[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

دعوا الشباب يصنعوا أقدارهم

تردد محمد حسنين هيكل كثيراً قبل أن يدلي برأيه المكتوب حول الثورة المصرية الأخيرة، وعلل ذلك في مقال له نشر بعد أيام من انطلاق شرارة الانتفاضة الشبابية بمصر في الـ25 من يناير الفائت، بأنها ثورة جيل لا علاقة له بجيل هيكل أو حتى الجيل الذي يليه.

لقد أدرك الكاتب والمحلل السياسي والاستراتيجي الأبرز على المستوى العربي أن زمنه ولى. ولذا وجب عليه أن يتوقف حائراً عند هذه النقطة بالذات. وتأتي حيرته تلك في صيغة تنويه هام للشباب أن يصنعوا أقدارهم التي يجب أن تكون، دونما تدخل لأيادٍ بائسة أرهقتها الكهولة.

في 31 يناير الفائت، نشرت "السفير" اللبنانية مقالاً تحليلياً لهيكل بعنوان (سقوط خرافة الاستقرار) قال فيه: لم أكن أريد أن أفتح فمي وأتكلم، قد قلت ما فيه الكفاية، أو هكذا أعتقد. ولم أكن أريد لأحد من جيلي وربما جيل آخر بعدنا أن يفتح فمه هو الآخر وأن يتكلم، فقد قالوا ما فيه الكفاية وزيادة. كان من واجبنا جميعاً أن نسكت وأن نتابع حوار التاريخ الجاري الآن في مصر، وهو في واقع الأمر بين طرفين: الأول يمثل الطموح والثاني يمثل القدرة.

هذه هي رؤية المفكر هيكل في ما حدث ويحدث في العالم العربي من تغير يقوده طموح اسمه الشباب، إذ يجب أن يعلم الجميع في مجتمعاتنا المتسمة بالأبوية أن هذه القوة هي التي لا تقهر بعد إثبات وجودها في تونس ومصر.

لقد وصف الرجل ما جري ولا يزال في مصر ب"أنه حوار بين جيل جديد من الشباب تصدى لشحنة متفجرة وخطرة لم يكن هناك من يعرف كيف يستطيع الاقتراب منها وفك عقدها، وقد فعلها هذا الجيل بحسن تصرف، وكفاءة علم، وبأدوات عصر". نعم يا هيكل هذا هو الجيل الذي قال كلمته الفاصلة في تونس ومصر. وسيقولها أيضاً، في أكثر من وطن عربي في قادم الأيام.

إن الحركات والتكتلات والمنظمات الشبابية في تونس ومصر هي الركيزة لصناعة مستقبل الحكم والمعيشة في تلك البلدان. ومنذ تسلمه إدارة مصر من حسني مبارك في 11 فبراير، يضع المجلس الأعلى للقوات المسلحة اعتباراً لما يقوله ائتلاف شباب الثورة المصرية. تماماً، مثلما سمع لما قالوه منذ خروجهم للشارع في 25 يناير الماضي.

لقد التقى عمر سليمان نائب الرئيس السابق لمصر بممثلين عن ائتلاف شباب الثورة ولم يتوقف طموحهم ومطالبهم حتى مع رحيل حسني مبارك. إن يرسمون ملامح مستقبل ثورتهم إذ رفع الائتلاف بقائمة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بقائمة أسماء مقترحة لرئاسة الحكومة المقبلة.

ويمثل الائتلاف عدد من الحركات والمنظمات الشبابية التي جمعت تحت مسمى (ائتلاف 25 يناير) والتي خرجت للشارع للمطالبة بتغيير النظام. ثم توحدت جميعها حول واجب المطالبة بالتغيير. كما حدث بين الشباب المسيحي والشباب المسلم إبان ثورة التغيير في مصر.

وبعيداً عن ما سيقوم به الشباب الذي صنعوا الثورة في تونس ومصر مستقبلاً، فإن الشباب العربي بمختلف تكتلاتهم وتوجهاتهم هم من سيرسمون ملامح مستقبل الأمة. طبقاً لتقديرات المحليين والمتابعين من جيل الشباب وهم الأغلبية في الوطن العربي، أو غيرهم.

وتبلغ نسبة الشباب في العالم العربي أكثر من 60% من عدد السكان. ويبلغ عدد الفئات العمرية بين 15-29 سنة عام 2009 حوالي 113 مليون شخص، حسب احدث تقديرات الأمم المتحدة. وهو ما يساوي ثلث مجموع سكان العالم العربي وحوالي 47% منهم تقريبا حسب تقديرات أخرى.

وبدأت حركة التغيير هذه منذ سنوات إذ سخر الشباب وسائل العصر لتحقيق أهدافهم. ويرى متابعون أن عدد من المصريين الشباب اتخذوا من الموقع الاجتماعي (الفيس بوك) كما فعلوا من قبلهم التونسيين، وسيلة لحشد مناصريهم حول قضايا حقوقية وإنسانية وتوعيتهم بضرورة التغيير ليحل العدل وتعود الكرامة لكل إنسان يعاني من ويلات الأنظمة.

وتشير المعلومات أن البداية الفعلية التي أججت مشاعر الشارع المصري بضرورة التغيير، كانت حادثة مقتل شاب يدعى خالد سعيد في يوليو 2010 وبطريقة بشعة على أيدي رجال أمن وذلك على خلفية نشره لمقطع فيديو يوضح ضلوع ضباط كبار في تجارة المخدرات في أحد أقسام الشرطة في الإسكندرية.

وتناقل الشباب عبر اليوتيوب صور لجثة الشاب سعيد بعد أن نكلوا به أفراد الأمن. وعمد ناشطون حقوقيون من الشباب إلى عمل صفحات خاصة بالشهيد خالد سعيد وأشهرها تلك التي أنشأها أحد ممثلي ائتلاف شباب الثورة وائل غنيم الذي يعمل مندوب لمبيعات جوجل في الشرق الأوسط، وأسماها "كلنا خالد سعيد".

وانضم إلى تلك المجموعة في الفيس بوك حوالي 200 ألف شاب فضلاً عن مجموعات أخرى انضم أليها أيضاً مئات الآلاف، وهؤلاء الأعضاء هم أنفسهم من حددوا يوم 25 فبراير موعد للخروج للشارع. وفضلاً عن الأسماء العديدة لناشطين حقوقيين من الشباب فإن عدد كبير منهم كان يعمل في إطار جماعي واحد لا يظهر القائمون به إلى الواجهة بعد محاولات إعاقة نشاط بعض الحركات الشبابية التي تأسست في السنوات الأخيرة كمحاولة منها لتغيير الأوضاع.

وكان بعض الشباب المصري، أنشأ حركة شباب 6 أبريل، وهي حركة سياسية مصرية معارضة ظهرت في 2008. وظهرت في الساحة السياسية عقب الإضراب العام الذي شهدته مصر في 6 أبريل 2008 بدعوة من عمال غزل المحلة وتضامن القوى السياسية فتبناه الشباب وبدؤوا في الدعوة إليه كإضراب عام لشعب مصر. أغلب أعضاء الحركة من الشباب الذين لا ينتمون إلى تيار أو حزب سياسي معين وتحرص الحركة على عدم تبنيها لأيدلوجية معينة حفاظا على التنوع الأيدلوجي داخل الحركة ولما تفرضه ظروف مصر من ضرورة التوحد والائتلاف ونبذ الخلاف.

ويبدو أن رياح التغيير التي يقودها الشباب ستستقر في اليمن في قادم الأيام، وتتطابق التحليلات المؤكدة على الواقع اليمني مؤهل أكثر من غيره لأمر التغيير. ويتناقل الشباب العرب بعض مصطلحات وأساليب ليس في عبارات من قبيل "الشعب يريد إسقاط النظام" وحسب وإنما في الوسائل والأساليب أيضاً. والمتابع لحال الواقع اليمني يرى أن وجود ما يزيد عن 20 مجموعة شبابية في الفيس بوك مساندة وداعية للتغيير في اليمن بعد تأثرها بما حدث في تونس ومصر، لهو دليل كاف على إمكانية انتقال عدوى التغيير إلى اليمن؛ البلد الذي يعاني شبابه أكثر من غيرهم إن لم يتساوون في القهر والجوع.

إلى ذلك، ويرى مهتمون أن المجتمعات العربية تواجه اليوم معضلة حقيقية أساسية وكبيرة. فإلى جانب الفقر والاستبداد والقمع هناك البطالة والبطالة المقنعة، التي تفوق في معدلاتها ما هو مسجل على مستوى العالم بكثير، حيث وصل معدل مستوى البطالة إلى أربعة عشر ونصف بالمائة، بالمقارنة مع المعدل العالمي الذي لا يتجاوز 7،5 % في أسوء الأحوال.

وطبقاً لنتائج ندوة إقليمية للبحث حول "هوية الشباب وقيمهم" فإنه وبالرغم من تباين الظروف السائدة في مختلف دول العالم العربي، إلا أن القاسم المشترك بين هذه الدول يضم ثلاث نقاط ضعف أساسية هي: أولا- إخفاق نظم التعليم في تعزيز التطلع إلى التطور الذاتي. ثانيا – ان اقتصاديات هذه الدول لا تطلق الإمكانيات الكاملة لطاقات الشباب ومواهبهم. وثالثا – ان نظم الحكم السياسية التي تتعامل مع الشباب والبالغين على حد سواء كأتباع وعبيد لها وليس كمواطنين يتمتعون بحقوق سياسية وطنية وإنسانية ومساءلة أصحاب القرار في السلطة ومحاسبتهم.

وتوصل المشاركون في الندوة التي أقيمت في دولة الإمارات العربية ونظمها معهد السياسة العامة التابع للجامعة الأمريكية في بيروت وبمشاركة من اليونسكو، إلى ان غالبية الشباب في العالم العربي يشعرون بوجود قيود اجتماعية وسياسية ودينية واقتصادية وأمنية تحد من حرياتهم وحركتهم في الحياة ولا تتيح لهم إمكانية التعبير عن شخصياتهم وأفكارهم وقيمهم بصورة كاملة وخاصة في مسائل السياسة والجنس والدين والأفكار. ومن حيث القيم فان اغلب الشباب منقسمون إلى إما معجبون بقيم الحداثة والمعاصرة والتقدم أو متمسكون بالقيم التقليدية وخاصة الإسلامية، بالرغم من أن الواقع هو أكثر تعقيدا من هذا التقسيم التعسفي.

وتؤكد تقارير "تحديات التنمية البشرية في الدول العربية" التي تصدر عن منظمة العمل العربية بان معدل البطالة في العالم العربي هو المعدل العلى على مستوى العالم. ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يتعداه إلى تدهور التربية والتعليم والفساد الإداري والمحسوبية والمنسوبية وانعدام الشفافية في جميع المجتمعات العربية.

ويعتقد مراقبون أن هدر هذه الطاقات والإمكانات والكفاءات الشبابية من خلال أبعادها عن المشاركة في القضايا المصيرية هو دليل على فشل الحكومات والأحزاب والأيديولوجيات التقليدية عن تحقيق طموحاتها، وحيث لم يعد للأحزاب التقليدية والقيادات الكلاسيكية، وخصوصا بعد تفكك الأيديولوجيات الكبرى التي لم تعد لها صورة واضحة وشفافة وبعد أن تخطى الشباب خطاب الحزبيين والمؤدلجين وسماسرة السياسة التقليديين، فلا الأحزاب اليسارية ولا اليمينية تستطيع اليوم اللحاق بهم وهم يطلبون بالحرية والعدالة والخبز.

لكنه ما بدا أنه في شبه المؤكد اليوم، فإن الشباب أصبح أكثر وعيا وتنظيما واخذ يعي واقعه ويقدر مستقبله ويرغب في تقرير مصيره وان يعيش بحرية وكرامة، وهذا ما يحمل بلا شك معاول التغير والتغيير القادمة، لتتحقق الطموحات التي راجت مؤخراً من أفواه المهتمين من الشباب وغيرهم بأن الشباب يصنع قدره.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى