قبل يوم من حضور رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب في الثاني من فبراير الجاري، سألت مجموعة من الزملاء النواب،الذين رافقوا الرئيس في الآونة الأخيرة في تعز وعدن وخليجي عشرين،هل سيكون من ضمن ما سيطرحه الرئيس على الإجتماع المشترك لمجلس النواب والشورى،أنه لن يترشح مجددا في 2013؟ فأجاب أحدهم " كلا!.. وقال: كنت عند الرئيس قبل يومين وليس في نيته التطرق إلى إعلان من هذا القبيل. وأضاف: هناك من لا يزال يقول للرئيس: كل شيء تمام وعلى ما يرام، ويبدو أن الرئيس يرى أن الأمر كذلك!
وعلى الفور دفعني ما أفاد به الزميل النائب المقرب من الرئاسة على الإدلاء بتصريح لموقع مارب برس، كان فحواه أن المتوقع أن الرئيس سيعلن في المجلس أنه لن يترشح في 2013 وأنه لن يستمع إلى ذوي النظرة القصيرة أو المنتفعين ولن يخضع لمسيرات من النوع الذي كان في 2006..وإنما سيصغي إلى ضميره الوطني وما يرغب أن يدونه عنه التاريخ....
وحسنا فعل الرئيس عندما أعلن أن "لا تمديد ولا توريث ولا تصفير للعداد"..وسيكون مهما أن يؤكد الرئيس باستمرار حتى 2013 من خلال الإجراءات والتدابير والقرارات والترتيبات، وبما لا يدع مجالا للشك بأن لا تراجع على الإطلاق عما أعلنه تحت أي مبرر أو سبب ..
ولولا ثورة الياسمين في تونس والتطورات اللاحقة التي انتهت إلى ثورة عربية عظيمة في مصر، فربما كنا في طريقنا إلى ارتكاب خطأ تاريخي فادح ومخجل في اليمن، من خلال المضي قدما في التعديلات الدستورية التي تبناها "مخلصون" تفضي إلى ما يسمى "التأبيد"، والمخلصون أنفسهم هم الذين زينوا فكرة التوريث من قبل..وكم تثبت الأيام أن أولئك النفر مجرد ساسة سذج وقصيري نظر ومخدوعين مع افتراض حسن النوايا، وكم أتمنى أن لا تساورني الظنون وأتهم وأقول أن منهم أيضا مخادعون محترفون..
أمام الرئيس اليوم فرصة ذهبية ليطرق أبواب التاريخ بقوة وتصميم وعزيمة كما فعل في 22 مايو 1990.. ومثلما أنه عزم وحزم أمره وصم أذنيه عن المثبطين في ذلك الزمن، سيكون عليه اليوم أن يصم أذنيه ويغلق الأبواب تماما دون قصيري النظر والنفعيين الذي غايتهم استمرار المزيد من النفوذ الجائر والثروة الحرام على حساب البلد الطيب وأهله الذي يعاني أكثرهم من الفقر والبؤس، وعلى حساب سمعة الرئيس ومكانته وتاريخه..ولا بد لمن يقدر الرئيس صالح ويحترمه بحق، أن يعينه ويؤازره في الإصلاح الشامل، ويكون مستعدا للتضحية، وأولهم أفراد عشيرته وأقرباؤه،ومنهم نافذون كثيرون في الجيش والأمن والقطاع المدني. وأقترح أجندة رئاسية للإصلاح يختتم بها الرئيس عهده وكما يلي :-
•سبق وقلت في مقابلة تلفزيونية وكتبت أيضا، منذ أكثر من عام، أننا نتوخى من الرئيس صالح أن يرعى حوارا تاريخيا لا يكون طرفا فيه وأؤكد على ذلك اليوم..وقلت أن معنى أن لا يكون الرئيس طرفا في الحوار هو أن لا يفكر في الترشح مجددا في 2013 ويكون على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية..وأتوخى من بقاء الرئيس على مسافة واحدة من الجميع في الفترة القادمة رعايته لحوار وطني شامل يفضي إلى إصلاحات شاملة تتضمن تعديلات دستورية تأخذ في الإعتبار مصالح البلد ونهوضها واستقرارها في المستقبل ولا يراعى فيها "التفصيل" لمصلحة الرئيس أو "التفصيل" ضدها ويستطيع أن يسهم الرئيس أيضا في منع التفصيل على مصالح فئات أو أشخاص آخرين..وبمعنى آخر سيكفل حياد الرئيس ورعايته لحوار وطني شامل أن لا تحصل مقايضات يكون الرئيس طرفا فيها على حساب مصالح عامة أشمل وأبقى..والحق إن ذلك سيعتمد على الإرث الذي يرغب الرئيس أن يتركه للوطن والشعب ويذكره به التاريخ.ولعل أهم أنجاز للرئيس صالح هو مساهمته الكبيرة في تحقيق وحدة اليمن في عام 1990 لكن ذلك الإنجاز الكبير تهدده اليوم الأخطاء الكبيرة التي ارتكبت أثناء حكم الرئيس صالح نفسه، ومن ذلك إستئثار قلة حول الرئيس بكل شيء تقريبا، حتى أن الهوية اليمنية الجامعة التي لم تكن محل خلاف في حقبة التشطير أضحت مهددة اليوم على نحو مؤسف.. وفي تقديري فإن الرئيس يستطيع تقديم العديد من المبادرات والتنازلات والتضحيات التي لا مناص منها وقد أبدى استعداده لذلك في خطابه الأخير أمام مجلس النواب..
•كثيرا ما تقابل الدعوات التي تستهدف إعادة هيكلة وبناء المؤسسة العسكرية على أسس وطنية ومهنية احترافية بتحسس كبير..والغريب أن تقابل تلك الدعوات بالإستهجان والإستنكار مع أنها عين الصواب وأساس الإصلاح ومنطلقه، وما يعيبها فقط هو أنها تأخرت أكثر من المعقول والمقبول، وأن قلة من الناس يتطرق لذلك علنا، وقد يعيبها أيضا أنها تطرح أحيانا بهدف الإحراج والنكاية وليس بغرض الإصلاح والمصلحة العامة..و لكن كيفما كان غرض تلك الدعوات والداعين إليها فهي في محلها، ويلزم أخذها وتقبلها بجد وموضوعية ومسئولية..لقد تغاضى كثير من الناس من قبل عن تزايد أقرباء الرئيس في مواقع قيادية عسكرية هامة رغبة في الإستقرار وتحاشيا للإنقلابات العسكرية عندما كانت موضة عصر مضى..وأؤكد على عبارة عصر مضى..
غير أن استمرار الأمر وتكريسه وتوسعه خلق وسيخلق مشاكل لا حصر لها في أهم مؤسسة سيادية ينبع احترامها والثقة فيها من وطنيتها ومهنيتها وحيادها وانضباطها وقواعد التسلل القيادي التي تحكمها،وترفع قادتها وأفرادها عن التدخل في كل ما يشين ويعيب ومن ذلك العراك على العقارات والإستثمارات والتدخل في الخلافات، فما بالنا بأخذ حقوق الجنود. لقد انتهى في الدنيا كلها عصر الإنقلابات التي كان يقوم بها الرقيب أو النقيب الذي يصحو مبكرا قبل زملائه ويمتطي دبابته ويعلن البيان رقم 1، وفتحت الآفاق اليوم أمام صناديق الإقتراع، وإذا لم تؤد صناديق الإقتراع الغرض منها، فالبديل إضطراب وتفكك وحروب أهلية طاحنة وماحقة، أو ثورات شعبية لا يقف في وجهها جيش ولا أمن.. في 2007 قلت في مقابلة مع صحيفة الأهالي، رادا على سؤال حول أقرباء الرئيس في الجيش "إن دور الجيش لا يجدي في مواجهة ثورة شعبية وتساءلت "كم ستقتل من شعبك حتى تستمر ؟!" ولعل ثورتا تونس ومصر أثبتا ذلك اليوم .. ولو أمكن أن أهمس في أذن فخامة الرئيس، سأقول له : أن تجييش أبنائك وأقربائك وعسكرتهم جميعا أو أكثرهم ليس سياسة صائبة أبدا وإن ضررها كبير عليهم وعلى البلد..وهي في النهاية سياسة خطيرة عليهم، ولنا أن نتصور النتائج والمصائر لمواجهة دامية مع الشعب وكثيرة الضحايا يقودها أو يأمر بها عسكريون من أقرباء الرئيس لصد انتفاضة شعبية قد تحدث لأي سبب !. وفضلا عن ذلك فإن كل الأنظمة التي اعتمدت على العسكرة في آسيا وأفريقيا وبلاد العرب انتهت إلى فساد ماحق وفشل ذريع في كل الميادين بما في ذلك ميادين الحرب والقتال نفسها، والأمثلة أكثر من تحصى وتعد..
ولعل من المناسب التذكير هنا أنه حتى الإمبراطوريات التي استندت إلى الجيوش والعساكر بشكل رئيسي تحطمت وذابت وتلاشت في النهاية و لم تترك أثرا حضاريا يذكر، ونادرا ما تكون لها مآثر أو محامد، وأوضح الأمثلة إمبراطورية المغول، وهناك من يضم إليهم العثمانيين أيضا.. وبمعنى آخر، فإن القوة الناعمة" Soft Power " التي تستند إلى قوة القيم والثقافة والحضارة والمدنية أمضى من السيوف وأبلغ أثرا من المدافع في مواجهة الكثير من المعضلات والتحديات التي تواجه الدول والشعوب. سيكون مهما أن يبدل الكثير من أقرباء الرئيس بزاتهم العسكرية ببزات مدنية ويتركون الخدمة العسكرية طوعا وعاجلا وأولهم أحمد علي عبد الله صالح، وقد طالبت بذلك, منذ سنوات.. وقلت حينها وأقول الآن أيضا، أن بإمكان أحمد علي أن ينخرط في السياسة إذا رغب، على أساس من النضال والجهد الشخصي والمزايا التي يقدرها المواطنون بعيدا عن أجندة التوريث التي صمت الآذان منذ سنوات والتي إن جاز الحديث عنها في غير اليمن فلا يجوز مجرد التفكير فيها في اليمن التي بنيت جمهوريتها على أشلاء وجماجم ودماء خيرة الرجال..
•مرة أخرى أؤكد على أهمية أن يعلن الرئيس أن كل ما آل إليه من ممتلكات أثناء الحكم هو ملكية عامة وتعود إلى الخزينة العامة..ومقابل ذلك لا بد أن يضمن القانون مكافئة نهاية خدمة مناسبة ليعيش الرئيس وغيره من الرؤساء السابقين بكرامة تليق بهم، وقد تطرقت إلى ذلك من قبل..وسيكون مهما أن يشاطر المسئولون الآخرون أموالهم التي اكتسبوها أثناء الحكم بطريقة فجة وغير مشروعة، مع أن الحق والعدل يقتضي ويحتم استردادها كلها، وسيكون من المهم أن يبدأ أقرباء الرئيس بأنفسهم ويكونوا قدوة لغيرهم من خلال تبني مبادرات بالتنازل عن مجمل العقارات والثروات التي آلت إليهم أثناء ولاية الرئيس..
•بلغت الإستهانة حدا كبيرا بشروط الجدارة والكفاءة لمن يشغلون وظائف قيادية عامة. وأصبح من الممكن توقع أن يشغل أي أحد أي منصب عام بغض النظر عن الكفاءة والجدارة. وأضحى كثيرون يشغلون مناصب حساسة وهامة يشكلون إهانة للمناصب والمواقع التي يشغلونها وعذابا للناس الذين يقودونهم وتشويها لسمعة البلد ومكانتها والتمثيل بها عندما يتعلق الأمر بالتواصل مع الخارج، وكم رأينا من يمثل باليمن عوضا أن يمثلها.. وكثيرا ما يكون المقود أكفأ من القائد..ولذلك سيكون مهما إجراء عملية إصلاح إداري شامل وتطهير المناصب من ضعيفي الكفاءة والقدرات وإعادة الإعتبار للكفاءة والجدارة قبل الولاء والمحسوبية والإعتبارات المشابهة.. ولا بد أن يشمل الإصلاح كل المؤسسات بما ذلك الجيش والأمن والسلك الدبلوماسي والمؤسسة التشريعية أيضا..
أفهم أن الأجندة أعلاه ليست شاملة لكل ما يشغل البال الوطني لكنها في تقديري أساس ومنطلق للإصلاح والتغيير الشامل.
وعندما يشرع الرئيس في إتخاذ خطوات تنفيذية للإصلاح الحقيقي سيحظى بالتأييد واتساع الشعبية ولكن حذار أن يكون ذلك سببا في الإصغاء من جديد إلى السذج أو المخدوعين أو الماكرين، وبالتالي سبيلا ومبررا للتراجع عما أعلنه الرئيس بأن لا تمديد ولا توريث. إن التاريخ منصف ويدون الإنجازات التي قد تتم في فترات قياسية قصيرة، لكنه لا يأبه بمجرد البقاء في السلطة أطول فترة دون خدمة أهداف كبيرة... التاريخ دائما لا يرحم..ودائما حذار من مكر التاريخ وطول السلامة والعافية!
* عضو مجلس النواب