أرشيف الرأي

عيَّنة عبده الجندي

يُحكى أن رئيساً عربياً عيَّن شخصاً جاهلاً غبياً ناطقاً رسمياً، ولما اعتذر هذا الرجل معترفاً بجهله وغبائه قيل له إن الأمر لا يحتاج ذكاء ولا ثقافة، وكل ما هو مطلوب منه أن يُكذِّب أو ينفي كل ما يُتَّهَم به الرئيس.

مارس الرجل مهمته على أكمل وجه، وخلال مؤتمر صحفي سأله صحفي مشاغب: قيل إن فخامة الرئيس قد رُزِقَ مولوداً قبل يومين، فأجاب الناطق على الفور: مُش منُّو.

من يستمع إلى تصريحات عبده الجندي وياسر اليماني على القنوات الفضائية يتأكد له فعلاً أن الأمر لا يحتاج إلى ذكاء. قال الجندي وهو وراء عدد من المكرفونات إن قتلى يوم الأربعاء 27 أبريل تم جمعهم من حوادث المرور. ولك أن تتذكر ما رأيته من صور الجرحى والقتلى في بث مباشر، وتحاول فهم ما ذهب إليه نائب وزير الإعلام، وتجاريه في تَخيُّل ما ذهب إليه، تخيَّل إعلانات تقول: من علِمَ عن حادث مروري عليه إبلاغنا فوراً على الرقم كذا !!، أو: لكل من فقد عزيزاً في حادث مروري عليه إحضار الجثة إلى مكان كذا ويأخذ جائزة قدرها كذا عن كل جثة، بشرط أن تكون الجثة طازجة !! تخيل مع الجندي ذلك النحيب والحرقة والألم على وجوه أقرباء الشهداء وهم يتوعدون القاتل بالمحاكمة واستمرارية الثورة.

كيف تخيّل الجندي أن أولئك إنما هم ممثلون (واليمنيون لم يستطيعوا حتى الآن أن يبرعوا في هذا الفن) وهم، حسب الجندي، أقرباء ضحايا حوادث مرورية حدثت مصادفة في مختلف مناطق الجمهورية. وهل مَنْ فُجِع بموت قريب في حادث مروري يقبل أن يقوم بذلك الدور التمثيلي وهو في ذلك الظرف!!؟ السؤال: هل عندما كان الجندي يقول ذلك كان يفتقر إلى الذكاء أم إلى القيم الأخلاقية النبيلة أم يفتقر إلى الحياء؟

قد نفهم عندما يدافع الحاكم عن مصالحه وقد نتقبل عندما يحاول القاتل الإفلات من العقوبة، لكنا لا نفهم إصرار نموذج عبده الجندي على تبرير جرائم غيره، أي النظام، بتلك الطريقة المكشوفة، مع أنه بإمكانه أن يؤدي دوره دون أن يفقد ماء وجهه، كما فعل مثلاً طارق الشامي عندما سئل عن مجزرة الجمعة 18 مارس فقال إن الأمر بيد النيابة وهي من سيقول الكلمة الفصل، لقد دافع الشامي عن النظام واحتفظ بولائه دون أن يتورط في إلقاء الجريمة على الأبرياء من سكان الحي كما تفعل وسائل إعلام الجندي سيراً على رواية الرئيس.

إن من يشاهد القنوات التي تقع تحت وزارة الجندي يستغرب الطريقة التي تتعامل بها مع الثورة، ولعل أبرز ما يميز عمل تلك القنوات هو الغباء أو الاستغباء. ماذا يعني أن تبث تسجيلاً لشخص يرقد في المستشفى يرتدي زيَّ الأمن المركزي يروي ما حدث له في إحدى المظاهرات فيقول (وهو يظهر أو يتظاهر بحالة الاختناق) إن المتظاهرين هجموا على رجال الأمن بالقنابل الغازية المسيلة للدموع، وبمختلف الأسلحة وهم أي (رجال الأمن) عُزَّل إلا من العصي. ولك أن تتخيل أن القنابل المسيلة للدموع تباع من قبل البساطين في شوارع صنعاء حتى يحصل عليها المتظاهرون، ولك أن تلغي عقلك وعينك وذاكرتك وتتصور رجال الأمن المركزي يواجهون المظاهرات وهم عزَّل من السلاح إلا من العصي، وتتصور أيضاً أن المتظاهرين يسيرون على أطقم مزوَّدة بالرشاشات يحملون البنادق ويتمنطقون القنابل.

تقول وسائل الجندي ذلك في وقت تُبَث فيه صور المظاهرات على مختلف القنوات، وتسير المظاهرات في شوارع اليمن وليس في شوارع واق الواق، أي أن اليمنيين يرونها بأعينهم ويسمعون ويرون ما يقوله الآخرون عنها. ماذا كانت ستقول لنا القنوات الرسمية اليمنية لو أنها، وحدها، هي الوسائل الوحيدة المتاحة!!؟

زر الذهاب إلى الأعلى