أرشيف الرأي

اليمن على طريق الحرية.. القطط السمان أولاً!

الثورة المصرية تضعنا اليوم امام فصل جديد استدل الستار على الدولة البوليسية القمعية الشمولية التي انتجت في مصر وتكررت في عدة اقطار عربية، كلها اخذت من هذا النموذج ما تناسب معها..

لكنها اتفقت في اخذ شكل الدولة البوليسية كاطار عام حيث يسيطر العسكر على مقاليد الامور ويفرض طوقا امنيا يحصي انفاس الشعوب كما حدث بعد مصر في سوريا والعراق والاردن واليمن وتونس والجزائر والسعودية وليبيا، مع اختلاف الشكل العام لهذه الدولة أو تلك لكنها وقعت تحت حكم العسكر وان سموا انفسهم ملوكا أو زعماء أو قاده.

من مصر كانت البداية ومنها اسدل الستار على العصر البغيض الكريه على الانظمة المتكئة على عصي العسكر. وبناء عليه فاننا ندعو الانظمة المهددة بالخلع ان تسارع في العودة إلى الطريق الصحيح قبل ان تخلع كما في نظامي بن علي ومبارك.

لامفر من اقامة الدولة المدنية اليوم في كافة الاقطار العربية.. هذه الدولة ستنهي القطيعة بين الحاكم والمحكوم التي ظلت ردحا من الزمن. وان حتمية وجود هذه الدولة تاتي من اصرار الشعوب على التغيير المطلق لكل انظمة القمع والاستعباد. والتاريخ لن يرحم احدا كما ان الشعوب لن ترحم اي جلاد يستخدم القوة والبلطجة في مواجهة الجماهير.

من الاخر أو من الاخير دعونا نقُل ان مواجهة الشعوب صارت مستحيلة تماما فنظام تونس الامني سقط بعد 23يوما من الاحتجاجات السلمية مع انه اعتى نظام امني بعد اسرائيل في المنطقة لكنه انتهى بمجرد خروج الناس وبقائهم في الشارع. وكذلك انهار نظام الدولة البوليسية في مصر بعد 18 يوما من محاولات التملص من ارادة الشعب، وكانت النتيجة سرقة اموال وهروب للعائلة واللحاق بهم، وتحرر مصر من افسد نظام عرفته البشرية منذ الفراعة حتى اللحظة الراهنة فقد كان يتعامل بالبيروقراطية المريضة التي بدأ الفراعنة باستخدامها قبل الالف السنين.

ايا كانت الدولة الثالثة المرشحة للتغيير اليمن ، أو الاردن ، أو الجزائر فان الحال لن يتغير. الا بعدد الايام التي سترابط فيها الجماهير في الميادين العامة وعواصم المدن. في الجزائر الوضع مرشح مع وجود ثروة لم يحسن النظام هناك استغلالها ولم يتمتع بها الشعب الذي خنقت ارادته وانقلب العسكر على الديمقراطية في 1992م. والشعب الجزائري شعب حر قوي لن تمنعه هذه المرة فرنسا المتنكرة في ثياب الامن، ولا حكومة العسكر الهرمة،من قيام ثورة سيشهد لها التاريخ انها الاقرب إلى ثورة سيدي عبدالقادر الجزائري ضد الوحشية الفرنسية ومن المرجح ان النظام لن يصمد على اكثر تقدير من 10 أيام لا "حادش" لها.

وتظل الاردن بلد الامن القوي التي حافظت على حدود وامن اسرائيل، ونجح نظامها الهاشمي في الحفاظ على امن اسرائيل وقمع الشعب الاردني والفلسطيني الذي يشكل 70% من عدد سكانها. لقد كانت ومازالت هذه الدولة الهاشمية على رأي اخوننا المصرين "دولة مالهاش لازمة" فما الذي فعلته غير التسول السياسي والاقتصادي والامني وبناء منظومة امنية بيد اسرئيل وأمريكا، وضد الشعب الذي منع في الانتخابات النيابية الاخيرة من المشاركة الحقيقية وزورت الانتخبات وكانت المهزلة التي جعلت نظام مبارك يكرر نفس عميلة التزوير في الانتخابات النيابية ليطرد المعارضه بكل وسائل البلطجة المعروفة. وفي الاردن اتوقع ان لا يصمد النظام الهاشمي اكثر من 7 أيام غير قابلة للزيادة في وجه الشعب الذي يحلم بيوم الخلاص منذ عقود.

لكن الحال يختلف في اليمن الذي اعلن فيه الرئيس عن نزولة عند مطالب المعارضة اليمنية والتي كانت قد اكدت عليها قبل هروب بن علي وسقوط المخلوع مبارك. هذه المطالب اليوم لم تعد مجدية والفرصة مواتية لاصلاحات اكثر تبدأ من الان. لان الشعب سئم الخطب المدبجة ويريد عملا وليس وعودا فارغة طالما ملت منها الجماهير. اليمن بحسب كل التقارير الدولية "دولة فاشلة" ولم تبدأ بتطبيق اية اصلاحات منذ فترة طويلة والناس يسمعون عن اصلاحات ولا يرون اي تغيير. التوريث فيها لم يعد ممكنا والاحرى ان يكون الرئيس عند كلمته ويقوم بتنحية الاقرباء والابزياء والاوصياء ويعطي الكفاءات المزيد من الفرص.. انها الفرصة الذهبية تلوح امام على صالح في البقاء إلى 2013 من دون خلع بشرط ان يقود ثورة ضد الفساد طالما وعد بها لكنه نكث بكل الوعود.

امام الرئيس صالح ثلاثة خيارات لارابع لهن، الاول : ان يمسك بتلابيب الفاسدين من حوله وان يودعهم في اية مصحة عقلية أو حتى اصلاحية احداث، بدأُ بالقطط السمان وعلى رأسهم 15 شخصية متنفذة - كان تقرير باصرة هلال قد ذكرهم بالاسم-، ويضيف عليهم مجموعة اخرى من ابواق الفساد والدجل كيحيى الراعي والبركاني والاكوع. وان يتخلص ايضا ممن ظلوا يخدعونه بان كل شيء تمام يافندم كبرجي والشاطر والديلمي، وان يبعد اللوزي عن الساحة تماما لان الناس قد ملوا من "الزقني" نهايئا، ولم يعد محتمل ان تظهر صورته في اي وسيلة اعلام. ان وجود مثل هؤلاء الاشخاص بجوار الرئيس يعني المزيد من كره الشعب لانهم قد اوغلوا في الفساد والعبث " لقد حان وقت ابعاد القطط السمان" فالتضحية بهم افضل من التضحية بالتاريخ النضالي للرئيس صالح. لقد عملت القطط السمان منذ فترة على تشويه كل شيء جميل وناصع في تاريخ الرئيس، وجلبت له العداوات لفرط جهلاها وتعاملها الفض مع الناس وتلبيتها لرغباتها ومصالحها على حساب الشعب، نعم لقد اظهروا الرئيس بصورة العاجز الذي لا يستطيع فعل شيء. وزيادة في التدليس على الرئيس اقنعوه ان من ينتقدهم فانه يوجه النقد للرئيس بطريقة غير مباشرة، ومع ذكائه المعهود الا اننا لحد اللحظة لاندري كيف انطلت عليه حيلهم الواهية!..

الثاني : اجراء اصلاحات واسعة النطاق وسبق المشترك ومطالبه ليقطع عليهم الطريق وان لا يجعلهم يصطادوا في المياه العكرة بالفعل. كالغاء اللجنة العليا للانتخابات والبدء بانشاء سجل انتخابي جديد وشفاف وخالي من التزوير المسبق لاية انتخبات قادمة، وخاصة بعد رحيل مبارك المخلوع ونظامه الذي كان يدعم تزوير الانتخابات في اليمن بخبراء التزوير الذين اعطوا المؤتمر في انتخابات 1997 الاغلبية المريحة. والبدء فعليا بتنقية الوظيفة العامة من كافة العابثين وانهاء التوريث والسيطرة الامحدودة للمتنفذين فيها وضخ الدماء الشابه المؤهلة في كل جهاز الدولة بلا استثناء، وتغيير كل القيادات الادارية التي عرفت منذ عقود بالنهب والغباء الوظيفي الذي اوصل البلاد إلى ما هي عليه من بطالة مقنعة غير منتجة. كما يجب تحرير المستثمرين من قيود الشراكة التي ابرمت بليل مع الفاسدين الذين شاركوا المستثمرين ارزاقهم بدون وجه حق "اللهم الا المودة في القربى" من النظام. كما يجب اعفاء الناس من الضرائب والواجبات والجمارك الغير ضرورية. والقيام باجراء اصلاحات اقتصادية فعلية،بالاضافة إلى اعادة خزينة الدولة من دار الرئاسة إلى موقعها الاصلي في البنك المركزي اليمني.

الثالث: حل المؤتمر الشعبي العام فهو "حزب مالوش لازمة" وينضوي تحته كافة الفرقاء من كافة الاحزاب كمظلة للفساد والافساد ما عادت تُحتمل. وترك الحرية لاعضائه الغير معروفين بالفساد من الانضمام للاحزاب التي يرغبون في الانضمام لها. واطلاق المزيد من الحريات للاحزاب ومنظمات المجتمع المدني وتعطيل الاحكام العرفية التي تمنع المسيرات والمظاهرات وترك حرية الاعلام والمعلومات بلا رقابة ولا وزارة للخروج من منع الحرية وملاحقة فرسان الكلمة. والامتناع عن دعم المنظمات الهمجية التي تعمل على زيادة الفرقة من خلال نشر المذهبية والتعصب البغيض وادخال الناس في قضايا جدلية لا يحتاجها الناس وهي تعمل على تقويض البنى الاجتماعية من الداخل. والعمل مع كافة القوى الحية للنهوض بالبلاد واخراجها من النفق المظلم الذي ادخلها فيه السياسات الفاشلة للحزب الحاكم. بالاضافة إلى حل الحكومة وتشكيل حكومة تكنوقراط خالية تماما من وجوده المستوزرين السابقين بلااستثناء، ويتم التوافق الوطني عليها من الكفاءات،وبلا تقاسم.

مالم فان التغيير سيكون قادم لامحالة، ولمزيد من "المعلومية" فان الشعب اذا خرج إلى الشارع فان النظام لن يبق لاكثر من 3 أيام على اكبر تقدير. فنظامه الامني مجزأ ومخترق، واجهزة امنية تحارب اجهزة امنية اخرى كما هو الحال في الصراع بين الامن القومي والامن السياسي، وكثيرا ما سمعنا ان القاعدة قتلت وهاجمت الامن السياسي الا ان الكثير يعلمون انه صراع بين جهازي امن متناقضين. وهذه ليست سابقة لا ثاني لها فهناك صراع بين اجنحة الجيش أيضا كما هو الحال بين الفرقة الاولى مدرع والحرس الخاص..

وكانت الحروب في صعدة قد كشفت الكثير حول هذا الموضوع. وفوق كل ذلك فان مرتبات الجيش والامن لا تكفي لاطعام الدجاج، فهم اكبر شريحة مظلومة ولا احد منهم يستطيع ان يقول حقي فنظام العسكر لا يسمح بذلك. كما ان استئجار البلطجية لن يجدي نفعا، ولنا في مصر خير دليل على فشل هذا الخيار الغبي. والبلطجية اصلا طبقة مسحوقة وتعيش تحت خط الفقر، ولو كان في النظام خيرا لاخذ بايديهم منذ زمن وأهلهم، بدل ان يظلوا كروتا محروقة بيده. كل هذه العوامل بالاضافة إلى عوامل ومتغيرات الدولة الفاشلة التي تنطبق على اليمن نلخصها من محاضرة للدكتور سيف العسلي بتصرف( ضعف الخدمات العامة،وعدم قدرة تمثيل البلاد في العالم،وفقدان السيطرة على بعض اراضيها، والانتشار الواسع للفساد،ومغادرة ما يقرب من ربع السكان إلى الخارج للبحث عن لقمة العيش والكثير منهم لاجئين، وانتشار الاختلالات الامنية،ووجود قوى داخلية تمتلك القوة والسلاح العناصر المدربة على القتال،وعدم قدرة النظام على اتخاذ قرارت حاسمة اكسبه الضعف التام ان لم يكن الشلل في كثير من الحالات،والانخفاض الحاد في الدخل)، ستجعل النظام يسقط في سوء ما حفرته يديه طيلة 33 عاما مرت ولن تعود.

زر الذهاب إلى الأعلى