الصندوق هذا الذي يثير التعب، فيه تكمن الفوضى وشهادة الزور كلما أتيناه وقبلنا به، رفضنا واتجه بنا إلى مسار آخر، هذا المسار يحدده من يمتلك الشرعية باسمه.. شرعية الصندوق ليست مبنية على الحقيقة والعدالة والمساواة، شرعيته من القوة، والقوة لدى النظام المال والسلاح..
كذا الصندوق يبرر للنظام الاستيلاء والنظام يبرر للصندوق الغش، كلاهما بضاعة مزجاة إلينا، يريدانا تصديقها.. فيما هي لعبة أشبه بالاستغماية، فلا كان هذا الصندوق فيصل حق ولا منطلق تأسيس لحق قادم، لذلك يتكئ عليه من يريد الاستقواء والغلبة وليس من يؤمن بالحقوق والحريات ونزاهة الانتخاب..
هو إذاً صندوق أعمى في داخله ألف حكاية وحكاية، تبدأ بالتعصب وتمر بالتزوير، لتنتهي على هزيمة وطن وانتصار فرد، لذلك النظام يريده صندوقاً من كنز يمنحه إمكانية المفاوضات والمقايضات ومن ثم الغلبة، الغلبة هنا للنظام فقط، لم نرى هذا الصندوق مرة واحدة إنه صادق الوعد والعهد وقدم سحنات جديدة، أكثر من ثلاثين عاماً وهو نفسه لم يتغير شيء سوى هرم الشيب، نريد أن نصدق ولو مرة واحدة صندوقاً فيه وطن فلا نقدر، كلما فتحناه أغلقه..
بهكذا لعبة تفرق ولا تجمع تبدد ولا تلم الشمل، يغدو الصندوق ملهاة نظام على شعب ومسرحية عبثية أبطالها ما حول مائدة النظام، ونحن من بين هذا نحاول أن نلقي باللاشيء يمكن أن يكون ذا قيمة، فلا نجد غير فراغ يتبعه فراغ وكثير من حريق الدم وهدر المال العام، وكأن هذا الصندوق أذكى من شعب، وكأننا نزداد غباء حين ندمن المجيء إليه، لنرى أغلبية ساحقة ماحقة ضد بلد، كأن هذا الصندوق من ألم تأسس يأتيه الشعب، ليعيد ذات النظام مصحوباً بأغنية باردة (توقدي مشاعل الضياء)، فيما النظام يمنحه الهيبة والجلال، ليستمد منه الفخر والاعتزاز وتستمد منه الجماهير قمعها.
شرعية هذا الصندوق للقمع وليس للحرية، وحين إذ تقال الكلمات والقصائد وتردد الأهازيج لان ثمة استغلال وقمع قادم من بطن الصندوق، ونصغي على إكراه إلى العلاقة الأزلية الخالدة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها أو من خلفها إلى علاقة الوفاء بين القائد والشعب و إلى التلاحم الكاسر بين القائد الضرورة والجماهير وإلى المنجزات التي هي مكرمة منه على الشعب وإلى عظمة الصندوق وروائع الديمقراطية التي أنجبت القائد الفذ، الذي لولاه لم تشرق الشمس من جديد ولأصيب الوطن بالكوارث والتخلف كله، لكنه الصندوق الذي قال فتواه وتركنا نعيش الإخفاق وبؤس الحال و الرضى بالميسور والتعسي بقادم قابل للجديد، ولا جديد سواه والصندوق، كأن كلاهما صمم للآخر بإتقان شديد وبينهما من الألفة ما ينوء به حمل وطن.
الصندوق يختاره على الدوام وهو يختار الصندوق الذي يريده، من أجل ذلك الشرعية ماركته المسجلة، هي تحقق السلطوي والسلطوي يرعى الشرعية، لتكون المحصلة أنا ومن بعدي الطوفان، ونجد أننا أمام تجربة مرهقة، فلا الوعد صدق ولا التجربة نضجت، كأننا والصندوق على موعد مع الضياع في كل موسم انتخابي يزدهر بالأماني العطاش، من توليد كهرباء بالطاقة النووية إلى سكة حديد وقضاء على الفقر والبطالة وحتى النشيد الوطني ورقصة البرع، لنتحول في ليلة فرح من إنتاج الصندوق إلى وطن سويسري كل شيء ممكن فيه، وطن رفاهية وعدل، كما ينطق به التلفزيون ونحن أصحاب نظارة سوداء لا نرى ما يراه الصندوق، نحن أقرب إلى شرذمة قليلين، أما هو له تحشد الحشود وتقام الولائم ويغني المغني ضد أعداء الوطن.. ووطن النظام من صندوق يلقي عليه محبة، ووطننا من رجاء وخوف، خوف من صندوق يفتك بنا ليرضي هوى النظام، هوى النظام أن نظل نصغي لتوجهاته وحكمته، أن يحدد للجماهير الذي يجب والذي لا يجب، أن يبقى المانع والمانح وصاحب الاقتدار، فيما الملايين تشرئب نحوه، ترتل أقواله وتبني لها قصوراً من رمال وتنتظر الرمز، ما الذي سوف يكرمها به، وقد منحه الصندوق عظمة الديمقراطية التي حققها من أجلنا، لأجله ينعم بها ونتغنى عليها، فلولاه لم نكن ناخبين ولولانا لم يكن منتخباً نبادله الوفاء بالوفاء وهلم جراً..
هو اختيار الشعب الضروري واتجاهه الإجباري، والصندوق السيادة الوطنية في النظام، الديمقراطية للفقراء، إذ لا يستقيم كما قال المبجل الفقر والكبت، فالديمقراطية بدل جوع، كما يريدها النظام ونحن نصرخ لنجوع وننتخب الأمنية وخيبة الأمل، ومن صندوق فوضى واضطرابات وحمى أزمات نسأل: متى يكون للوطن صندوقه؟ متى يكون الصندوق هو الحقيقة خالية من التلاعب والغش وشهادة الزور؟ متى يمتلك الشعب اليمني صندوقه المصادر عليه زمناً طويلاً؟ متى نستظل بأحلامنا دونما هبة من أحد؟ متى يخرس صندوق الإعلام الذي مارس الغواية؟، ويغيب صندوق الضحك ليبدأ صندوق الجد؟