أرشيف الرأي

لماذا تتوحد الدولة بعد سقوط فرعون الذي يجعل شعبها شيعا؟

يستغرب البعض من الروح الوحدوية التي استعادت حيوتها بين أبناء اليمن في الشمال والجنوب بعد أن هبت رياح ثورة الحرية والتغيير، كما استغربوا من روح الإخاء التي دبت بين المسيحيين والمصريين بعد سقوط فرعون مصر..

ولا غرابة في ذلك فهذا منطق السنن الاجتماعية الإلهية، ولن تجد لسنة الله تبديلا، فعلماء الاجتماع يؤكدون أن الإنسان الحر في المجتمع الحر يتوق دائما للتخلص من الهويات الضيقة ويبحث عن الهويات الرحبة والواسعة، و في الأنظمة الخانقة تفشل السلطة في توفير الأمن الطبيعي والشعور بالأمان الحقيقي الذي لا يتأتى من خلال أدوات القمع والتسلط، بل ينساب من أفياء دولة المؤسسات دولة الفرص المتكافئة والحرية والمساواة، دولة الشعب لا الأسرة العسكرية المتسلطة.

في ظل الأنظمة الخانقة يشعر الناس بالخوف وتتحول السلطة إلى مصدر للتهديد وإثارة الخوف وبث الرعب ليتمكن المتنفذون من العبث بالثروات و استنزاف طاقات الشعب في خدمة مآربهم الخسيسة، وفي هذه الأجواء يضطر الناس إلى التخلي عن الهويات الواسعة والانكفاء على الهويات الضيقة للاحتماء من المخاوف التي يبثها الحاكم العسكري وعائلته وزبانيته- فرعون وهامان وجنودهما وبلاطجتهما.

وفي وضعية الانكفاء من أجل الاحتماء، بدأت تتشكل في المجتمع اليمني هويات مناطقية وقبلية وطائفية وبدأت تترسخ يوماً بعد أخر هذه الهويات الضيقة بمباركة فرعون الذي يظن أنه يستفيد من هذا التفريق لترسيخ الفساد الذي يمارسه نظامه،(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}.

فالحاكم الفرد يظن أن السلطة لا تستقر له إلا بتفريق الشعب وإشعال الفتنة الطائفية ولهذا يوحي إلى بلاطجته أن يذهبوا إلى أنصار الحرية وأن يبثوا فيهم الروح المناطقية النتنة، و يأمر وزير الداخلية بتسليط بعض المرتزقة من البلاطجة المرتزقة لتفجير الكنائس في الإسكندرية لينشغل الناس عن فساده وجرائمه وسرقته للمليارات التي تتزايد والشعب يزداد فقراً.

ويشير الفيلسوف (كاستلرز) إلى أن الأنظمة الاستبدادية تسعى إلى بلورة هويات فزّاعية تنتجها السلطة لتبرير هيمنتها على المجتمع وإدامة هذه الهيمنة وشرعنتها من خلال الإيحاء للرأي العام أن البديل عن وجود السلطة في حالة غيابها هو هذه الهويات التمزيقية و بعض العصبيات القبلية والطائفية يمكن إنتاجها في هذا السياق لتخويف المجتمع الحضري من سيطرة القبائل والطوائف ودفعه للالتفاف حول سلطة القمع، على طريقة إما أنا أو الطوفان.

وقد حاولت الولايات الأمريكية المتحدة بأسلوب استعماري خبيث تعزيز هذه الفزّاعة في عقلية المواطن العربي حين أسقطت النظام العراقي وعقدت المشهد السياسي في العراق حتى توحي للمواطن العربي أن الديمقراطية غير صالحة في البيئة العربية وحتى تدفعه للتشبث بالأنظمة العسكرية الفاشلة وحاولت بعد ذلك تعزيز فزّاعة الحاكم العسكري أو الطوفان من خلال محاولة إشعال الفتن الطائفية في الوطن العربي وتضخيم بعبع تنظيم القاعدة.

ومن بركات ثورتي مصر وتونس أنها قلبت على الطاغوت الأمريكي والطواغيت المحليين هذه المعادلة، وأصبحت المعادلة اليوم "أما الحرية أو الطوفان".

واليوم في ظل رياح الحرية والتغيير،أستعاد الشعب المصري هويته الواسعة وأصبح المصري الذي كان يخجل بالأمس أن يقول أنه مصري، يقول اليوم بصوت عال ارفع رأسك أنت مصري. فهل يدرك المرابطون اليوم في ساحات الحرية أنهم يناضلون أيضاً من أجل كرامتهم وكرامة أبنائهم وأحفادهم الذين سيقول لهم العالم غداً "ارفعوا رؤوسكم أنتم يمنيون" بعد أن صار اليوم الكثير من اليمنيين يخجلون من القول أنهم يمنيين في الكثير من دول الجوار. غداً سيرفع اليمني رأسه ويقول لأبناء دول الجوار أنا يمني حر لست عبداً لأسرة حاكمة أو طاغية فاسد .أنا يمني زلزلة عاتية على قبضات إصراري سيفنى كل جبار أنا الشعب قضاء الله.. أيها التاريخ سجل أنا يمني.

ووفقاً للقاعدة الاجتماعية فإن الأحلام المجهضة بالوحدة العربية ستنتعش من جديد فالإنسان الحر في المجتمع الحر يتوق إلى الهويات الأكثر رحابة، وسقف الأحلام ترتفع يوماً بعد أخر، كما كانت مطالب الثوار الأحرار ترتفع أثناء الثورة فالحرية تفجير ذري للطاقات المكنونة في الكائن البشري.

ومن المعلوم أن الأنظمة الفردية التسلطية أفقدت المواطن العربي الشعور بالاعتزاز بالهوية العربية لأن مصلحة الزعيم الفرد كانت مهددة في ظل الوحدة، فقد حاول الزعيم الفرد تعزيز الهوية القُطرية بدلاً عن الهوية العربية، و حتى لا يفقد الزعيم السيطرة على الدولة القُطرية بدأ بتقسيم المجتمع إلى شيع وطوائف ليستضعف طوائف ويؤيد طوائف أخرى ويدخل المجتمع في دوامة صراع متخلف حتى يتجاهل الشعب انفراد الحاكم بالثروة واحتكاره للسلطة وفشله في بناء دولة الحرية ومشروع التنمية.

وبناء على ذلك فلا غرابة إن يقودنا النضال من أجل الحرية إلى إنعاش الروح الوحدوية بين أبناء عدن وتعز وصعدة وعمران ومأرب والجوف والضالع وحضرموت وسائر أنحاء اليمن، بل دعوني أجزم أن سقف الوحدة لن يتوقف بعد نجاح ثورة الحرية عند الوحدة اليمنية، بل إن الوحدة العربية إذا انتصرت ثورات بقية الشعوب العربية ستكون قاب قوسين أو أدنى، لأن أنظمة الحاكم العسكري الفرد كانت تعوق الوحدة العربية لتناقضها مع مصالح الزعماء، وبعد نجاح ثورات الشعوب يكفي فقط تصويت البرلمان المصري الحر والتونسي والليبي واليمني وغيرها لأن هذه البرلمانات لن تطبق ما يريده الأخ الرئيس ولن تكون رجع الصدى لعربدة الحاكم المستبد ورغبته بالاستئثار بالسلطة، ستكون برلمانات حقيقية تمثل إرادة الشعوب العربية وتطلعاتها بعد سقوط أصنام الزعامات, والحديث هنا ليس عن الدولة الاندماجية المركزية، بل عن دولة الولايات العربية الفيدرالية المتحدة. فهل يدرك المرابطون اليوم في ساحات الحرية أنهم يحققون الحلم الكبير الذي تشدقت به بعض الأنظمة العسكرية واتضح اليوم أنها كانت أخطر عقبة في طريق الوحدة، فقد أصر الحاكم العسكري في السودان على بقائه في السلطة وقدم وحدة السودان قرباناً للبقاء على الكرسي، وها هو زعيم ليبيا الذي أزعجنا بالتنظير للوحدة العربية، يشاهد مدن ليبيا تتساقط تباعاً بيد الشعب وهو يصر على الاحتفاظ ولو بالعاصمة طرابلس.وهاهو رئيس اليمن يشاهد أبناء الجنوب وشمال الشمال في صعدة وأبناء تعز وغيرهم يهتفون برحليه و مع ذلك يصر على البقاء في السلطة ويهدد بحروب أهلية، ويقوم بإرسال المرتزقة والبلطجية لاطلاق القنابل والرصاص الحي على الثوار.

هل يدرك المرابطون في ساحات الحرية أنهم لا يناضلون فقط من أجل إزاحة الطواغيت والفاسدين وبناء مجتمع الحرية والتنمية والعدالة، ولكنهم يفتحون آفاقاً واسعة للأحلام التي وأدها القهر والفساد بالوحدة العربية، وإزاحة الوصاية الغربية الصهيونية على العالم العربي، فلا سبيل للوصاية على مجتمع ديمقراطي حر، وجميعنا نتذكر كيف استطاعت تركيا في حرب العراق 2003م أن ترفض قرار أمريكا باستخدام أراضيها لغزو العراق، لأن الشعب رفض ذلك في البرلمان الحر، وأمريكا تدرك أن ديمقراطية تركيا حقيقية لابد أن تحترمها وليست شكلية صورية كما هو واقع الحال في الجمهوريات العربية التي تآكلت شرعيتها الدستورية والقانوينة ونخرها الفساد واستحقت لعنة (الشعب يريد إسقاط النظام).

زر الذهاب إلى الأعلى