[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

نعم لإسقاط النظام.. بس بنظام

نحن اليمانيون في هذه الزاوية من الأرض الفقيرة رخاءً، والمجدبة سخاءً، يقولون عنا إنا فوضويون.. خذوا مجموعة واحدة مثالا، كيف نتعامل مع شوارع السير..

هناك أمة من الشعب اليماني لا تستمتع بالمشي إلا في طريق السيارات. وهي نفس الأمة التي تعبر من أي نقطة تختارها لتنتقل إلى الضفة الأخرى من الشارع، وتعبر ببطء وترد على التلفون إن رن من طريق السيارات.. وأمة من أصحاب السيارات من لا يسمح للمشاة بالعبور، ومنهم من يتابع عبر تلفونه المحمول مشاكله الأسرية ومعاملاته ويتواصل مع أصدقائه.. كل ذلك وهو يطوف الشوارع والطرقات مسرعا بحصانه الحديدي، وكأنه يتمشى في الحدائق العامة.

وهناك أمة من أصحاب السيارات تستحلي تجاوز الإشارات الحمراء وتستمتع بإيقاف سياراتها في كل مكان ممنوع. وهناك أمة ثالثة من أصحاب السيارات الحكومية أو السيارات الثمينة أو السيارات الجديدة تعتبر نفسها أهم من أصحاب السيارات القديمة والمسنة ومن أصحاب التاكسيات، ويعتبر أصحاب التاكسيات انفسهم أهم من اصحاب الدراجات النارية وممن ليس معهم سيارات من الراجلة والمشاة، ويعتبر أصحاب الدراجات النارية (الموترات) أنفسهم أهم من الجميع؛ فتراهم يناورون ذات اليمين وذات الشمال.

وفي أماكن أخرى؛ كلٌّ منا مقتنع أنه أهم بحيث يقدم نفسه على أخيه اليماني بفوضى في الطابور إن كان هناك ثمة طابور، وهذا وغيره ربطنا في استثناء اليمن بالفوضى وكأنها صارت عضوا أصيلا في التكوين الوطني للشخصية اليمانية، مما يوحي لنا ولمن زارنا أن اليمن، وهو يبدو عجيبا، يعيش فقط ويسير بالبركة، ولا يُستثنى السياسيون وفوضويوهم من قاعدة الفوضى..

إذ لا يتنازل الساسة لمصلحة اليمن بنظام وهدوء في أوقات الصراع السياسي، يفضلون انتظار الفوضى للزعم بأن ثمة نتيجة إيجابية. ثم من فوق أسطح هذه الفوضى يبحثون لاحقا في تنظيم شوارع الفوضى.

ورغما عن ذلك نحن الطيبون في الأرض لنا، ولغيرنا، ما لم تسحرنا الفوضى،كثيرون فُضلاء منا ترفعهم لنا اليوم ساحات التحرير وساحات التغيير في عدن وتعز وصنعاء.. ولا غصة إلا أن من يقودهم، بهم فوضى وعجز القادرين على الكمال..

وسبق أن كتبت أننا اليمانيون نأتي بالمحن والمصائب ونستمطر الأيام العصيبة، فلنقي بانفسنا فيها، أو يلقي بعضنا بعضا إليها، لأن حساباتنا مختلفة، أو لأننا مستعجلون، أو لأنا لا نحسبها صح، أو لأننا نحمل من الغل السياسي والثأر الشخصي وضياع المروءات ما يدفع ردفان وشمسان وعيبان وغيمان، إلى البوح برغبة الانتقال من أماكنها والهجرة من اليمن احتجاجا على مافي نفوس الحزبيين اليمانيين من سواد حجارها وتحفز تدحرجها.

اقول قولي هذا لافتاً أنني لست ممن يمالئ المتكثرين والمستكثرين أن الحل لأزمتنا السياسية يحكمه التوسع في احتلال الشوارع والميادين بعضلات الأطراف؛ مِن يديْنِ وقدمين وعصي وجنابي وكلاشينكوف.. ولهذا فلدي يقين يستند على حيثيات كثيرة أن "اللقائيين" أي اللقاء المشترك، يضرون بقضايا اليمانيين الآن، ضرراً بالغا، كما أضر باليمن الرئيس وعصبته..

بل ويحجب عنا هؤلاء اللقائيون النفع العام من حيث تتزاحم اقدام المطالبين بإسقاط النظام وهو مطلب نبيل، من يرفضه عدمه أبيه وثكلته أمه. ولأنهم سياسيون كس إلى فقد حفظوا عن ظهر دماغ كلمتين في الرد على مبادرات الرئيس. الكلمتان "جاءت متاخرة" تسمعها من الرائع ياسين بن سعيد بن نعمان، وتستغرب أنه، وهو من هو، لم يسمع بالخليفة معاوية رضي الله عنه، ليسعفه بشيء من شَعَرته في ببلك بولسي السياسة العامة وتسمع "جاءت متاخرة" من النبيل البرغماتي محمد الصبري، وتسمع "جاءت متاخرة" من رجل الإصلاح الخطير الغامض الواضح محمد بن قحطان الذي يختفي بعيدا كالمهدي ويعود مسرعا حاملا في لسانه بفرح كلمة تطرب لها الصحافة كتلك حكاية البيضة وسعرها.. ووالله أنه قالها حقا حقا. واحتجاجي عليه أنه يقضي وقتا طويلا في شوارد المتنبي ليرميها في واجهة الصحافة مع أن اليمن تحتاج إلى شوارد الأحنف بن قيس. واعتراضي الثاني على "اللقائيين" أن التصريحات الوافرة الكاسدة اليوم، ومع أنهم محقون فيما يُصرحون به من أن المبادرات جاءت متأخرة لأن هذا الرئيس أضاع عمره وعمرنا، إلا أن تصريحاتهم خُيطت بها الكثير من المتفجرات والكثير من تكتيكات الظلمات.

فلنقل "أوكيه" كما يقول الإنكليز.. جاءت متأخرة.. ثم ماذا بعد.؟، ثم، أخرى ثانية، قولوا لنا ماذا بعد السقوط وقد عزمتم على إسقاط النظام بليل أو في نهار؟ ما خططكم لتسيير اليمن لحظة سقوط النظام، وما خطتكم لحجبنا عن الحرب الأهلية، وما خطتكم لتسيير حركة السلع والمواد الطبية واحتياجات الناس من غذاء وماء إن ضربتم الأمن بالانفلات، وكيف تنوون حماية البنوك وفروعها ومكاتب الصرافة ومحلات الناس ودكاكينهم في شوارع المدن وفي الطرقات التي تربط اليمن ببعض..!!

كيف تحمونهم وتحمون بيوتهم ونساءهم وأطفالهم وتحمون اليمن من شرار الناس، وهل لديكم الملائكة البشرية الأمنية لمنع المؤسسات الحكومية وسقوط المدن بيد ناهبي ثورة ثمانية وأربعين الجُدد، ثم هل لديكم مقدرة الحفاظ على معدات ووحدة وتماسك المؤسسة العسكرية والأمنية.. والأهم من هذا، وحدة اليمن، وهل فكرتم في حجم ومقدار الكارثة إذا لم تنجح خطتكم (أ) في السيطرة السريعة على الوضع وبدلا عنها ما الخطة (ب) أو (سين)؟ وما الذي يضمن أنكم لن تتقاتلوا على مساجد وجبال وهضاب ومدن وقرى اليمن..

ومالذي يُقنعنا أنكم لن تتحاربوا على مظلة وبطانية ووسادة وفراش وكراسي الحكم، ليس لانعدام الملائكة بينكم ولكن لأن شياطينكم وجنكم كُثر، بعكس جني واحد في المؤتمر ذلك الذي عرفه لنا الراحل الكبير عبد الله بن حسين الأحمر طيب الله ثراه "جني تعرفه ولا إنسي ما تعرفه".

هذه المقلقات من الأسئلة وضعتها على افتراض أن النظام فجأة تعب وترك الساحة وأخذ معه الموالين له من الجيش والأمن ليعصم نفسه من ارتداد السقوط، تماماً كما فعل محمد سياد بري. وهي تساؤلات مشروعة ولا تبحث عن إجابات معلنة؛ بل غرضها ما يسمى بالعصف الذهني. فإن كنتم قد ركنتم إلى نجاح أنفسكم في محاسن الخطط والتكتيك فعلى بركات الله لنسقط النظام من ساعتنا، لقد أذاقنا، والله، المسغبة، وزاد فينا نصباً ومشقة، لكنني مصمم ومتمسك بحقي في إسقاط النظام، ولكن بنظام.

وأختم برواية أثيرة تناقلها اليمانيون والباحثون في أحوال الشعوب وشخصيات البلدان، أردتها شهادة أرميها في وجه "اللقائيين" في اللقاء المشترك، مفاد القصة المعروفة، أنه عندما فشلت ثورة ثمانية وأربعين ضد الإمام يحي حميد الدين رحمه الله، هبت القبائل ونهبت صنعاء، باباً باباً ونافذةً نافذةً وسوقاً سوقاً، بل وسُحبت الثياب من أجساد الرجال والنساء، وخُلع من رقاب النساء وآذانهن ما يتزينَّ به من حُليّ، وعن الرجال ما يتنمطقون به، وكان من بين المنهوبين المسلوبين، منزل الأستاذ والمربي الفاضل محمد الحلبي وهو أحد التنويريين في ثورة ثمانية وأربعين وقد تعرض منزله لما تعرضت له منازل صنعاء من عنف وتكسير.

ولكن العجيب في الأمر أن الأستاذ الحلبي رحمه الله، لم يغضب من النهب والناهبين، وكان غضبة منصبّاً على أسلوب وفوضى النهب والتي لم تكن عملية منظمة، لأنه إضطر للتدخل في مرات كثيرة ليصلح بين الناهبين لمنزله وهم يختلفون على بطانية أو وسادة أو آنية فخارية أو نعال. لقد كرر الأستاذ الحلبي طلبه من ناهبي بيته مخاطباً إياهم بأن عليهم الإلتزام بأربع كلمات خلدت هذا الرجل، قال لهم مشجعا وهم ينهبوه: "انهبوا انهبوا بس بنظام".. وانا أقول اسقطوه اسقطوه بس بنظام.. فلا تبغوا في الأرض مستكبرين ومسرفين في رفض الحوار، وأكثروا هذه الأيام من الصلاة على النبي كما دعاكم ابن عمي اليماني الأصل النقي واليهودي الديانة العيلوم يحي بن يوسف بن يعيش في دعوته لأبناء عمه المسلمين اليمانيين الأنقياء بالحوار.

زر الذهاب إلى الأعلى