أرشيف الرأي

الحوار والاستحقاقات الدستورية

إن دعوة الرئيس للحوار نابع من شعوره بالمسؤلية التاريخية الملقاة على عاتقه أمام الله والتاريخ والأمة في الحفاظ على الوحدة اليمنية والنظام الجمهوري الديمقراطي..

وقد أن الأوان أن يلتف حوله كل أبناء الوطن لكي نبين للعالم بأن اليمنيين هم أصل الحضارة وأول من مارس الديمقراطية على ارض الواقع في حضارة سبأ القديمة وقصة سيدنا سليمان علية السلام والملكة بلقيس مع الهدهد المذكورة في القرآن الكريم اكبر دليل على ذلك عندما قالت الملكة بلقيس لقومها ("قالت يأيُها الملؤُاْ أفتُوني في أمري ما كُنتُ قاطعةً أمراً حتى تشهدُون" هذا يؤكد تأصل الحكمة ومنطق الحوار والشورى في الحضارة اليمنية القديمة وتولي المرأة أعلى منصب في الحضارة اليمنية القديمة.

مما يعطينا دافعا قوي لاستعادة تاريخنا إلى الحاضر والاستفادة منه. وتأتي دعوة الرئيس لعقد حوار وطني ليؤكد ربط الحاضر بالماضي وتأكيداً لحديث الرسول (ص) (الإيمان يماني والحكمة يمانية) لقد مارسنا الديمقراطية وبنينا حضارة شامخة كان لها دورا في التطور الحضاري الإنساني والبنية الحضارية والثقافية الإنسانية.

فلنقل اليمن السعيد فوق الجميع ونعم للحوار تحت مظلة الدستور والوحدة والجمهورية والديمقراطية .
ونحن على موعد مع الاستحقاق الديمقراطي المتمثل في الانتخابات النيابية التي ستجري في 27 ابريل القادم ، ونستغرب الدعوات التي تنادي بها بعض أحزاب المعارضة بتأجيل الانتخابات على عكس ما تطالب به المعارضة في العالم بإجراء انتخابات مبكرة ، والأغرب من ذلك الاستقوا بالخارج ولجوء المعارضة للشارع بدعوة المواطنين البسطاء والتغرير بهم للخروج في مسيرات ومظاهرات (هبة شعب، غضب الشعب) لرفض الانتخابات والدخول في فراغ دستوري لأعطى فرصة لأعداء اليمن وأصحاب المشاريع الصغيرة والمشبوهة النيل من الوطن وتنفيذ أجندتها الخارجية ولإفساح المجال للتدخلات الخارجية وتشويه صورة اليمن أمام العالم بتراجعها عن الخيار الديمقراطي، والاحتكام للشعب صاحب السلطة الحقيقي بحسب ما ورد في نص المادة الرابعة من الدستور بقولها (الشعب مالك السلطة ومصدرها ويمارسها بشكل مباشر عن طريق الاستفتاء والانتخابات العامة كما يزاولها بطريقه غير مباشرة عن طريق الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية وعن طريق المجالس المحلية المنتخبة).

وبموجب النص الدستوري انف الذكر الشعب قال كلمته وباشر حقه في الانتخابات العامة والاستفتاء فانتخب رئيس الجمهورية بطريقة تنافسية وحرة ومباشرة في عام 2006م لدورة ثانية والتي شهدت لنزاهتها المنظمات الدولية والمحلية، كما باشر الشعب حقه في السلطة في 2003م وانتخب ممثليه في مجلس النواب للدورة الثالثة والذي يمارس صلاحياته الدستورية نيابة عن الشعب ، كما زاول الشعب حقه في السلطة في إعادة انتخاب المجالس المحلية للمرة الثانية في 2006م وانتخابات المحافظين والتي تعد التجربة الأولى في المنطقة التي يتم فيها انتخاب رؤساء السلطة المحلية كمقدمة للحكم المحلي كامل الصلاحيات.
فهذه السلطات هي الممثلة للشعب ولها الشرعية الدستورية في اتخاذ القرارات للمحافظة على مكتسبات الثورة والوحدة والمضي في الاستحقاقات الدستورية وإجراء الانتخابات في موعدها، وكذلك المضي في إقرار التعديلات الدستورية لتطوير النظام السياسي في اليمن لمواكبة المتغيرات والتطورات التي يشهدها العالم خاصة في المجال الديمقراطي وتوسيع المشاركة الشعبية، والمحافظة على الخيار الديمقراطي الذي نهجه الشعب اليمني منذ قيام الوحدة اليمنية المباركة بقيادة الوحدوي الرئيس علي عبدالله صالح.

فتشكيل اللجنة العليا للانتخابات من السلطة القضائية استند إلى الدستور المأخوذ من نص المادة (159) بقولها: تتولى الإدارة والإشراف والرقابة على إجراء الانتخابات العامة والاستفتاء العام لجنة عليا مستقلة ومحايدة ويحدد القانون عدد أعضاء اللجنة والشروط اللازم توفرها فيهم وطريقة ترشيحهم وتعيينهم ، وقد حدد قانون الانتخابات وتعديلاته في نص المادة (19 ) طريقة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات من تسعة أعضاء يتم تعيينهم بقرار من رئيس الجمهورية من بين قائمة تحتوى على (15) اسماً يرشحهم مجلس النواب ممن تتوفر فيهم الشروط المحددة في المادة(21) ورفع هذه الأسماء لرئيس الجمهورية لتعيين عدد 9 قضاه فقط ، وفي هذا الشأن تم اختيار أعضاء اللجنة العليا للانتخابات من قبل أعضاء مجلس النواب ممثلي الشعب ، ومن قام بالتعيين هو رئيس الجمهورية رئيس السلطة التنفيذية الذي بايعه الشعب اليمني في انتخابات حرة ومباشرة وتنافسية 2006م كما أن تشكيل اللجنة العليا للانتخابات من القضاة جاء استجابة لمطالب فقهيه ومطالب حثيثة من أحزاب المعارضة ذاتها.

كون اللجنة العليا للانتخابات ذات صلاحيات واسعة في إدارة الانتخابات، والإشراف، والرقابة، ومنها صلاحيات مأخوذة من صلاحيات السلطة التنفيذية، فهي بمعنى آخر تعتبر حكومة مصغرة لإدارة الانتخابات ، وفي نفس الوقت هي مستقلة، ومحايدة فيما تقوم به، والهيئات المشرفة على الانتخابات في العالم، تشكل إما من السلطة القضائية، أو من قبل حكومة لها وضع محايد لإدارة العملية الانتخابية فقط، أو من قبل الحكومة ذاتها فهناك دول تسند المهمة الكبيرة هذه لوزارة الداخلية، أو وزارة العدل، وتشكل ايضا اللجنة مستقلة تمثل فيها الأحزاب السياسية، كما عرف في اليمن قبل هذه اللجنة، فاليمن جمعت بين الأنماط الأربعة السالفة الذكر في تشكيل لجنة الانتخابات، وتم تعيين أعضاء اللجنة العليا الحالية من القضاة، اختارهم مجلس النواب، وأعطيت صلاحيات تنفيذية مستقطعة من صلاحيات الحكومة.. وكان الرئيس علي عبدالله صالح قد دعا أحزاب المعارضة، وخاصة أحزاب اللقاء المشترك للتوافق حول حكومة وطنية في 22مايو الماضي، ولكن المشترك رفض هذه الدعوة.

أما التعديلات الأخيرة لقانون الانتخابات تمت من قبل السلطة التشريعية ممثلة في مجلس النواب وجاءت بناءً على موافقة مسبقة من احزاب المعارضة وبموجب ملاحظات المنظمات الدولية المهتمة والداعمة لتطوير العملية الانتخابية، وكانت أبرز إيجابيات التعديلات فرز نتائج عملية الاقتراع داخل المركز الانتخابي نفسه في مكان الصندوق وبحضور مندوبي المرشحين بمباشرة الفرز بعد إغلاق عملية التصويت مباشرة ، وهو ما لم يكن بنفس المستوى من قبل، وإلغاء مكان العمل كموطن انتخابي ، كما أن التعديلات لقانون الانتخابات تؤكد وتعزز استقلال اللجنة العليا للانتخابات التي أعطيت بموجبها صلاحيات حكومة مصغرة لإدارة العملية الانتخابية بإيقاف أي موظف عام عن العمل ينفق على الدعاية الانتخابية من المال العام. كذلك يعاقب كل ذي سلطة مدنية أو عسكرية أستخدم سلطته أو نفوذه لتغيير إرادة الناخب أو لإجبار العاملين بمعيته على العمل لصالح أو ضد أي مرشح أو حزب أو تنظيم سياسي بالعقوبات المنصوص عليها في المادة (133) من هذا القانون مع إبعاده من وظيفته..

من المفيد أن نتطرق إلى العملية السياسية التي مرت بها البلاد بعد تأجيل موعد الانتخابات النيابية والتي كان من المقرر القيام بها في 27 إبريل 2009م كا استحقاق دستوري من خلال توافق الأطراف السياسية، وتوقيع اتفاق فبراير 2009م الذي تم بموجبه تمديد فترة مجلس النواب عامين في ظروف سياسية، واقتصادية، والأزمة المالية العالمية التي انعكست على الاقتصاد اليمني، وهي جملة من الظروف التي أدت إلى الموافقة على طلبات المعارضة، وتوقيع ذلك الاتفاق في 26 فبراير 2009م، وكان ذلك حرصاً من رئيس الجمهورية ، وتجسيداً لدعواته المتكررة للحوار، والوصول مع الأحزاب والتنظيمات السياسية الممثلة في البرلمان إلى محطة وسط يتحقق فيها التوافق على إجراءات شاملة لإصلاح النظام السياسي، وتطويره، وإيجاد معالجات للقضايا المطروحة، ومنها النظام الانتخابي، إلا أن المشاكل والأحداث التي واجهت اليمن المتمثلة في الإرهاب، والتمرد الحوثي، والحراك، وأعمال الخروج عن النظام والقانون في بعض المناطق، كل ذلك شغل الدولة إلى جانب الغموض الذي اكتنف موقف أحزاب اللقاء المشترك من هذه الأحداث وعدم تحديد موقف واضح لمواجهة التحديات، والوصول بالحوار إلى غاياته.. فمن منا لم يتفاجأ بالموقف السلبية لأحزاب اللقاء المشترك من قضايا الوطن وأغربها دعوة جماعة الحوثيين للانضمام إلى اللقاء المشترك، وهي الجماعة التي لُطخت أياديها بدماء الشهداء من أبناء صعدة الأبرياء والجيش اليمني وليس الأمريكي أو الإسرائيلي كما هي شعاراتهم.. إنها تناقضات غير عادية ليس أقل منها غموضاً تغطية المشترك لأعمال خارجين عن القانون من تقطع، وخطف، ممن يسمون انفسهم ابناء الجنوب الحر وتحالفهم المريب مع تنظيم القاعدة.

لقد حرص الرئيس على إيجاد صيغة توافقية بين المؤتمر، واللقاء المشترك، وقدم تنازلات من أجل الحفاظ على مكاسب الثورة، والوحدة والديمقراطية، وقد أعطى الحوار دفعة جديدة في 17 يوليو الماضي، ثم بدأت خطوات عملية للتهيئة، ولكن المشترك أراد إيصال البلاد إلى مرحلة فراغ دستوري، بل وهدم البيت الواحد (اليمن) على كل من بداخله فكان لابد من قرار حكيم، وقد جاء في وقته متمثلاً بتعديل قانون الانتخابات وتشكيل لجنة عليا للأشراف على الانتخابات من القضاة للبداء في الإعداد للانتخابات النيابية في 27 ابريل 2011م، للخروج من المأزق الذي حاولت المعارضة فيه جر البلاد إلى ما تبتغيه من فراغ دستوري ولا شرعية للمجلس النيابي الممثل للشعب.

أما بالنسبة للتعديلات الدستورية فقد اقترحها ثلث أعضاء مجلس النواب ممثلو الشعب بحسب نص المادة(158) من الدستور: لكل من رئيس الجمهورية ومجلس النواب طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور ويجب أن يذكر في طلب التعديل المواد المطلوب تعديلها والأسباب والمبررات الداعية لهذا التعديل فإذا كان الطلب صادرا عن مجلس النواب وجب أن يكون موقعا من ثلث أعضائه .

ويرى الكثير من المحللين الأكاديميين والسياسيين بان التعديلات تصب في تطوير النظام السياسي بتوسيع مشارك جميع فئات الشعب والمرأة خاصة، فالأخذ بنظام الغرفتين التشريعيتين سيوسع من المشاركة السياسية ويمثل جميع فئات الشعب والمناطق الجغرافية في المجلس النيابي كذلك توسيع المشاركة الشعبية لحكم الشعب نفسه بنفسه بالأخذ بنظام السلطة المحلي كامل الصلاحيات لتجاوز أخطاء المركزية الإدارية والمالية التي كانت تمارس في السابق.مع ضرورة التأهيل والتدريب لكوادر السلطة المحلية على مستوى المحافظات والمديريات ونقل الصلاحيات المركزية تدريجيا لنجاح التجربة والحفاظ عليها.

أما بالنسبة لموقف أحزاب المعارضة الرافض للمضي في الاستحقاق الدستوري فهو موقف لا يعبر عن إرادة الأمة والشعب وذلك واضحاً في نص المادة (5) من الدستور التي تبين دور الأحزاب بقولها: يقوم النظام السياسي للجمهورية على التعددية السياسية والحزبية وذلك بهدف تداول السلطة سلميا . وهو ما يعني أن وجود الأحزاب هدفه التداول السلمي
للسلطة عبر صناديق الاقتراع والتي يجب دستورياً الاحتكام لها جميعاً في تولي السلطة.

وهكذا تتضح المعالم والأدوار الفعلية لمهام الأحزاب السياسية وهي التداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات الدورية والتنافس بالبرامج والحلول لبناء الوطن وليس للمكايدة السياسية وللمماحكة والهدم، وليكن الصندوق هو الحكم والوسيلة الوحيدة لتولي السلطة وليس التقاسم فالشعب اليمني وصل من الوعي ما يميز بين المصلحة القومية العليا والمصالح الشخصية الذاتية الدونية التي يسعى وراء طلبها بعض المأزومين.ففي العالم يأتي طلب إعادة الانتخابات أو الدعوة لانتخابات مبكرة من أحزاب المعارضة للاحتكام للشعب ولكن في اليمن العكس المعارضة ترفض الدخول في الانتخابات لإيصال البلاد إلى الفراغ الدستوري لكي تهتز مكانة اليمن الدولية وتوجد مكان للتدخلات الخارجية في الشأن اليمني.وتنهي ما تم انجازه في عشرين سنة منذ قيام الوحدة والتي أتت متزامنة مع إعلان الديمقراطية والتعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة وجعل الديمقراطية السبيل الوحيد لحكم البلاد وليس التقاسم للسلطة أو الاستقواء بالخارج ، وما تم في السفارة الأمريكية من لقاء بين رؤساء الأحزاب السياسية المعارضة ووزيرة الخارجية الأمريكية اكبر دليل على ذلك، ومهما وصل الأمر فنحن اليمنيين ندرك المخاطر الجمة التي ستلحق بالوطن في مثل هكذا توجه : وأملنا في عقلاء المعارضة في مراجعة حساباتهم وتغليب مصلحة اليمن الذي نستظل جميعاً في ظلاله وعدم الإضرار والاساءه بتجربته الرائدة في انتهاج الخيار الديمقراطي. الحل الذي لا مناص منه يتمثل في جانبين الأول: استمرار فتح باب الحوار بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية في الساحة الوطنية تحت سقف الدستورية والثوابت الوطنية والتصدي الشعبي والرسمي لمخططات الأعداء وما يحلمون به من العودة إلى ما قبل مايو وسبتمبر وقد دعا الرئيس علي عبدالله صالح إلى حوار وطني جاد ومسئول بين كافة القوى والفعاليات السياسية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني لمعالجة كافة القضايا الوطنية المتصلة بالمصاعب التي يمر بها البلد

فالحوار ثقافة ومبدأ وهو الركيزة الحقيقية للعمل السياسي الجاد والوسيلة الأوفر حظاً لمعالجة القضايا التي تعترض تطور الوطن وتقدمه وهذا يتطلب من الجميع تغليب مصلحة الوطن على المصالح الحزبية والشخصية الضيقة فالوطن فوق الجميع والمصلحة الوطنية تعلو على كل المصالح.

وهنا لا بد من اصطفاف وطني جاد لمعالجة قضايا الوطن من خلال حوار وطني لا يخرج عن الثوابت الوطنية وبعيد عن المكايدة السياسية ومحاولة كسب النقاط.

إن هذا الأمر يتطلب من المعارضة والسلطة أن ترقى إلى مستوى عال من الجدية والحرص على الوطن.

الجانب الثاني: المضي في الاستحقاق الانتخابي لتجنيب الفراغ الدستوري ولعكس صورة مشرفة أمام العالم للشعب اليمني.

وكما قال الأديب والشاعر القاضي فؤاد البكير :
هلموا هلموا إلى الإنتخاب ... يمانيون أنتم فطولوا السحاب
دعوا كل صدع – بدا – جانباً .. وسدوا لفرقتكم كل باب
أنا عدنيٌ أنا من أزال ... أنا مذحجيٍ أنا من وصاب
أنا إبن حوفاً أنا أبن ذمار.. أنا أبن ( لحج ) أنا أبن الضباب
إذا كنت في أيها قد ولدت ... فلليمن الواحد الانتساب
ولو كنت في أي حزبٍ ولجت ... فلليمن الواحد الإنتساب
وإن كان لي رأي أراه ... فلست أجاوز حد الصواب
ولستُ أقاطع لي أخوةً ... رأوا غير ما قلته أو صحاب
إذا ما أختلفنا برأيٍ سموناً ... وقلنا هلموا اهلموا إلى الإنتخاب

د. منصور محمد الواسعي
أستاذ القانون الدستوري والنظم السياسية المساعد
نائب عميد كلية الحقوق جامعة تعز
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى