عندما أعلنت مجموعة في مملكة البحرين على الفيسبوك يوم 14 فبراير يوم غضبٍ مشابه لأيام الغضب في كل من تونس ومصر كان أكثر من هم خارج البحرين خاصة أولئك الذين ليست لديهم خلفية عن طبيعة البحرين المعقدة ولا عن تاريخ الصراع السياسي في البحرين، كانوا يترقبون غضباً يمثل القاعدة الشعبية للبحرين ضد بعض أخطاء النظام،لكن في خلال الأيام الأولى بدأت معالم التظاهر والاحتشاد تظهر بوضوح من خلال الشعارات التي رفعت، وبدأ النفس الطائفي يتجلى وذلك حينما أعلن المنظمون للتظاهرة أن اللبس الموحد لكل المتظاهرين هو اللون الأسود، ومعروف لدى الجميع في البحرين أن لبس السواد هو طقس شعائري يمارسه الشيعة في مآتمهم ومناسباتهم الشيعية، وكذلك الضرب على الصدور، ووضع عصابة على الرأس تحمل عبارة (ياحسين)، وكذلك رفعهم إلى جانب أعلام البحرين الأعلام السوداء وهي أعلام لا ترفع إلا في مناسبتهم الدينية.
وللأعلام السوداء هذه بعدٌ عقائديّ في التراث الشيعي فهي ترتبط بخروج أنصار المهدي من خراسان الذين يحملون رايات سوداء كما يقولون، ولهاجس فكرة المهدي في الذهنية الشيعية ارتباط وثيق في كل تحركاتهم ومن ضمنها التحرك السياسي فكل الأعمال والممارسات يستصحب معها الشيعي في البحرين فكرة المهدي.
ففي ممارستهم السياسية الأخيرة والتي يسمونها ثورة 14 فبراير ظهر قول عجيب تداولته منتديات إلكترونية بحرينية في شبكة الانترنت معنون بالآتي: (علاقة 14 فبراير بالراية البحرانية التي تنصر المهدي). وتفاصيل العلاقة مبنية على أنه توجد راية بحرانية ستخرج من البحرين لتنصر الإمام المهدي في يوم من الأيام ، وهذه الراية بدورها تلتقي بالراية الخرسانية وبراية اليماني والتي يعتبرها بعضهم أنها أهدى الرايات لنصرة المهدي كما زعم بذلك الكوراني في كتابه.
فعلى سبيل الذكر وليس الحصر وردت عدة شعارات دينية تتعلق بالمهدي لدى المتظاهرين على مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك والتويتر وفي الأفلام المسجلة من موقع التظاهر وهي منشورة على اليوتيوب، وذلك مثل قولهم ينادون المهدي: (يا صاحب الزمان العجل العجل، يا مولاي فقد طال الانتظار ..اظهر لتنصر الإسلام والمسلمين وتقضي على الظلم...)، وقول أحدهم ينادي المهدي : (مات التّصبّر بانتظارك أيها المحيي الشريعة، إلى متى التّصبر وديننا هدمت قواعده الرفيعة، يا رب عجل لوليك الفرج واجعلنا من أنصاره وأعوانه وانصر المؤمنين والمؤمنات على الظالمين ...)، وينادي أحدهم (ياعليييييييييييييييييي .. أينك يا صاحب الزماااااااان ، أدررررركنا بني أمييية ذبحوونا .. ) وفي هذا نلحظ استحضاراً للتاريخ فبني أمية أصبحوا من حيث الجنس والفكرة يشكلون رمزاً للقتل والدموية لدى الذهنية الشيعية، وهذا يندرج في العداء على أصل الجنس والسلالة.
وهناك استدعاء تاريخي آخر يعبر عنه الشعار الآتي:( لعنة الله عليكم يا صهاينة آل السقيفة)، ومن المعروف أن حادثة السقيفة هي الحادثة التي تم فيها تعيين الخليفة الأول أبوبكر الصديق من قبل عامة الصحابة الكرام، ولنا أن نتأمل جيداً كيفية الربط بين الصهيونية وبين أصحاب السقيفة!!!
ومما يعزز قوة استحضار النفس الديني الخاص بالطائفة ترديدهم شعارات كلها تصب في استحضار التاريخ المعزز بالأيدلوجيا، فشعار: (هيهات منا الذلة) بحسب اعتقادهم هو ذات الشعار الذي رفعه الحسين بن علي رضي الله عنه وهو يواجه جيش عبيدالله بن زياد في واقعة كربلاء،وقولهم أيضاً: (أرضي أرضي كربلاء ****وكل يوم لي عاشوراء).
كل ما سبق من الشعارات التي تحمل بعداً طائفياً هي التي جعلت مظاهرات البحرين تحمل صبغة واحدة لطائفة واحدة جعلت الآخر من غير الطائفة يتشكك في النوايا التي يريدها المحتجون، مع أن أكثر المطالب التي وضعوها هي مطالب يشترك في بعضها أغلب سكان البحرين، فخدمات الإسكان والتي تعتبر من أبرز احتياجات المواطن البحريني وهي مطلب يخص الجميع أما البطالة فهي أقل من 4% بين سكان البحرين ولا تستحق الاحتجاج ولا التظاهر بهذا الشكل وأمورٌ أخرى يتفق فيها الجميع ليس هذا مكان ذكرها، وقد بدأت المشكلة حينما أعلن المحتجون عن تحديد يوم 14 فبراير وهو اليوم الذي تم فيه الاستفتاء عن الميثاق الوطني البحريني فقد جعل هذا التحديد الطرف الآخر يتأكد بأن هذا الاختيار فيه تعمد للإطاحة بشرعية نظام الحكم وليس لإصلاحه، وفعلاً فقد ارتفع سقف مطالب المحتجين إلى رفضهم شرعية الأسرة الحاكمة بالكلية وهنا بدأ التصعيد يأخذ منحىً آخر يمكن أن يعقبه نزاع طائفي بين مكونات المجتمع البحريني خصوصاً حين تتدخل مراجع دينية مثل الهادي المدرسي المقيم في إيران وهذا له أتباع كثر في البحرين لأنه كان فيها وقد مارس تحريض المحتجين في دوار اللؤلؤ على أن لا يبرحوا من مكانهم إلا بعد زوال الملك الذي وصفه بالكفر وشبهه بمعاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية في العداوة لأهل البيت كما يزعم، وقال إنه لا تصالح معه أبداً وذلك في حديثه في قناة أهل البيت الفضائية، ومن المعلوم أن هادي المدرسي عراقي الجنسية وقد استوطن البحرين عند خروجه من العراق في عهد صدام حسين في عام 1969م، وقد منح الجنسية البحرينية في فترة وجيزة نظراً لعلاقته المتميزة مع الملك الحالي عندما كان ولياً للعهد آنذاك ومع وزير الإعلام طارق المؤيد، وكانت العلاقة قوية يشار إليها بالبنان، ثم سحبت منه الجنسية عندما اكتشف أنه على رأس خلية كانت تخطط للانقلاب على الشيخ عيسى أمير البحرين في عام 1981م تحت تأثير زخم الثورة الإيرانية التي قامت قبل ذلك بسنتين.
مثل هذا الإطار الضيق الذي فرضه المحتجون في دوار اللؤلؤ في البحرين يعتبر تذويباً للمطالب المشروعة في بوتقة الطائفة،مما أحرج الكثير ممن ينادون بالإصلاح من الطرف الآخر وقد شهدت المرحلة السابقة من دورة البرلمان فتح ملفات الفساد في الأراضي وفي المال العام واشتغل في هذا الجانب غالبية المجتمع البحريني فالصحافة امتلأت بالحديث عن الفساد وظهرت أرقام ووثائق تبين ذلك مما جعل الحكومة تبدأ تحقق في قضايا الفساد المالي وكذلك أغلقت باب التجنيس نظراً لاحتجاج المعارضة ونظرا للأخطاء الواردة فيه، وأمور أخرى إصلاحية كانت قد شرعت فيها الحكومة بالرغم من البطء الشديد والتراخي في البدء بإصلاح حقيقي وشامل إلا أن الدورة الجديدة التي انبثقت عن انتخابات 2010م كانت ستشهد الكثير من الضغط على الحكومة من قبل المعارضة والتي تمتلك ورقة ضغط قوية عليها كونها تحتل مساحة كبيرة في مجلس النواب الحالي(18 مقعداً) وسيتم المضي بالمشروع الإصلاحي الذي كان الملك قد وضعه منذ بداية عهدة.
في الأخير ما أريد الوصول إليه أنه في مجتمع إثني متنوع ومتعدد مثل البحرين يجعل الكثير من المراقبين يخطئون في الحكم من خلال النظرة العامة غير العميقة والمكتفية بما يشاهد على السطح، لذلك فلا بد من تحليل يتعمق في التفاصيل المعقدة والتي هي نتيجة للتعقيد الذي يشهده المجتمع البحريني، ومن وجهة نظري فإن جزءاً من المجتمع البحريني يعاني ضعفاً في مفهوم المواطنة وهذا بدوره يجعل هذه المكونات لا تمثل إلا نفسها بشكل خاص وبصبغة خاصة، ولهذا يجب على كل مكونات الشعب البحريني إعادة ترسيخ مفهوم المواطنة ومفهوم الولاء للوطن عبر كل المؤسسات الوطنية والذي سيكون كفيلاً بتغليب المصالح العامة وعدم استحضار كل ما من شأنه أن يثير الحساسية الطائفية في مثل هذه الفعاليات الاحتجاجية، ولا بد من الفصل بين ما هو شعائري ديني يخص طائفةً بعينها وبين الممارسة السياسية تحت ظل المواطنة العادلة، ما لم تصل درجة الوعي بأهمية المواطنة إلى أن تستحضر جميع مصالح الوطن فإن التخندق حول الأفكار والشعارات الطائفية لن تجر البلد إلا إلى نفق مظلم.