[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

قراءة في بيان حراكي اللسان، مؤتمري الهوى!

باسم مجموعة من أبناء المحافظات الجنوبية في صنعاء، الذين شاركوا في اللقاء الموسع المنعقد يوم الاثنين 11/4/2011م؛ صدر بيان تبنى عددا من المواقف والتقييمات والمطالب..

ويستحق هذا البيان ألا يمر دون إبداء ملاحظات عليه لأسباب سوف تتبين لاحقا في ثنايا الكلام.. لكن خطورة اللقاء والبيان أنهما جاءا في وقت اختفت أو خفتت الأصوات المنادية بفك الارتباط أو الانفصال، وأعلن المهندس أبوبكر العطاس - أبرز قيادات المعارضة الجنوبية في الخارج- أن خياره الأول هو الوحدة اليمنية في إطار نظام ديمقراطي صحيح يمنح الشعب حق المشاركة الكاملة في إدارة شؤونه المحلية.. وهذه بعض الملاحظات على البيان:

1- على الطريقة اليمنية الرسمية المشهورة صدر البيان دون اتفاق مسبق عليه؛ فلم تناقش مسودة أولية له كما لم يتضمن كل الآراء المطروحة، واكتفى الذين دعوا للقاء وتصدروه بأن أعلنوا؛ في نهاية اللقاء وفي أجواء الفوضى التي عمت؛ أنهم سيعدون البيان وأخذوا لأنفسهم الموافقة (على الطاير) كما يحدث في مجلس النواب عندما يراد تمرير فضيحة فساد كبيرة..

وكتبوا البيان وأصدروه على طريقة المثل الشعبي المعروف في المحافظات الجنوبية القائل: (هنا حفرنا وهنا دفنا)! وهذه الطريقة في الدعوة لعقد لقاءات عامة وإعداد البيانات الصادرة عنها تقليد تاريخي راسخ في ممارسات السلطة الحاكمة في اليمن وخاصة منذ بداية الوحدة..

واستخدم - وما يزال- كثيرا خلال السنوات الأخيرة من قبل أجهزة السلطة في صراعها مع خصومها في المعارضة، وخلال أيام الثورة المتأججة في أرجاء الوطن صدرت بيانات عما قيل أنها انشقاقات داخل أحزاب المعارضة، وحتى باسم شباب زعموا أنهم انسحبوا من ساحات التغيير والحرية احتجاجا على انحراف أهدافها إلى المطالبة بتنحي الرئيس وأبنائه وأقاربه وإجراء إصلاحات جذرية في النظام القائم وعلى غير ما يريده الشباب الذين خرجوا - فقط- واعتصموا ودعوا الشعب للتضامن معهم من أجل تخفيض زمن نشرة الأخبار الرئيسية في التلفاز اليمني!

2- يلاحظ أن البيان ظهر وكأنه فضيحة يستحي أصحابها منها؛ فلم يظهر فيه اسم من الداعين للقاء، ولم توضع عليه حتى توقيعات كاتبيه سواء باسم لجنة الصياغة أو اللجنة التحضيرية للقاء. ولا شك أن ذلك يضعف الهدف من البيان إن كان نبيلا، ويجعله مثل النتيجة الفلكية لمشعوذ بيت الفقيه، ويدل على أن الهدف الأساسي من اللقاء انتهى بإصدار البيان..

ولا ينقص من هذا الاستنتاج ما جاء في البيان منسوبا - والله أعلم- للحاضرين بأنهم رأوا (!) اختيار لجنة للتنسيق والتواصل لأبناء - الأصح أن يقال: بين أو مع أبناء - المحافظات الجنوبية بصنعاء! فاستمرارا للفوضى المؤتمرية المشهورة؛ لم يحدد البيان كيف سيتم اختيار اللجنة ومتى؟ وهل سيكون ذلك على طريقة الدعوة للقاء وإدارة الحوار عشوائيا في القاعة وكتابة البيان أم سيصدر به قرار على طريقة قانون الطواريء أم أن اللجنة قد اختيرت قبل انعقاد اللقاء؟!

3- البيان استهل الكلام بالبكاء والوقوف على الأطلال وتذكر الشراكة والهوية الجنوبية المأسوف عليها، وما تعرض له الجنوبيون من إقصاء وتهميش ومضايقة، واستباحة ثروات الجنوب وأراضيه، وتسريح عدد من كوادره قسرا!

وأسوأ ما في هذا الكلام أن المتصدرين له هم من قيادات المؤتمر البارزة، ومنهم وزيرا الثقافة والتعليم العالي، ونائب رئيس جامعة صنعاء، وقيادي أمني بارز ومستشار لرئيس الجمهورية.. وهؤلاء لم يصدر منهم حتى تاريخه أي موقف احتجاجي على قتل المعتصمين في المحافظات الجنوبية؛ كأن يعلنوا استقالاتهم من المؤتمر والحكومة أو يصعدوا مواقفهم إلى درجة الانضمام إلى ساحة التغيير في أي منطقة جنوبية، أو حتى نصب خيمة 5 نجوم جوار جامعة صنعاء لاستخدامها في البكاء على الجنوب وكوادره..

وعجزوا أن يكونوا بمستوى امرأة مثل (هدى البان) زميلتهم التي قدمت استقالتها من الحكومة احتجاجا على قتل المعتصمين وانتهاك حقوق الإنسان.

4- يلاحظ أن هذه الإثارة المفاجئة للتحمس لقضايا الجنوب من قبل قيادات مؤتمرية وحكومية بارزة؛ جاءت في الوقت الذي بدأت جهات سلطوية باللعب على ورقة الانفصال والإعداد - وفق معلومات صحفية- لقيام بعض العناصر المشبوهة بإعلان الانفصال في الجنوب؛ لتأكيد الاتهامات الرسمية للثورة الشعبية بأنها تهدف إلى تمزيق الوطن وإعادة التشطير، ولتبرير عمليات القمع الرسمية ضد الثورة الشعبية الشبابية التي عمت معظم المحافظات الجنوبية جنبا إلى جنب مع المحافظات الشمالية بعد أن توحدت أهدافها وشعاراتها في تغيير النظام وآلياته ورموزه الفاسدة، واستبداله بنظام يقوم على الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية..

وهي الشعارات التي يرفعها المواطنون في الجنوب يوميا في اعتصاماتهم ومسيراتهم التي ينظمونها تضامنا مع إخوانهم الثوار في المحافظات الشمالية.

5- جاء إعلان البيان - وقوفه (!) إلى جانب مطالب الشباب في ساحات الاعتصام بصيغة عمومية ودون تفصيل؛ وتجاهل ذكر أهم مطالب الثورة الشعبية الشبابية التي تعم معظم المحافظات اليمنية الجنوبية والشمالية والتي تتمثل في التنحي الفوري لرئيس الجمهورية عن منصبه، وإقالة أبنائه وأبناء إخوته من مناصبهم العسكرية والمدنية، وإقامة الدولة المدنية الديمقراطية التي تضمن العدل والمواطنة والمساواة لجميع المواطنين..

ومن الواضح أن ذلك يخدم النظام الآيل للسقوط أكثر مما يخدم الشريك الجنوبي والهوية الجنوبية ويحافظ على ثروات الجنوب وأراضيه وكوادره المقصية، فهل من المعقول أن يكون معظم الجنوب منخرطا في ثورة شعبية وطنية تكاد تسقط النظام ثم يقتصر موقف من يدعي الغيرة عليه على مجرد إعلان (الوقوف) - أو يسنبوا وفق دعوة الرئيس للمؤتمريين- بجانب مطالب الشباب؟!

وللأمانة فإن موقف الرئيس وسلطته كان – بصرف النظر عن مصداقيته- أقوى من هذا الموقف بمراحل عندما أعلنوا دعم مطالب الشباب ودعوهم إلى تشكيل حزب.. ولولا الخوف من المفاجآت لطالبوا الشباب بإرسال أي يد أمينة متوفرة عندهم لتسليمها السلطة وتجنيب البلاد شرور الفتنة!

6- من الواضح أن النظام أصيب بضربة قاسية بعد إعلان عدد من القيادات الجنوبية في الخارج - مثل الرئيس السابق علي ناصر محمد والمهندس حيدر العطاس ومحمد علي أحمد وأحمد صالح عبيد وهيثم قاسم- تأييدها للثورة الشعبية ومباركتها لانضمام اللواء الركن علي محسن الأحمر للثورة وإعلانه حمايتها من اعتداءات النظام، الأمر الذي دفع النظام لإثارة مطالب تتقاطع مع مطالب الثورة الشعبية في المحافظات الجنوبية والشمالية التي توحدت وراء إزالة الأسباب الحقيقية التي تسببت في ظهور الأزمات والحروب الداخلية والتدهور العام الذي يعاني منه الشعب.

(2)

عندما سمعت دعوة الرئيس للقاء المشترك إلى منع الاختلاط لمخالفته الشرع؛ خشيت أن يفهم البعض - وخاصة في غرفة العمليات- أنه متزمت ورجعي ولا يؤمن بالانفتاح.. ولذلك ندعو القنوات الفضائية اليمنية الرسمية إلى العمل على تبديد هذا الوهم سريعا من خلال عرض مقتطفات من الحفلات والأوبريتات الفنية التي حضرها الرئيس نفسه بمعية كبار قيادات الدولة وشاركت فيها نساء يمنيات بالرقص مع الرجال دون اعتصام من (الشرع)!

في كل الأحوال؛ وحتى لو خجل القوم من عرض وصلات الرقص فلا نقول إلا: أحرجت الأمة يا أبو الشرع.. بس ما رأي الشرع في الذين قتلوا المعتصمين والمتظاهرين في صنعاء وعدن وتعز وغيرها فاختلطت دماؤهم في ساحة التغيير نفسها التي حذر الرئيس من الاختلاط فيها؟ هل اختلاط دماء اليمنيين بالتراب برصاص رجال الأمن جائز ويباركه الشرع أم أنه حرام؟

(3)

دعوة السلطة على لسان أبواقها إلى إجراء انتخابات ليعرف كل طرف حجمه لا تخيف أحدا ولن تخيف إلا السلطة.. لأن الأصل في هذه الحالة أن تتم الانتخابات بإدارة دولية من الألف إلى الياء كما أوضح ذلك د. محمد السقاف في صحيفة الثوري..

وأضيف أن الفساد في اليمن لا يقتصر فقط على العملية الانتخابية بل على مجمل الأوضاع في البلاد؛ بمعنى أن المطلوب لكي تكون العملية نزيهة أن يتم تسليم إدارة البلاد كلها للأمم المتحدة من الألف إلى الياء.. وعندها فقط سيكون اليمنيون مطمئنين إلى أن النتيجة سليمة ونزيهة وتعبر عن إرادة الشعب.

زر الذهاب إلى الأعلى