أرشيف الرأي

الوعي الذي حطم أسطورة الاستعمار الداخلي

بعد انتهاء التوقيع على اتفاقية الوحدة بين مصر وسوريا من قبل الزعيمين جمال عبدالناصر وشكري القوتلي عام 1958م، قال الأخير: انتبه ياجمال هنا 99 % من الشعب السوري مسيس وواع، فرد عليه عبدالناصر، مازحاً: (مش كنت تقولي قبل التوقيع؟).

ثمة تشابه بين تجربتي الوحدة المصرية السورية، واليمنية الشمالية - الجنوبية، فعقلية الهيمنة والاستعلاء هي التي اودت بالتجربة المصرية السورية مثلما فتكت بالوحدة اليمنية وخلفتها صريعة، مع ضرورة الاشارة إلى اختلاف مهم يتمثل برأس الحكم في مصر بالزعيم القومي عبدالناصر الذي أخلص النية والعمل في سبيل الوحدة مع سوريا على طريق تنفيذ الهدف الأكثر طموحا بالوحدة العربية الشاملة، وبين رأس الحكم باليمن الممثل بعلي عبدالله صالح، الذي لم يتخط فهمه لمعنى الوحدة اكثر من اتساع جغرافيا التسلط ومناطق ثروات جديدة ضمت إلى مملكته الجمهورية العوراء.

وبالعودة إلى نقاط تشابه التجربيتن هناك عامل الوعي بكل شمولية معنى هذه الكلمة عند الشعب السوري كما اشار إليها الرئيس القوتلي كما اسلفنا، والحال كذلك عند الشعب في الجنوب اليمني، فالوعي السياسي بالجنوب كان ولا يزال هو الذي تحطمت عليه امواج الهيمنة العاصفة وعقلية (هزمناكم) التي ظل مسكونا فيهما راس الحكم القابع هناك في صنعاء، وهو اليوم ومن يلف لفه من الشلة المحيطة يخشون اتساع تجربة حراكه السلمي حتى نكاد نسمع فرائصهم ترتجف خوفا وهلعا من هذا الحراك الشعبي السلمي المتخلق اليوم بساحات التغيير في صنعاء وتعز والحديدة وغيرها من مدن الشمال التي لحقت بركب المسيرة التحررية وحطمت حواجز الخوف ودمرت حصون الاستكانة.

فالوعي السياسي والحقوقي إلى جانب تكسير جدار الرعب الذي ظل لعشرات السنين يسكن في الحنايا فضلا عن اتساع منطقة المجتمع المدني الذي يتشكل اليوم في مناطق لطالما وصمت بالقلبية المنكفئة على الماضي الرتيب، كل هذا جعل نظام الحكم يتهاوى ويدنو من نهايته التي ينسج معظم خيوطها هو بنفسه، من خلال حماقاته التي تتو إلى بشكل متسارع لم يسلم منها حتى اعراض النساء، علاوة على الدماء التي يريقها هذا الحكم على مذبح كرسيه الصدئ، وان اعتقد ان حذلقات اللحظات الاخيرة ومخاتلاته ستنقذه من مشنقة التاريخ التي ترتفع بقدر حجم برك الدماء التي تسيل وبمقدار اكوم الاموال التي ينبهبها هو وعصبته النفعية التي تزين له سوءاته.

وبالعودة إلى الموضوع بعاليه يظل الجنوب اليمني و(عدن) تحديدا وموروثه المدني، وثقافته التوعوية هي المنارة التي شعشع منها نور الحرية والانعتاق في ارجاء محافظات الشمال متسقا مع الهبة الشعبية العربية الجامحة، وايقظ الجموع على فجر جديد، تماما مثلما اتخذ منه الاحرار منطلقا في كفاحهم منتصف القرن الفارط. ويظل بالتالي حل القضية الجنوبية حلا يرضي ابناء الجنوب هو المفتاح للحل مثلما كانت هي مغلاق اي محاولة للحلول لا تلبي مطالب ابناء الجنوب بالحرية والانعتاق وحتى التحرر والاستقلال من هيمنة واستعمار سلطة استعمرت الشمال وطفقت تعمل الشيء ذاته بالجنوب منذ غداة الوحدة اليمنية عام 1990م ان جاز تمسيتها بالوحدة اصلاً.

بالمجمل نقول ان هذه الثورات ستظل للخير والإرتقاء (وضاحة)، مثلما كانت كل الثورات الشعبية للشر والاستبداد (فضاحة).

* قفلة مع الشاعر الثائر احمد مطر:

اثنان في أوطاننا
يرتجفان خيفة
من يقظة النائم:
اللص والحاكم

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى