التحريض والثورية هي ما يبحث عنه الساهرون في ساحة الحرية بتعز. أن تتفاقم الصحافة والبيانات وتدور كرة الثلج، ويلحظ طالب بوابة جامعة صنعاء ذلك ليشعر بالجدوى.
لقد خلص أغلب اليمنيين إلى مزاج واحد، متفاقم يفرك يديه استياءً وشماتة. وإن أي محاولة لأن يبدو أحدنا هادئاً وعميقاً لهو شكل من التهديد لبداية شعور المظلوم بالخلاص.
لم يدرك الرئيس إلى الآن حتمية تعبير هذا المزاج عن نفسه، المزاج الذي تحول إلى وجود كامل تراجعت معه حدة المتاعب الشخصية لكل شرعبي في ساحة الحرية بتعز، إذ أمسى لديه قضية عظيمة، ويشعر أنه يوشك أن يقرر مصير الرئيس. وهذا الشرعبي سيموت قبل أن يترك لأحد أن ينتزع منه هذا الإحساس الظافر.
قوة الانتقام الشافية هي من تدفع الطلبة الآن لمعاقبة الأب ونفيه ودفعه لأن يمضي أيامه الأخيرة وحيداً وأصابعه ترتعش.
والرئيس بوده لو يخرج من هذه الورطة بأي ثمن، إلا أن يخرج من السلطة برعاية فكرة الخروج الآمن.
يريدنا أن نخرج من دماغه وهو سيجد الوقت الكافي فيما بعد للتأمل في حالة لطالما مرت به بعد الورطات الكبيرة.
يتمنى أن يصحو يوماً ليجد نفسه مغموراً بذلك الشعور الذي استيقظ به عقب فشل محاولة الانقلاب الناصرية.. لقد أدمن ذلك النوع من تأمل رجل يردد في أعماقه كم كنت قريباً من الخطر.
بالعودة إلى التفاقم والثورية، سنجد أن ثمة حياة جديدة وقعت فجأة بين يدي أناس ليس لديهم حياة أصلا. يستفزهم كلام عن الحفاظ على الوطن ويمرضهم التفكير في الرد عليه وتفنيده.
هم يشعرون بذلك الانتماء العميق المؤجل حتى ما بعد إثبات وطنية الغضب والتغيير.
وعد قريب يرنو إليه المستاؤون الذين أمضوا فكرة طويلة يحاولون النجاة من متاعب منهكة اكتشفوا الآن أنها لم تكن من صنع أيديهم، وإنما هي قيود وضعها الرئيس حول رقابهم في ليالي الألم والمذلات.
تحتاج عجائز اليمن الآن للعب ذلك الدور المؤجل منذ زمن وهو دور العجوز التي تذرف الدموع وتبارك الفتيان أثناء توجههم للقيام بأشياء بطولية لأجل الحق والكرامة ربما، ولأجلها.
ويحتاج الفتيان للعب هذا الدور بأي ثمن.. أي لغة هادئة لأجل الوطن ستعني إعادتهم إلى ذل الملازم ومخاوف المصاريف والفشل.
كان عمرهم مجرد إدانة وجملة تهديدات، ولم تعد العجائز الآن مجرد أمهات يرفعن أيديهن بدعوات النجاح التي يستحقها الفاشلون عادة، لقد تحولن إلى أمهات وجدات من يوشكون أن يصنعوا التاريخ.
على مدى سنتين وأنا أكتب عن أهمية التفكير بهدوء بالغ لأجل البلد في نهاية المطاف. لكن كيف يهدأ مثقف من عدن قامت السلطات بزعزعة حياته ورؤيته للأمور!؟
من أين يأتي خريج الجامعة العاطل عن العمل بالهدوء وهو يذكر كل خيباته وضروب اللاعدالة ويذكر فكرة التخلف ويذكر أن الرئيس لا يذكره ولا يفكر فيه البتة!؟
كل الذين بقوا خارج دماغ النظام على مدى عقدين من الزمان السلطوي المتجاهل لأهميتهم وخطورتهم وحتى ما كان يمكنهم تقديمه للنظام من خدمات سيردون الآن على هذه الإهانة طويلة المدى.
ليس كل المتفاقمين الآن طلبة أو مظلومين فحسب، ليس كل الغاضبين أبرياء.. ثمة حساب قديم لكل شريحة في هذا البلد، وثمة شعور قوي بأن الوقت قد حان لتصفيه مظالم التاريخ والجغرافيا التي يمثلها النظام القائم.
حياة جديدة يحتاجها كل يمني، شرطها الأساسي هو هذا الاحترام فمن يملك الحكمة الكافية لتسويق الهدوء؟
كنا لنكتب ربما، ونحاول إثبات كيف أن الرئيس لا يصغي لصوت المسؤولية الذكية وكأن الفكرة تعود أول الأمر وآخره إلى البطانة السيئة أو محاكمة طبع الرجل وكأنه لو كان قد اختار أناساً موضوعيين هادئين إلى جانبه، لربما كانت الأمور ستكون أفضل، وهذا ليس دقيقاً.. فالرجل لم يرتبط في الذهن العام بفكرة القسوة والانفصال عن الشعب.. أو أن هذا الغضب كله هو نوع من الرد على (لاعقلانية الرئيس) الأمر هنا في استياء الناس من حرمانهم المنظم من الحياة بظروف أفضل، يشعرون أو أنهم اكتشفوا الآن أنهم ليسوا فقراء إلى هذه الدرجة.. وفي الأصل لا يسع أحداً بما في ذلك المشترك أن يحول بين الغاضبين والرئيس.. ولم يحدث أصلاً أن فكرة صوت الشعب قد لعبت دوراً أساسياً في أحداث البلد منذ الثورة.
لذلك هم غير معنيين جداً بالصورة التي ينبغي أن يخرج بها صوتهم كأن يتصرف هذا الصوت بمسؤولية من خبرته بأهمية ما سيقوله. نوع من فهم واقعية يمن لا يجيد آخر الأمر سوى الغضب. ولا يملك غيره أصلاً.
لا أظن الأمر سيطول.. ودعوة الرئيس للمشترك غير ذي جدوى.. ولا أنصح شخصياً بمحاولة الاقتراب من هموم الشباب في الأيام القادمة، إذ لا أثقل على المرء من لطافة رجل يحاول بتلاطفه خداعك مجدداً.
غضب، استياء، ثائر، دنيا تتفاقم، ولقد انفتحت بوابة السد. مسألة وقت.