خلال أقل من أسبوع بدا وكأن وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيس يوجه رسالتين سلبيتين تجاه حركة المطالبين في التغيير باليمن الهادفة لإسقاط النظام ارتكزتا على المخاوف الأمريكية غير الحقيقية التي ترى إن سقوط نظام الرئيس صالح قد يودي لانتعاش تنظيم القاعدة في اليمن، حيث قال غيتس في 23 مارس خلال زيارته لموسكو "ان الاضطرابات في اليمن قد تحول انتباه البلاد عن مكافحة تنظيم القاعدة، وأضاف "إن انعدام الاستقرار وتحويل الاهتمام عن مكافحة القاعدة في جزيرة العرب هما بالطبع مبعث قلقي الاول حيال الوضع".
والرسالة الثانية وجهها غيتس في مقابلة لقناة (ايه بي سي" الاميركية) في 27 مارس "ان سقوط الرئيس اليمني علي عبد الله صالح وتسلم حكومة "موثوقة اكثر" مكانه سيطرح "مشكلة فعلية" للولايات المتحدة في مكافحة تنظيم القاعدة".
وأضاف ان "الجناح الأكثر نشاطا وقد يكون الأكثر عنفا في القاعدة، تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية يتحرك انطلاقا من اليمن ونحن نتعاون مع الرئيس صالح وأجهزة الأمن اليمنية في مكافحة الإرهاب".
النظام اليمني تلقف رسائل وزير الدفاع الأمريكي وبدأ بتحريك ملف القاعدة واستدعاءه على وجه السرعة، وظهر ذلك جليا في خطابات الرئيس صالح عبر اتهامه التكرر بوجود تحالف بين احزاب المعارضة اليمنية في اللقاء المشترك وتنظيم القاعدة، وفي الميدان كانت هناك عمليات ضد اهداف أمنية في عدد من المحافظات، راح ضحيتها عدد من رجال الجيش والامن، تمت نسبتها لتنظيم القاعدة فور وقوعها كما حدث في محافظة مأرب، وتزامن التصريح الثاني لوزير الدفاع الأمريكي مع الاعلان عن سيطرة تنظيم القاعدة بحسب الرواية الرسمية على مديرية خنفر والاستيلاء على عدة مواقع حكومية وامنية من ضمنها مصنع 7 اكتوبر للذخيرة، دون مقاومة أمنية تذكر، على الرغم من وجود وحدات من الجيش والامن المركزي،وهو تصرف لا يوجد له تبرير واضح فمحافظة ابين هي كما تم تصويرها من قبل النظام احد اكبر معاقل القاعدة،وشهدت على مدى العامين الأخيرين عدة مواجهات بين الأجهزة الأمنية المدعومة بالجيش وبين عناصر مفترضة من القاعدة، وأعلنت السلطات الأمنية تطهيرها أكثر من مرة، كما أنها كانت مسرحا لعمليات أمريكية يمنية مشتركة ضد تنظيم القاعدة تم فيها قصف مواقع متعددة بواسطة صواريخ وطائرات أمريكية
يعرف الرئيس صالح حساسية الموقف الأمريكي تجاه ملف الإرهاب وتنظيم القاعدة في اليمن، فذلك الملف كان هو ما يحكم علاقات اليمن وأمريكا خلال العقد الاخير، وهو ملف مليئ بالانتهاكات والتجاوزات لحقوق الإنسان، وتم استخدامه من قبل الطرفين لتحقيق مكاسب مختلفة على الأرض.
فنظام الرئيس صالح الذي كان بحسب الإدارة الأمريكية فاشلا ومعيقا للتحولات الديمقراطية في المنطقة ويوفر بيئة خصبة للتطرف والإرهاب، تحول فجأة إلى نظام صديق يجب دعمه ومنع انهياره، ويمكن القول ان ذلك التحول الغريب برز عندما قبل الرئيس صالح منح الجانب الأمريكي صلاحيات واسعة في حربها المزعومة على الارهاب بداية بالسماح لطائراتها بالتواجد في الاجواء اليمنية وفي المياه الإقليمية اليمنية،وتنفيذ عمليات عسكرية داخل الاراضي اليمنية في انتهاك واضح لمفهوم السيادة الوطنية.
وذهب التعاون بين الطرفين بعيدا خارج الاطار الرسمي والقانوني الذي يحكم علاقات التعاون الدولي كما تحدده الاطر والقوانين الدولية ليصل لحد قيام الرئيس صالح للكذب على شعبه عندما اعلن استعداده للتغطية على تنفيذ الجانب الأمريكي عمليات ضد اهداف في الاراضي اليمنية والقول أن الاجهزة الامنية اليمنية هي من قامت بتنفيذ تلك العمليات،وهو ماحدث خلال الضربات الأمريكية بواسطة الطائرات الأمريكية وصواريخ الكروز في محافظات ابين وشبوة والجوف ومأرب،حيث اظهرت وثائق ويكلكس حقيقة ذلك الدور الذي قام به الرئيس صالح ونائب رئيس الوزراء لشئون الدفاع والامن في حادثتي المعجلة التي قتل فيها عدد من المدنيين، أو في حادثة مقتل نائب محافظ مأرب جابر الشبواني.
من شأن انكشاف تغطية الرئيس ونظامه على تلك الجرائم من قبل القوات الأمريكية،تعريض الجنود والضباط الأمريكيين الذين وقفوا وراء تلك العمليات للملاحقة القضائية الدولية،وهو مالم يحدث بسبب قيام الرئيس صالح بمنح الغطاء الرسمي لتلك العمليات،ويخشى المسئولين في ادارة الرئيس أوباما ان يؤدي سقوط نظام الرئيس صالح إلى فتح تلك الملفات وملفات العمليات القذرة الأمريكية في الأراضي اليمنية وقيام أي حكومة قادمة بالملاحقة القضائية للمسئولين الأمريكيين.
يقول المسئولين الامنيين والعسكريين الأمريكيين أنهم بذلوا جهودا جبارة لايصال الرئيس صالح ونظامه لذلك المستوى من التعاون غير المشروط والذي لم يكلف الادارة الأمريكية اكثر من 300 مليون دولار سنويا بعد رفع الدعم الأمريكي للحكومة اليمنية المخصص لدعم الأجهزة الأمنية والعسكرية ودعمها بالمعدات اللازمة في حربها على مايسمى بالارهاب وتنظيم القاعدة في اليمن.
ويغيب في صورة هذا الدعم موضوع الانتهاكات التي قد يقوم بها النظام لحقوق الانسان، واستخدام المعونة العسكرية الأمريكية في قمع المدنيين وهو ما حدث مؤخرا عندما استخدمت وحدات مكافحة الإرهاب وأسلحتها في قتل المعارضين السلميين المطالبين بالتغيير وإسقاط النظام.
كما يحكم العلاقة الأمريكية مع نظام الرئيس صالح مايعرضه الاخير من دور يريد القيام به كحليف للسعودية وأمريكا ضد التحركات الإيرانية في المنطقة،وهو الذي اعلن انحيازه الكامل للجانب الأمريكي في مواجهة التحركات الإيرانية وتسبب في تدمير علاقات بلاده مع إيران دون مبرر واضح سوى رغبته في الحصول على الدعم المادي والعسكري السعودي والأمريكي، لكنه لم يحصل على مقابل جيد جراء تلك الخدمة،وهو مستمر في أداء ذلك الدور مستخدما موقع اليمن الاستراتيجي على مضيق باب المندب وبحر العرب والمحيط الهندي عبر السماح للقطع البحرية الأمريكية بالتواجد في المنطقة والسماح للسعودية بفرض حالات حصار على الموانئ اليمنية تحت دعاوى منع الإيرانيين من تهريب اسلحة للحوثيين، وهي ادعاءات لم تجد حقائق مادية تدعم صحتها.
لاتبدو الادارة الأمريكية مهتمة كما تدعي بموضوع الديمقراطية،ودوما ما تبنى علاقاتها مع الانظمة المستبدة، وتحرص على دعمها لاخر نفس، مادامت تضمن لها تحقيق مصالحها،وهو ماتكشفه تصرفاتها تجاه موجات التحول والتغيير في المنطقة العربية،فهي تضع مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة في مواجهة مصالح الشعوب والدول.
ويعكس الموقف الأمريكي المتراخي تجاه الاحداث في اليمن الموشك على الانهيار مخاوف الادراة الأمريكية وحليفتها السعودية بشأن تنظيم القاعدة، والخوف من ان يؤدي ذلك الانهيار لنشوء تجربة ديمقراطية حقيقية قد تلهم المواطنين السعوديين للسير في ركب الثورات العربية،وذلك ماتريده أمريكا أو السعودية
وسبق لباحث أمريكي يدعى فيليب مكرام ان قال تعليقا على الاحداث في اليمن " نظام صالح انتهي، وهو يتشبث (بالسلطة) فقط لان السعوديين والأمريكيين يستنكفون التخلي عنه حتى في هذا الوقت المتأخر."
وعلى عكس المخاوف الأمريكية من نشاط تنظيم القاعدة في اليمن فوجود نظام ديمقراطي حقيقي في اليمن من شأنه محاصرة تنظيم القاعدة الذي نشأ وترعرع في ظل النظام الحالي، لكن يبدو ان موضوع القاعدة واستخدامه كذريعة من قبل الحكومتين اليمنية والأمريكية ليس سوى فزاعة يستخدمها الطرفين لتحقيق مصالح تتخفى وراء تلك العلاقة، وتخشى الإدارة الأمريكية من خسارة الامتيازات والتحركات التي اكتسبتها بثمن رخيص وبغطاء رسمي يمني، ومن شأن سقوط ذلك الغطاء كشف حقائق كثيرة لن تكون الادارة الأمريكية سعيدة بانكشافها.