استمعت إلى سيدة مصرية وهي تشهد مظاهرات جمعة الغضب قائلة: (أنا مستغربة من هذا الشعب الذي أنتمي إليه أنه استطاع أن يقول اليوم لا) وكأنما هي ظنت من كثرة استكانته انه قد خضع واستسلم ويستحيل عليه أن يتحرر من عقدة رهاب حاكمه الطاغية المستبد.
فاليوم تحركت شعوب قد ظننا جميعا أنها حقا قد استسلمت لجلادها وذللت بيد سجانها فإذا بها تهب هبة عارمة وتنتقل سريعا من مطلب بسيط في السابق كتخفيض الأسعار أو طلب وظيفة وإعانة إلى زعزعة عرش حاكمها وزوال سلطته.. فمن كثرة معاناتها أنتجت جيلا محصنا ضد فيروسات وعودهم الكاذبة وممتنعا ضد جراثيم خطبهم المنمقة الزائفة.. هذا الجيل أيقن أن العلة في رأس الهرم لا في وسطه ولا أسفله.. فكان المطلب الجديد: ارحلوا عنا!!
من تونس إلى مصر الغاية واحدة.. لا حل إلا برحيلكم ولا راحة إلا بزوالكم.. وما زال اليمن ينتظر دوره ولن يتغير الشعار ولا الغاية عما سبق.. لأن التوجه السائد لدى السلطة الحاكمة لا يدل على نية الإصلاح والتغيير.. فقد ورد على شريط قناة سهيل نقلا عن القدس: أن الرئيس علي صالح قد شكل قوة عسكرية جديدة وأوكل قيادتها لابنه الأصغر العقيد خالد.. انتهى الخبر العاجل. وبدأ في الرأس الهاجس الفاعل!!
كم عمر هذا الابن؟! وكيف أصبح عقيدا؟! متى تخرج من الكلية العسكرية هذا إن دخلها؟! وان تخرج منه فبرتبة ملازم فكيف أصبح عقيدا!! أليس هناك قانون ونظام عسكري يحدد منح الرتب العسكرية وفقا لجدول زمني.. ولو قلنا أن من حق القيادة منح بعضا من أفرادها رتبا وامتيازات خارج هذا التوقيت فذلك يكون نتيجة لأعمال بطولية أو انجازات وخدمات مميزة قدموها للوطن! وما سمعنا مطلقا بأي من هذه قدمها الابن الأصغر للبلاد ولا الأوسط ولا الأكبر.. فأي قانون أجاز هذا وأين هي دولة النظام هنا؟!!
وكأنه وفقا لهذا التعيين لا يوجد في اليمن كلها طاقة وقدرة عسكرية مؤهلة لقيادة هذه القوة غير الابن الأصغر.. فأين التسلسل في الهرم العسكري والاقدمية في الهيكل الوظيفي؟! من هذا وغيره يتضح جليا أن حاكمنا لم يستوعب بعد ما حصل في تونس وما يجري في مصر.. فلم تنفع التونسي قواته ورجال أمنه ولا منح أقاربه مفاصل الدولة ففي لحظة انهار كل شي وسقط المعبد على رأس كهنته وعبيده.. ولم يعد الرئيس المصري يملك من هذه القوات الأمنية شيئا اليوم بل لقد انسحبت من الميادين وتركته للنهب والسرقة ويقف الجيش مدافعا عن الوطن لا عن الحاكم فدباباته تسير وقد كتب الشعب على سطحها الحديدي ( يسقط مبارك ) ولم يمحه الجنود لأنه رأي الشعب.. فتونس أقوى منا جيشا ومصر أعتى أمنا.. وما نفعهم ذلك شيئا!! رئيسنا لم يستوعب بعد كل هذا.. فبدلا من إصلاحات وتعديلات أساسية في نظام الحكم والسلطة نراه مشغولا بتكوين قوات عسكرية جديدة.. وإخراج مسيرات هزلية له مؤيدة..
وإلقاء خطب عقيمة مل السامع منها وضجر.. فهي تحمل تهما بالخيانة للمعارضين وتهكما ممن يطلبون التغيير وذلك إما انه يرى الشعب اليمني ضعيفا ولا يرقى إلى مستوى شعبي تونس ومصر.. وإما انه واثق من هذه القوات المقربة منه التي يشكلها ويجمعها وأنها حصن منيع له ولن يفروا من بين يديه ولن يخذلوه!!
اليمن ليس بحاجة إلى هذه القوات في هذه المرحلة العصيبة فقد امتلأت ساحاته وجولاته بهم بدون نفع ولا فائدة ترجى سوى المزيد من تحصيل الإتاوات وجمع الرشوات ومصادرة الصحف واستعراض العضلات.
ولا هو بحاجة إلى خطابات تهكمية تفيض بالتهم الكبيرة الزائفة للمعارضين ولا إلى مسيرات إجبارية إغرائية لعمال وموظفي الدولة لإثبات مدى حب الناس لحاكمها ورغبتهم الشديدة في بقاءه سيدا عليهم!
اليمن بحاجة إلى قيادة جديدة.. دماء نقية.. أسماء شريفة كريمة لها سجل ناصع ابيض نظيف وسيتحقق ذلك قريبا بعون الله فاليمن لا ولن تخلو من رجال قادرين على قيادتها نحو الخير والتطور والأمن والسلام.
قواعد اللعبة القديمة قد تجاوزها الزمن.. ولكن المصيبة أن الحكام لا يفهمون ذلك إلا بعد فوات الأوان فيريدون العودة بالزمن إلى الوراء ليتم لهم إصلاح وتحسين ولكن هيهات فات أوانكم واندثر زمانكم..
وختاما.. كم أعجبني موقفا جيشي تونس ومصر فقد سطرا ملحمة جميلة لتلاحم القوة العسكرية المسئولة مع شعب أراد التغيير والارتقاء وجسدا معنى راقيا لوقوف الجيش الحر مع إرادة الشعوب الحرة..
فشكرا لهما.. فمتى نشكر جيشك يا يمن؟!!