هذه هي مسارات الموقف الشعبي اليمني من الأحداث الأخيرة التي تشهدها بلادنا:
- جزء كبير من الناس ينادون برحيل النظام، ولا يرون أية فائدة من بقائه ولا يجدون أي خير في مبادراته، بعض هؤلاء أعضاء في المعارضة وبعضهم مدفوعون بوازع القرف من السياسات، لهذا يواصل بعض هؤلاء اعتصامهم استغلالا لأجواء التغيير الساخنة التي هبت من تونس واقتلعت في طريقها مبارك..
- جزء كبير أيضا، يجدون أنفسهم في مربع تأييد الرئيس وبقاء النظام لدواع شتى، فمنهم من خرج حبا واقتناعا، ومنهم من خرج بدافع المصلحة، فيما أغلب هؤلاء خرجوا بدافع الخوف من المصير المجهول إذا حدث رحيل قسري للنظام.
- جزء ثالث، وهو كبير أيضا، مقتنع أن ما تم تقديمه من مبادرات من قبل الرئيس يعد انتصارا حقيقيا لليمن، سواء إعلانه عدم الترشح في 2013 وكذا عدم ترشح ابنه، والأهم اعلانه تحويل نظام الحكم إلى برلماني.. لكن هذا الجزء العريض يرى أيضا أن استمرار الاعتصامات هو أمر مهم لضمان عدم تراجع الرئيس عن وعوده ومبادراته.
- وهناك جزء رابع يهمه أن يستغل هذه الأحداث من أجل تمرير مشاريعه الخاصة التي ليس علاقة بأحلام الشعب وأوجاعه، وهؤلاء يتوزعون هنا وهناك ويعملون قدر الإمكان على تأزيم الموقف والإسراع به إلى نقطة التغيير غير المحسومة، حيث لا يمسك حينها بجميع الأوراق سواهم، ذلك أنه لا نصيب كبير لمشاريعهم إن مرت الضغوط الحالية بشكل سلس وحدث تداول سلمي للسلطة..
- وهناك جزء خامس لا بأس به، يترقبون بصمت، على مذهب المثل الشعبي "ثَوري من غَلَب".. أي أنهم يدخرون موقفهم إلى حين يتبين الخيط الأبيض من الأسود ومن ثم يعلنون وقوفهم مع الطرف الذي بات على وشك الفوز.
وفي تقديري أنه على قدر فهم المجموع اليمني الفاعل (سلطة ومعارضة ومستقلين) لطبيعة هذه التماوجات بين المسارات الشعبية الأربعة؛ يكون القادم اليمني مبشرا أو مخيفا.. فما أسهل الهتاف وما أسهل القمع، لكن العبرة فيمن يتأمل الآن بعمق ويقطف زهرة الختام..
والأكيد أنه من غير اللائق لشباب التغيير أن يشعروا بالضيق والتوجس كلما ناقشتهم عن رؤاهم لمرحلة ما بعد "إرحل".. كما أنه من غير المقبول أن تعتقد السلطات أن كل هذه الجموع الغاضبة خرجت من أجل سواد عيون حميد الأحمر، أو عيدروس النقيب، واعتقادها أن لا شيء يستحق الغضب، وأنها مجرد "حمى الضنك"..
المعادلة اليمنية شديدة التماسك.. فمؤيدو صالح (أو فلنقل أغلبهم) لا يشاهدون حاليا، سوى قناتي سبأ واليمن، لذا يزدادون كل يوم ايمانا بأنهم الأكثرية وأنهم على حق، وأن الآخرين مخربون. في المقابل معارضو صالح (أو فلنقل أغلبهم) لا يشاهدون حاليا، سوى قناة سهيل، ولا يثقون إلا ببعضهم البعض، وبالتالي يزداد حماسهم كل يوم، وليس هناك شعور أقوى جسارة من إحساس الثوار بعدالة قضيتهم، وبضيق الوقت، وبظمأهم للتضحية في سبيلها.
وحالياً، لا شيء يهز ثبات هذه المعادلة إلا أخطاء السلطات، تلك التي تحدث نزيفا في شعبية القطاع الخائف من التغيير، وتُقوّي دوافع الإصرار لدى الطرف المطالب بالرحيل.. وعندما تكون الأخطاء من النوع الذي يمس الأرواح ويسفك الدماء فإن شيئا واحدا سيفرض نفسه رغما عن أنف الجميع، وهو طريق اللاعودة، في مشوار الذهاب إلى اللاوجهة.
ما حدث في جمعة عدن وسبت صنعاء، يرجح كفة الرحيل، وإن لم تصب الأوضاع بعدها في خانة من بذلوا الدماء.. وما لم تتسع دائرة أصحاب الرؤى على حساب دائرة أصحاب العواطف، فإن اليمن، جميعه، سيسخسر. وللحديث بقية ستكتبونها أنتم بإذن الله.