[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

أوقفوا «المؤامرة» القطرية!

حينما اقتحمت القوات العراقية الكويت عام 1990، ودخلت «مصر مبارك» -كما هو معتاد- التحالف الدولي ل «تحرير الكويت» وبالمرة «تدمير العراق»، خرج الكاتب المصري الكبير إبراهيم سعدة عبر جريدة «أخبار اليوم» القاهرية العريقة حيث كان يرأس تحريرها آنذاك، و «نتع» بالسلامة مقالا من الحجم «الكومبو» يكشف فيه الأسباب الحقيقية لانضمام القاهرة لهذا التحالف العدواني، بدلا من أن تقوم بوساطة عربية لحل الأزمة في إطارها الصحيح مثلما فعل جمال عبدالناصر عند معضلة مشابهة عام 1961 ومنع تدخل قوات أجنبية في المنطقة. كشف «سعدة» أن الكويت ليست المقصودة بالاحتلال العراقي، وإنما هي مجرد محطة في طريق صدام حسين لهدف آخر مذهل!

ذكر الكاتب الكبير بناء على معلومات خطيرة وصلته من مصادر مطلعة، أن صدام وضع خطة مفصلة لمواصلة الزحف بعد الكويت نحو هدفه الأسمى، حيث ينطلق من الإمارة الصغيرة إلى المملكة الكبيرة «السعودية» ليضمها، ثم يتجه إلى قطر، ومنها إلى البحرين، وبعدها الإمارات، فسلطنة عمان، وبعد أن يفرغ من دول مجلس التعاون الخليجي ويجعلها مجرد محافظات عراقية جديدة، يقتحم اليمن ويعلنها جزءاً من ترابه الوطني. هل يكتفي صدام بكل هذا المُلك العتيد. الإجابة عن المكتشف إبراهيم سعدة هي: «لا وألف لها»، فحسب المخطط الجهنمي وبعد جلوسه على عرش «بلقيس» بمملكة سبأ باليمن السعيد، سيعبر بجيشه العرمرم من «الأشاوس» البحر الأحمر إلى الجهة المقابلة ويضم السودان بأنهاره وأراضيه وقبائله وبشره وأعراقه ولهجاته، وهنا يكون على مرمى حجر من الهدف الأسمى والنهائي.. مصر!

إذن بلاد الفراعنة هي الهدف من احتلال الكويت، حتى يجمع صدام بين الحسنيين «النيل والفرات». لا أدري لماذا خطط صدام لغزو مصر عبر هذا الطريق الطويل المرهق الذي يحتاج لقوات جبارة من عينة جيوش المرحوم «هولاكو» وخالد الذكر «جنكيز خان». فقد كان أمامه طريق أسهل وأيسر كثيرا لن يكلفه سوى 100 لتر بنزين لدباباته و150 علبة عصير لجنوده يبلّون بها ريقهم في المشوار، والذي يبدأ من حدود العراق إلى الأردن ثم يعبر فقط خليج العقبة لتكون مصر بسواحلها ونيلها وخضرتها وصحرائها وآثارها وأهلها في حضنه بدلا من تلك «اللفة» الطويلة في المخطط الأصلي. لكن المعنى في بطن صدام وإبراهيم سعدة!

وإذا كان سعدة كاتبا كبيرا ومكتشفا خطيرا، فإنني لا أقل عنه كبرا أو اكتشافا. لقد زودتني مصادر أكثر اطلاعا بمعلومات يشيب لها الوليد في بطن أمه وهيفاء وهبي في كليباتها، وهي أن المخطط العراقي الصدّامي لم يمت، وأن دولة أخرى تلقفت الفكرة وتطبقها حاليا لكن بشكل يتلافى أخطاء المحاولة البغدادية. الدولة المتلقفة للفكرة هي قطر، والمنطقة المستهدفة تزيد مساحتها عن مخطط صدام، حيث تشمل كل المنطقة العربية من «رأس مسندم» العمانية شرقا حتى «العيون» الصحراوية الغربية غربا، ومن «زاخو» العراقية شمالا إلى «هرجيسا» الصومالية جنوبا. كنت أود الاحتفاظ بمعلوماتي إلى حين إصدارها في كتاب ضخم، لكن منه لله سيادة الرئيس علي عبدالله صالح حامي حمى اليمن وقبله الأخ العقيد معمر القذافي مقاوم «الجرذان» وقبلهما نظاما الهارب زين العابدين بن علي والمخلوع حسني مبارك، فكلهم كشفوا ملامح المخطط القطري.

الرئيس صالح أقسم أنه لن يوقع على المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية المستعصية إذا شارك في الاجتماع المندوب القطري لأن قطر حسبما أكد «تتآمر» على بلاده، كما أن الأخ العقيد القذافي وجه رسالة واضحة عن تآمر القطريين ضد «الجماهيرية العظمى»، وقال لهم على الهواء مباشرة: «من أنتم؟». يضاف إلى هذا أن «التآمر القطري» كان واضحا على لسان مسؤولي «تونس بن علي» وهم يهرعون إلى المطارات هربا من غضبة التوانسة. وقبل هذا وبعده فلدى مبارك وأركان حكمه قناعة راسخة بأنه لولا المؤامرة القطرية عليهم ما سقطوا ولا حوسبوا ولا سجنوا. أتذكر عددا من منظّري النظام وذيوله وهم يصرخون أثناء الثورة على شاشات التلفزيون الرسمي عن مؤامرة الدوحة لإسقاط مصر (مبارك في نظرهم هو مصر، ومصر هي سوزان). ما تزال أذناي تحتفظان بنبرات طارق حسن رئيس تحرير جريدة «الأهرام المسائي» شبه الرسمية -والذي أقيل لاحقا- وهو يحذر الناس زاعقا منتفضا من خطورة القطريين ومخططهم لتفريق شمل المصريين. وخرجت أصوات مشابهة في سوريا وعدد آخر من الأنظمة التي تواجه غضبا شعبيا عارما.

ومع احترامي لكل هذه الأصوات والصرخات، فإن ما بجعبتي من معلومات يفوق كثيرا ما حذر منه هؤلاء وأولئك. إن «التآمر القطري» يا سادة أخطر وأكبر. الرئيس اليمني معه حق أن يغضب و «يتقمص» من مشاركة مندوب الدوحة في اجتماع التوقيع على المبادرة الخليجية، وأختلف تماما مع من يرى أن سيد اليمن السعيد وسده المنيع يتصرف بطريقة طفولية بريئة، مثلما كنا نتحجج ونحن صغار عن الدخول في منافسة رياضية مع خصم سيهزمنا، فنضع شروطا مستحيلة للمسابقة حتى نتنصل من المشاركة، ويقول الواحد منا في حالة عدم تنفيذ الشروط: «والله ما أنا لاعب معاكم»، ثم يجري متذمرا. المعلومات التي بحوزتي تثبت أن «زعل» الرئيس صالح وزملائه من قادة الأنظمة «الديكتاتورية الوحدوية المشتركة» له ما يبرره.

إن المؤامرة القطرية حسب المعلومات تعتمد على السيطرة على الشرق الأوسط بأكمله، وتحويل كل بلدانه ليس إلى محافظات مثلما كان الحال في المخطط العراقي، وإنما إلى أحياء وشوارع وحارات تابعة للدوحة إمعانا في الخضوع والسيطرة، فتصبح مصر وليبيا وتونس «حي شمال إفريقيا»، وتصير اليمن «ساحة باب المندب»، وتكون سوريا «زنقة الشام»، والبقية تأتي. والجديد من المعلومات يكشف أن القطريين غيروا «تكتيكات» الخطة، فبدلا من الأسلوب العشوائي الحالي في التآمر وانتقاله دون تنسيق من دولة في الغرب إلى أخرى في الشرق وثالثة في الجنوب، فقد تقرر أن يكون للمؤامرة أسس واضحة، تقوم على وضع قائمة بالدول المراد التآمر عليها يعتمد ترتيبها على الحروف الأبجدية، وذلك لإتاحة الفرصة أمام ديكتاتور أي بلد أن يلملم أغراضه على مهل بدلا من سرعة الهروب من القصر الحاكم بشكل لا تستطيع معه السيدة الأولى أن تنتعل حذاءها. كما يتضمن التكتيك الجديد عدم التآمر على بلدين في وقت واحد وذلك خدمة للجماهير العريضة كي تستطيع متابعة مؤامرة واحدة، بدلا من التشتت الحالي بين عدة مؤامرات أمام الفضائيات.

المخطط العراقي الذي سربته «مصادر مطلعة» لإبراهيم سعدة، و «المؤامرة» القطرية التي زودتني بها «المصادر الأكثر اطلاعا»، وتبريرات الحكام العرب لانتفاضات شعوبهم ضدهم والهرب من أخطائهم، تجعلني أرفع شعار: «عجبي على أمة ضحكت من زعمائها ومصادرها المطلعة الأمم»!!

زر الذهاب إلى الأعلى