آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

أجراس اللحظة التاريخية تدق في تونس (2)

حينما تصلي لاجل الاخرين الله ينصت لك ويباركهم، وعندما تكون سالما وسعيدا تذكر ان شخصا ما صلى من اجلك (حكمة غربية)

ما العمل؟
في ضوء ما تقدم قد توحي ملاحظاتنا باليأس ولكن الصورة غير ذلك، فبقدر ما ان العدو الرئيس (أمريكا والكيان الصهيوني) منظم ومتفوق استخباريا وعسكريا وماليا...الخ فان الوضع التونسي ينطوي على امكانات عظيمة لدحر المؤامرة القادمة وتحويل الانتفاضة إلى ثورة شعبية جذرية تعيد البسمة لشفاه كل التونسيين بحل مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتفتح افاق المستقبل اما تطور أيجابي كبير، فكيف يمكن ذلك؟

1 - ان نقطه الضعف الخطيرة في مخططات العدو المشترك الخاصة بتونس هي ان هذا القطر العربي يخلو من الانقسامات الطائفية والعرقية وهو سليم من ذلك في الاطار العام، بعكس العراق ومصر ولبنان والسودان مثلا التي استغلت ظاهرة التنوع فيها لاختراق صفوف الشعب العربي هناك وتمزيقه، فهل تترك الاطراف المعادية لامتنا العربية الوضع في تونس موحدا ومتماسكا بقوة بدون الغام داخلية كبيرة؟

سيكون من السذاجة الجواب بنعم لان العدو المشترك ذكي ولديه مخططات قديمة متجددة وبعيدة المدي وهي ذات طبيعة ستراتيجية وليس تكتيكية عابرة، ويكفي ان ننظر لما يجري في العراق وغيره لنرى ان هذا العدو لا ييأس ولا يتراجع الا عند هزيمته ومواصلة الطرق على رأسه حتى يرحل من اراضينا، تلك هي دروس تجربتنا المعاشة والكارثية.

ان الامر الاكيد هو قيام العدو المشترك (أمريكا وفرنسا وبريطانيا وإيران) باستغلال بعض الشخصيات والتيارات الاسلاموية المختلفة الاتجاهات والمدعومة اعلاميا وماليا وسياسيا من تلك الاطراف بالاضافة لانظمة عربية، لاجل اشعال ازمات جديدة في تونس لم تكن معروفة كما حصل ويحصل في العراق ومصر والسودان و لبنان ودول الخليج العربي والجزيرة العربية والمغرب العربي. والمرشح الاخر للقيام بذلك ايضا هو عناصر (علمانية) تونسية، والاكثر ترشيحا من بين هؤلاء للعب هذا الدور هم من عاشوا في تلك البلدان من الاسلامويين والعلمانيين لفترات طويلة تم خلالها تجنيدهم أو على الاقل تعريضهم لتأثيرات سلبية في نفس الوقت، خصوصا اولئك الذين عرفوا بانهم يقبضون المال من دول خليجية وإيران، وهذا هو بالضبط حال الاسلامويين والعلمانيين العراقيين المرتبطين بأمريكا وإيران بنفس الوقت، رغم التناقض الظاهري بين أمريكا وإيران.

من هنا فان المهمة الاساسية الان هي رصد طروحات تلك التيارات الدينية والعلمانية في تونس لتحديد كيفية قيامها باشعال فتن طائفية أو دينية أو سياسية، ربما من خلال اشغال الناس وتمزيقهم بطرح موضوع ثانوي وهامشي وجعله رئيسيا لاشعال فتنة محورها الجواب على السؤال التالي: ما نوع النظام في تونس اسلاموي أو علماني؟ وجعله محور الخلافات والصراعات بدل مواصلة اجتثاث بقايا النظام الحالي المنهار وتعميق ثقافة التوحد الوطني، أو بدء الترويج للتشيع من قبل إيران وتسخير اسلامويين لهذا الغرض، اوالتبشير المسيحي (التنصير) في تونس من قبل بعثات من أمريكا واوربا واستغلال علمانيين لدعم ذلك تحت غطاء (حرية التعبير والمعتقد) كما حصل في العراق علنا بعد الغزو، أو كما نلاحظه في فلسطين ومصر بتاثير المال الإيراني وبتشجيع اسرائيلي – أمريكي لان شق الشعب العربي في فلسطين ومصر وغيرهما يخدم الاستراتيجيات العظمى لكل من أمريكا والكيان الصهيوني وإيران، وهكذا واذا تحقق ذلك لا سامح الله تبدأ فتنة بين السنة والتشيع الجديد في تونس.

وبطبيعة الحال لابد من التأكيد على ان نشر التشيع والتنصير ليس هدفه ديني أو طائفي بل هو عمل مخابراتي يخدم مصالح دول مثل أمريكا وإيران والكيان الصهيوني. والمثير للانتباه والمقلق بنفس الوقت هو ان بعض الاسلامويين في تونس، ورغم انهم طائفيون سنة، يرتبطون بإيران ويدافعون عنها بقوة مقابل استلام الدعم المالي مثلما تدعمهم أمريكا وفرنسا وبريطانيا، لذلك فان المرجح هو استخدامهم في تونس لاعادة انتاج المشهد العراقي بصورة تفضي لاشعال فتنة لا توجد الان في تونس ولكن يمكن خلقها كما خلقت في العراق ومصر وفلسطين والسودان وغيرها !

ان الرد الحاسم على هذه المخططات هو المحافظة على وحدة الشعب التونسي بالتحوط الاستباقي وتحديد تابو لا يجوز تجاوزه أو مسه وهو الرفض القاطع لاي طروحات دينية أو طائفية أو سياسية تثير الفتن غير المبررة، ومنع ادخال انماط جديدة من الصراعات اليه تحت غطاء حرية التعبير أو الراي، كالصراعات الدينية أو الطائفية والتي يمكن ان تحدث نتيجة بروز تيارات تكفيرية أو طائفية وقيام علمانيين بالرد عليها ولعب هذه الاطراف دورا سياسيا يزرع بذور الفتنة وينميها حتى تنضج.

2 – ولقد ثبت ان أمريكا تنسق مخابراتيا مع فرنسا وغيرها من اجل ترتيب الوضع التونسي بحيث يتم التخلص من بن علي دون التخلص من نهجه العام مع تغيير الوجوه وتحقيق اصلاحات مؤقتة لاطفاء لهيب الانتفاضة واحتواءها تدريجيا. ومن المؤكد ان رفض الجيش دعم بن علي لم يكن فقط قرارا وطنيا لبعض القادة فالنخبة القيادية في الجيش التونسي تخرجت من أمريكا أو تدربت فيها وليس من المعقول انها لم تخترق استخبارتيا وانها تخلو من رجالات أمريكا المعدين اعداد ممتازا، واخيرا ليس من المعقول ان تترك أمريكا الوضع التونسي يسير وفقا لرغبات الشعب وقواه الوطنية، فهذا مناف للواقع ولتقاليد العمل المخابراتي الأمريكي. من هنا فان الحذر من هؤلاء ورصد مواقفهم امر ضروري جدا لتجنب سرقة سنوات اخرى تخصص لحكم عسكر يرفعون شعارات حبيبة على قلوب الجماهير فتتقبلهم الجماهير وهي تظن انهم الخيار الصحيح.

وفي ضوء ذلك من الضروري عدم السماح بقيام حكم يرأسه عسكري مهما كان موقفه ايجابيا الان، وتذكروا ان بن علي حينما تولى السلطة وعد بالديمقراطية والقضاء على الفساد، كما انه من الضروري عدم التعامل بثقة مع العناصر المشبوهة بعلاقات مخابراتية مع فرنسا أو أمريكا أو إيران من المدنيين لتجنب قيامها باختراق الصفوف والتعامل الحذر معها ومراقبة مواقفها.

3- والاهم هو ضرورة تذكر ان عسكر تونس اضعف بكثير من عسكر تركيا واقل استقلالية منهم في صنع القرار النهائي لذلك فان القدرة الشعبية على تحييد اي دور تخريبي محتمل لبعضهم اقوى في تونس مما هو في تركيا.

4 - وتوجد فرصة تاريخية لمنع العسكر من الاستيلاء على السلطة الان فجو الانتفاضة الشعبية مناسبة تاريخية لاخضاع العسكر للشعب وحكم الشعب. وفي العصر الالكتروني الحالي، عصر الانترنيت والموبايل، من المستحيل اخفاء ما يجري وهذا امر يحد من قدرة العسكر على تجاوز خطوط حمر معينة، وبما ان العالم كله يتابع ما يجري في تونس فانه بالامكان تحديد خيارات العسكر ومنعهم من تولي الحكم بالقوة ولكن هذه النتيجة مشروطة بمواصلة تصعيد الانتفاضة الشعبية وعدم السماح بتراجعها أو باطفائها، لان تراجعها أو اطفائها سوف يمكن العسكر من استخدام القوة المفرطة دون رقابة شعبية قوية متوفرة الان لتحقيق الاهداف الموضوعة لمنع تحول الانتفاضة إلى ثورة جذرية.

5 - ان المطلوب الان حكم مدني حقيقي لا مكان فيه للعسكر لان صفوفهم ملغومة من جهة، كما انهم يمسكون بالقوة الساحقة للقوات المسلحة واذا اكتسبوا شرعية الحاكم فانهم سوف يستخدمون القوة العسكرية لاخضاع من يعارضهم، كما فعل بن علي وغيره من الحكام العرب. من هنا من الضروري ابعاد العسكر عن الحكم باي صيغة وطريقة لتجنب الردة والديكتاتورية والفساد المدعوم بقوة الجيش. ان الحكم المدني بعكس الحكم العسكري يمكن تغييره بالوسائل الديمقراطية لان الحاكم المدني لا يملك القدرة العسكرية التي تمكنه من رفض ارادة الشعب، كما انه مقيد بالانتخابات الديمقراطية الحقيقية التي تنصب من يحكم وتزيله.

6 - ان الوحدة الوطنية المبنية على التخلص التام من نظام بن علي، كمؤسسة وليس كشخص، وبناء تونس ديمقراطية وحرة ومزدهرة هو الخيار التاريخي الوحيد للخروج بتونس من مأزقها الحالي وليس اي خيار ترقيعي اخر، وهذه الوحدة يعبر عنها بتشكيل قوة وطنية موحدة (تحالف أو جبهة) ضخمة تنهي التشرذم السياسي وتمثل مختلف التيارات الوطنية وتمنع اختراق الصف الوطني وتمزيقه بزرع واثارة فتن غير موجودة الان. علينا ان نتذكر حقيقة قد تصبح ثغرة قاتلة اذا لم تؤخذ بنظر الاعتبار وهي ان تونس الان تفتقر لوجود حزب شعبي رئيس ومحوري قادر على استقطاب جماهير واسعة والفوز المريح في الانتخابات باغلبية كبيرة تبعد شبح قيام حكم ضعيف مبني على توازنات قلقة قابلة للانهيار في اي لحظة ويضمن بالاغلبية اقامة حكومة مستقرة وقادرة على مواجهة التحديات وتنفيذ برنامج اصلاح وطني جذري وضبط القطر ومنع تشرذمه.

وهكذا حزب رئيس غير موجود في تونس وتوجد احزاب وكتل اما نخبوية أو صغيرة جماهيريا - والاتحاد التونسي للشغل كبير الحجم لكنه ليس حزبا ولا تيارا واحدا بل تجمعا يضم كتلا جماهيرية متناقضة ومختلفة الاتجاهات - الامر الذي يجعل البرلمان المنتخب حتى في ظل ديمقراطية حقيقية عاجزا عن التعبير عن ارادة الشعب ومطامحه المشروعة لانه يتشكل من كتل كلها بين متوسطة وصغيرة بينها اختلافات كثيرة بعضها جوهري، وبغياب القوة المركزية فانه توجد نقطة ضعف رئيسة خطيرة في تونس وهي امكانية اقامة حكم ينشأ كثمرة انتخابات لكنه موزع بين كتل صغيرة بينها خلافات أو تناقضات تجعلها تفتقر للاتفاق أو التوافق اللازمين لتحقيق الاستقرار أو حسم الامور والاتفاق على برامج وطنية وتنفيذها.

وتلك حالة تستغل لتحقيق اختراقات كبيرة وربما مدمرة من قبل اعداء تونس وهم كثر، وهذا ما نلاحظه في العراق المحتل حيث لا توجد قوة مركزية في العملية السياسية تحت ظل الاحتلال تستطيع اقامة حكومة مستقرة ومنسجمة فيكون الخيار الوحيد هو تجميع كتل متنافرة من المستحيل اتفاقها بصورة حقيقية ولكنها تتفق بانتظار تغيير التوازنات الهشة بينها لصالح احداها أو بعضها، فهو اذن اتفاق تأمري ومؤقت وقابل للتمزق في اي لحظة. والحياة الحزبية في العراق المحتل خلقها الاحتلال لاجل التمكن من السيطرة على الكتل السياسية أو تحييدها، وتلك الحقيقة هي التي جعلت (قانون اجتثاث البعث) احد اهم ركائز الاحتلال لان البعث حزب جماهيري ضخم وقوي ومجرب وقادر في اي لحظة على اعادة الاستقرار للعراق باقل الجهود، والاحتلال لا يريد اي حزب سواء كان وطنيا أو عميلا يمتلك قواعد جماهيرية كبيرة مادام المطلوب هو ابقاء العراق مهمشا وضعيفا ومريضا بداء التشرذم.

فما هو الرد الوطني التونسي للتغلب على عقبة غياب الحزب الرئيس؟ الحل هو حل ديمقراطي ووطني بنفس الوقت، فلابد من الارتقاء فوق عواطف الخلافات والصراعات السابقة ووضع مصحلة تونس الوطنية العليا فوق اي اعتبار حزبي أو فئوي، واقامة جبهة أو تحالف شامل وواسع يضم كافة القوى الوطنية، لان بقاء تشرذمها وكونها كتل صغيرة ليس بينها من هو قادر على الفوز المريح في الانتخابات وباغلبية كافية لاقامة حكم دستوري ومستقر وقوي يضبط الوضع التونسي، مع ان تحقيق الاستقرار هو المهمة الاساس الان لتجنب الاختراقات. ان تشكيل التحالف أو الجبهة الوطنية الشاملة هو الشرط المسبق والحل التاريخي الوحيد الممكن الذي يمنع الردة وعودة الديكتاتورية. ولكن هذا الحل لن يكون سليما الا بتوفير شرطين حاسمين واساسيين:

الشرط الاول وضع برنامج وطني شامل سياسي واقتصادي واجتماعي يضع حلولا عملية للمشاكل الاساسية في تونس كالفقر والبطالة والتهميش والفساد والديكتاتورية...الخ وان يتم الاتفاق عليه من قبل الجميع، وان تعذر ذلك فمن قبل الاغلبية.

والشرط الثاني هو تبني ميثاق شرف وطني تونسي عام ملزم للجميع ويقر شعبيا عبر النقابات والبرلمان وتتم توعية الجماهير به ويقوم على الاحتكام للديمقراطية وتجنب الانقلابات أو محاولات الانفراد بالسلطة، ورفض معالجة المشاكل بروح العداء والاقصاء والتنافس غير الشريف وغير الديمقراطي على السلطة.

ذلك هو الرد الوطني التونسي التاريخي، نكرر لا بديل عن خطوة المحافظة على الوحدة الوطنية التونسية وعدم السماح باختراقها تحت اي واجهة أو شعار، بما في ذلك ضرورة عدم اجبار الحزب الحاكم بكامله على التحول إلى قوة مضادة الان من خلال عزله كليا أو محاربته واتهامه دون تمييز دقيق وموضوعي بين عناصر مارست العداء للشعب واخرى لم تفعل ذلك، واستقطاب الكتل التي تخلت عن بن علي ولم تكن جزء من الجهاز القمعي له، وتأهيلها سياسيا واخلاقيا ودمجها في الحركة الوطنية التونسية. ان هذه الخطوة ضمانة لعدم السماح بظهور خيول طروادة كثيرة تعرقل تنفيذ هدف تحويل الانتفاضة إلى ثورة جذرية حقيقية في تونس.

وتأكيدنا المتكرر على اهمية الوحدة الوطنية نابع من خبرتنا وتجربتنا المرة والتي علمتنا بان العدو حينما يريد تحقيق اختراق جوهري يستغل الثغرات بين القوى الوطنية ويدخل منها إلى صفوفها ويخرب السلم والتعاون بينها، والان ما تبقى للعدو في تونس هو خيار اختراق القوى الوطنية أو ايقاعها في فخاخ الصراع على السلطة وتنمية روح الاستئثار بها وتقريب فريق على حساب فريق اخر، واقصاء بعص مكونات المجتمع التونسي. ان تذكر هذه الحقيقة يضع الحركة الوطنية التونسية على ارضية وعي صلبة ويمنع محاولات احتواء الانتفاضة عن طريق تمزيق الصف الوطني أو منع توحده.

واخيرا نؤكد بان الانتفاضة التونسية الوليدة ليست منعزلة عن الصراعات في الوطن العربي والعالم ولا عن سياق التأمر على الأمة العربية وهويتها القومية ومستقبلها بل هي تعيش في بيئة متداخلة وتتنفس من هواء الازمة العامة والصراع الاستراتيجي الاعظم في العالم وهو صراع حركة التحرر الوطني العربية، وراس الرمح فيها المقاومة العراقية المسلحة، مع قوى الاستعمار والصهيونية والقوى الاقليمية الطامعة في ارض العرب، لهذا فانه من الحكمة والتحسب ان لا نفترض ان طريق الانتفاضة التونسية سيكون معبدا وبلا عوائق كبيرة.

لتعش الانتفاضة التونسية الوطنية العظيمة طليعة اساسية من طلائع حركة التحرر الوطني العربية.

لتعش وحدة القوى الوطنية التونسية مدماكا لاغنى عنه في الحفاظ على الانتفاضة وتحويلها إلى ثورة وطنية تقدمية جذرية.

المجد والخلود لشهداء الأمة العربية وفي ومقدتهم شهداء المقاومة العربية في تونس والعراق وفلسطين والاحواز.

زر الذهاب إلى الأعلى