[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

رئيس أعزل.. شعب مسلَّح

ظل الرئيس، طوال فترة حكمه، يستخف بعامة الشعب ويعتبرهم مجرد رعايا تتبع الشيوخ والإذاعات، ومن هنا فقد وجّه كل اهتمامه إلى ضمان ولاء المشايخ وتأمين ولاء الجيش. لكن الثورة جاءته من حيث لا يحتسب، جاءته من عامة الناس وشبابهم الُعزّل إلا من الكلمة..

هكذا وجد الرئيس نفسه عاجزاً غير قادر على استخدام قوته، أي أننا أمام رئيس أعزل وشعب مسلّح: رئيس أعزل لا يملك إلا قوة عسكرية لا يعرف كيف يستخدمها أمام الجموع المتسلِّحة بالإرادة والإصرار على التغيير والتصميم على سلمية الثورة.

لم يتحدث أحد عن أي انقلاب إلا الرئيس علي عبدالله صالح، وكأنه يدفع الناس دفعاً إليه، يتمنى أن يهمس به أحدهم حتى ولو سراً ليجد مبرراً لاستخدام لغة السلاح التي لا يجيد غيرها.

ظل الرئيس، طوال فترة حكمه، يقوّي آلته العسكرية والأمنية، ويبني القلاع، والأسوار الحصينة السميكة الطويلة العالية ، تحسباً لأي تمرُّد عسكري، فيُفاجأ أن شباب الثورة ينوون الزحف إلى دار الرئاسة عاريي الصدور تاركين للرئيس تحديد الرقم الكافي من الشهداء. ولأن الزيتون لا يزرع في اليمن فسوف يحمل الشباب وروداً بيضاء ووروداً حمراء، وهم واثقون أن الرئيس لن يعطي اللون الأحمر في الورد أي تفسير قد يبرر اللجوء إلى العنف، فقد أثبتت الأيام الأخيرة أن الرئيس لا يفهم بالإشارة.

إن شباب الثورة، من وجهة نظر الرئيس، هم مُغَرَّر بهم، أي أنهم قُصَّر لا يملكون فكراً بل ينفذون مخططات لمن يفكر نيابة عنهم، ومن هنا فهو يسعى أيضاً للتغرير بهم، فكل المبادرات التي قدّمها حتى الآن ما هي إلا ضحك على الذقون، يحاول من خلالها كسب الوقت للالتفاف على كل مطالبهم، أو بالأصح على مطلبهم الوحيد، رحيله فوراً.

إن مشكلة الرئيس الأساسية هي أنه لم يدرك حتى الآن أن الناس أصبحوا يفهمونه جيداً، وبالمقابل فإن كل محاولات التحايل لا تنطلي إلا على الرئيس نفسه.

بالأمس مررت من ميدان التحرير وشاهدت خياماً خاوية وقليلاً من الناس ينتظرون وجبة العشاء، لفتت نظري المرحلة العمرية لأولئك الناس فجلُّهم من كبار السن، قلت في نفسي ربما يكون أبناء هؤلاء يعتصمون في ميادين التغيير والحرية، وأن ما يكسبه الشيوخ هنا يصرف على الشباب هناك، مَنْ يضحك على من؟!. وعندما يتوجه الشباب هناك، ذات يوم قريب، إلى دار الرئاسة هل سيظل الشيوخ هنا ينظرون إلى صورة الرئيس التي لم تعد قادرة على توقيع الشيكات في وقت كهذا؟!

وبعدما عدت إلى المنزل فتحت التلفزيون وأُفاجأ أنه يبثُّ صوراً يقول إنها صور حيّة للجماهير في ميدان التحرير. لم يلجأ إعلام الرئيس إلى أسلوب كهذا إلا بعدما استنفد إمكانياته في حشد الجماهير، فعاد إلى الأرشيف يبحث فيها عن أي صور قديمة تحمل صور الرئيس. من السهل أن تحشد الناس مقابل المال والظهور على شاشة التلفزيون إلى جانب الرئيس، لكن من الصعب أن يستمر الناس أياماً دون أن يشعروا أن هناك قضية تستحق الاحتشاد والتضحية والصبر. وقد يصدق الناس، ولو من باب المكابرة، ما يبثُّ التلفزيون اليمني من صور، لكن من الصعب أن تقنع الناس أن يضحوا بأنفسهم انطلاقاً منها.

سننتظر ونرى كيف سيواجه الرئيس اليمني الجموع الغفيرة الزاحفة إلى دار الرئاسة ملوِّحة بالورود، مادام غير قادر على قتلهم جميعاً خوفاً من أوكامبو، هل سيقول للعالم، حينها، انظروا إلى التلفزيون اليمني فقد كان الناس ذات يوم يهتفون باسمي.

زر الذهاب إلى الأعلى