غمرتنا العاطفة وعمت الفرحة أرجاء الوطن العربي إزاء ما تشهده الساحة العربية من حراك ثوري ضد أنظمة الحكم العربية القطرية, التي حكمت الشعب بالحديد والنار, وكممت الأفواه,وأفقرت الناس, رغم أن بلدانهم زاخرة بالثروة,وقد فرح غالبية المواطنين العرب للإطاحة بالزعيمين التونسي والمصري, ويبتهلون لاقتراب اليوم الذي تتم فيه الإطاحة بالقذافي, لأنه فاق في وحشيته ضد شعبه كل الأباطرة والدكتاتوريين الذين شهدهم التاريخ القديم والمعاصر.
يترافق مع هذه المشاعر الجياشة خواطر ومخاوف إزاء ما يحدث في معظم الساحات العربية, لان كل ساحة قطرية لها خصوصيتها الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية
وقد تتشابه المشاعر بين أبناء الوطن العربي, ولكن الخصوصيات توجب على العرب والمثقفين النظر لكل قطر بمنظار واقعي عقلاني بعيدا عن العواطف والانفعالات الآنية:
1- ابرز هذه المخاوف هي بطء عملية التغيير في كل من تونس ومصر,فرغم أن الجماهير التونسية قد أسقطت رئيس الوزراء محمد الغنوشي, إلا أن التركيبة الحكومية ما زالت تفكر بعقلية زين العابدين بن علي وحزبه, كما أن إجراءات تعديل الدستور ما زالت متعثرة. فالخوف هو سرقة الثورة من قبل بعض المتسلقين أو التسلق إلى جسم الثورة بهدف حرفها عن مسارها والسيطرة على مواقع مهمة في الدولة ونيل مكاسب شخصية.
2- رغم الموقف المشرف للجيش في تونس ومصر من الثورة والثوار, إلا أن دوره لا يجوز أن يستمر طويلا, لان النظامين السابقين في تونس ومصر هما عسكريان, وليس من أهداف الثورتين استبدال رمز برمز, ولا شخص بآخر, فالجيش له مهمات محددة هي الدفاع عن البلاد وعن أمنها وحمايتها من أي تدخل خارجي. وإذا استمر حكم العسكر فسوف يعود البلد إلى المربع الأول, وكأن الثورة ما قامت.
3- العرب والعالم يريدون أن يتنحى القذافي ويخرج من ليبيا, والكل أدان أعماله الإجرامية ضد الشعب الليبي, وبعد الشجب والاستنكار لهذه الجرائم اتخذ مجلس الأمن قرارا قويا ضد القذافي وأسرته وأعوانه, كمنعهم من السفر, وتجميد أموالهم في المصارف العالمية. والأخطر من هذا هو التصريحات والتلميحات لاحتمال أن يصدر مجلس الأمن قرارا ثانيا على الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يجيز استخدام القوة العسكرية ضد نظام القذافي, شبيه بالقرار الذي سبق أن أصدره المجلس ضد العراق الذي أجاز لقوات التحالف غزو العراق ومن ثم احتلاله
إن التفكير بعمل عسكري فيه احتمالان: الأول. قد يسقط نظام القذافي, ويحقن الدماء ولكنه سيكون سابقة لتكرار التدخل الأجنبي لإسقاط أي نظام عربي. الثاني : إعطاء القذافي دافعية للمقاومة بدعوى انه يقاوم الاستعمار الجديد, وسوف تسيل دماء غزيرة من الليبيين.
إن أي تدخل عسكري في الشأن الليبي المتأزم, مرفوض من جماهير الأمة العربية لان الدول الغربية لا تفكر إلا بمصالحها على حساب مصالح أبناء الأمة العربية, بدليل أن دول الغرب سكتت عن كل ما قام به عملاؤها الذين سقطوا مثل أحجار الشطرنج الواحد تلو الآخر, ولم تحرك ساكنا لتغييرهم, ولكنها ركبت موجة الثورة مثل كل الانتهازيين في العالم والنموذج العراقي ما زال ماثلا للعيان, فلم يجلب الاحتلال الأمريكي للعراق غير الويلات والكوارث والمزيد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية.
4- صحيح أن بعض الزعماء العرب قد ادركوا متأخرين فساد أنظمتهم فقدموا بعض الإصلاحات التي تلبي مطالب أبناء الشعب كلها أو جزءا منها, مثل هذا الاستدراك المتأخر والوعد بالوفاء لتنفيذ الوعود والإصلاحات قد يكون أفضل من استمرار الفوضى إذا كانت تسير نحو المجهول. الوضع في اليمن معقد من حيث الجغرافيا والتركيبة السكانية والتقسيمة القبلية, والتدخل الخارجي من قبل القاعدة ومن إيران. هذا التوصيف لا يعني أن الثورة ضد الفساد الذي ينخر في جسد النظام غير مطلوبة أو الاعتقاد باني أريد أن تتوقف الثورة, ولكن لا بد من الحذر قليلا. عندما تنجح الثورة هل يظل اليمن موحدا? ومن هي الجهة التي ستحكم البلاد ? ألا نتوقع أن يتقسم اليمن إلى ثلاث دول, إذا تم إقرار حق تقرير المصير ?.
إن حق تقرير المصير حق مشروع لكل الشعوب, ولكن هذا الحق أشبه بدس السم في الدسم, فتحت مسمى هذا الحق تم فصل تيمور الشرقية عن اندونيسيا, وفصل كوسوفو عن صربيا, وفصل جنوب السودان عن السودان الأم.
المدقق في أحاديث الرئيس اليمني خلال الأزمة يلحظ انه يقدم التنازل تلو الآخر, ابتداء من إقراره عدم ترشيح نفسه لولاية مقبلة, ولا توريث للسلطة,وإقراره بحق المعارضة الاشتراك في الحكومة وغيرها من الوعود الإصلاحية, وأخيرا بات يطلب تسليم السلطة بالطرق السلمية, قد يكون اخذ هذه الوعود بعقلانية فيه خير لليمن, دونما إراقة للدماء كما يحدث في ليبيا.
5- ما يحصل في أقطار أخرى مثل البحرين وعُمان والسعودية والأردن, هو حق لأبناء هذه الأقطار, ولا بد أن تستمر الاحتجاجات حتى تتحقق مطالبهم المشروعة.
ولا بد من الانتباه والخوف من محاولات الاندساس في صفوف الثوار بهدف إثارة الفتن والحساسيات بين أبناء الشعب الواحد, كإثارة النعرة الطائفية والقبلية والحزبية.