج بأقل الخسائر يتطلب حزمة من الإصلاحات الحقيقية، وكبح لجام الفساد ووقف عبث الفاسدين، والتحلي بقدر كبير من الموضوعية والواقعية والمصداقية، وأن تعمل السلطة والحكومة بصورة جماعية وتكاملية وبرؤية وطنية خالصة ونظرة فاحصة وشاملة، وأن لا تتحمل وزارة الداخلية وأجهزتها الأمنية مسؤولية المواجهة لوحدها ، بل الواجب أن تتحمل كل وزارة وجهة وهيئة مسؤوليتها كل فيما يخصها، فأين دور وزارات الإعلام والثقافة والأوقاف وغيرها؟.

إن ترك الداخلية والأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية تتحمل عبئ المسؤولية ومواجهة التحديات وضبط الأوضاع، أمر في غاية الخطورة وقد يؤدي إلى نتائج وخيمة، من شأنها تحول اليمن إلى دولة بوليسية.

لقد كان اعتقال الناشطة السياسية والصحفية الزميلة "توكل كرمان" أمراً خاطئاً وتصرفاً غير صائب، توكل خرجت تقود المظاهرات وترفع الشعارات، وتقوم بذلك منذ فترة طويلة، فما الذي حدث اليوم حتى يصبح ما تفعله يخالف القانون؟.. وشخصياً أختلف مع "توكل" في الكثير من المواقف والتصورات والأفكار، ولكن ما تقوم به يندرج في إطار العمل السلمي والسياق الديمقراطي، ولو كنا في نظام تعددي حقيقي ولدينا إعلام حر ومستقل لقامت الفضائية اليمنية باستدعاء "توكل كرمان" في برنامج حواري ومباشر مع أحد الناشطين أو الناشطات في الحزب الحاكم، لو تم تحرير الفضائية اليمنية وأخواتها من هيمنة وسيطرة ورقابة "حسن اللوزي"، وإعطاء وسائل الإعلام الرسمية مساحة واسعة من الحرية والاستقلالية والعمل بمهنية وقدر كبير من الحيادية، فإن مثل هذا العمل سيساهم في تخفيف الاحتقانات وتقريب وجهات النظر وإعلان حسن النوايا.

إن تسخير الإعلام الرسمي لصالح الحزب الحاكم وعدم التفريق بين إعلام الدولة وإعلام المؤتمر، يعتبر منافياً للتعددية والديمقراطية ، وأتذكر في هذا السياق أن التلفزيون اليمني في الفترة الانتقالية وأثناء الصراع في معركة الدستور، عقد ندوات حوارية ومحاضرات ثنائية جمعت بين المؤيدين لدستور دولة الوحدة والمطالبين بتعديله وإصلاحه، وكان لبث وإذاعة هذه الندوات الحوارية أثر طيب وإيجابي في تخفيف التوتر وتلطيف الأجواء، ذلك أن إشاعة ثقافة الحوار والإيمان بالاختلاف والاعتراف بالآخر واعتبار القناة الفضائية ملكاً للجميع وليست حكراً على حزب أوجهة أو تيار، يشكل جزءاً من منظومة الإصلاحات المطلوبة والمعالجات المهمة.

صحيح أن سقف الحرية الإعلامية في بلادنا مرتفع وواسع في الصحف الأهلية والحزبية، ومواقع الانترنت والقنوات الخاصة والأهلية، ولكن الصحيح أن ذلك يقابله إعلام رسمي شبه شمولي وقنوات فضائية حكومية محنطة وخشبية وأحادية الرؤية وعديمة الفائدة، وقد لا يكون الأخ رئيس الجمهورية على إدراك ومعرفة بخطورة هذه الشمولية الإعلامية ودورها في توتير الأجواء وزيادة الاحتقانات، وأن الأداء الإعلامي والخطاب الأحادي ينعكس بصورة سلبية على النظام والدولة والمجتمع.. وفي المقابل فإن على أحزاب المشترك أن تدرك حساسية المرحلة وتعقد الأزمة، وأن تتعامل مع الأحداث والمستجدات بروح وطنية ونظرة استراتيجية، وأن تدرك أنها ليست كل المعارضة ولا هي الوحيدة في الساحة، بل هناك قوى وأحزاب وتيارات وأشخاص وأعيان يمثلون شرائح كبيرة وقطاعات واسعة في الشعب اليمني، تتخذ مواقف رافضة ومناهضة لسياسة السلطة وتوجهات الحكومة، وفي نفس الوقت ليسوا راضين بمسار ونهج المشترك ولا يؤيدون الكثير من مواقفه وأساليبه ووسائله وطريقة تعاطيه مع الأحداث وتعامله مع المشكلات والأزمات.

ومثلما يرفض الناس ويستنكرون الخطاب التحريضي والاتهامي للسلطة ضد المعارضين والمخالفين، فكذلك لا يقبلون من المشترك توزيع صكوك الوطنية وأوسمة النضال وفق معايير ومنطلقات خاصة بالمشترك ومتعلقة به، ويرون أنها غير ملزمة للآخرين والمخالفين له، ومن الخطأ أن تكون معايير الوطنية والصدق والتمسك بالمبادئ مرتبطة بمبدأ القرب أو البعد من المشترك ولجنة حواره أو بمدى القبول والرفض لمواقفه وخطاباته، أو بمبدأ المدح والنقد لقادته، فالوطن أكبر من المؤتمر وأوسع من المشترك وأعظم مما يقولون ويفعلون ويجمعون، سواءً اتفقوا أو لم يتفقوا..

فاليمن أولاً وأخيراً، والوطن للجميع ولكل حزبه وانتماؤه وقناعاته، والحق أحق أن يتبع والعقل مناط التكليف، ولا إكراه في الرأي ولا استبداد في الأمر ولا وصاية لأحد على أحد إلا بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر.. والله المستعان على ما يصفون ويقولون وهو الحكم بين الخصوم، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

زر الذهاب إلى الأعلى