هذه قصيدة قالها شاعر اليمن الكبير عبد الله عبد الوهاب نعمان ترحيبا بقدوم شاعر اليمن الكبير محمد محود الزبيري إلى عدن في العام 1944 هاربا من ظلم الإمامة في صنعاء. وفي القصيدة أيضا أبيات رائعة موجهة لشباب الأمة.. نشوان نيوز يعيد نشر رائعة الفضول:
أمُنحتَ من سيل الجحيم لسانا = أم صغت من لهب السعير مكانا
وربيتَ في أثناء حضن النارِ أم = كوَّنتَ من جمراتها إنسانا
أَمْ أنتَ صاعقةٌ تضجُّ أمِ احتوتْ = جنباكَ في أثنائها بركانا
أمْ أنتَ بركانٌ بنفسكَ ثائرٌ = يرمي لظى من جوفهِ ودخانا
لغةٌ بها خاطبتَ شعبكَ قائلاً = كُنْ غاصباً صعبَ المراسِ فكانا
لكأنما أفرغتَ في أعصابهم = حَمماً فأشعلَ منهمُ الأبدانا
كَلِمٌ من القلبِ الجريحِ نزعتها = ملأتْ فراغَ نفوسِهمْ إيمانا
كالنجمِ يملأُ من أشعتِهِ الدُنى = حتى تفيضَ.. ولمْ يزلْ ملآنا
لم يشهدِ التاريخُ قبلكَ شاعِراً = هزَّ اليراعَ فأيقظ الأوطانا
في كلِّ حرفٍ شعلةٌ مشبوبةٌ = تلجُ النُهى فتُصيرُها هيجانا
قلمٌ خلقتَ به لشعبٍ ميتٍ = روحاً .. وصغتَ له به وجدانا
منْ كان يأمل أن يراهُ لما بهِ = حنق العواطف ساخطاً غضبانا
عبثَ الطغاةٌ به فماتَ شعورُهُ = واستمرأ الآلام والأحزانا
حتى خلقتَ من الحماسِ وناره = في كل رأسٍ منهم شيطانا
فإذا الدماءُ تفورُ في أعصابهم = عطفاً على أوطانهم وحنانا
شعلٌ تَشِعُّ من الهتافَ كأنما = أضرمتَ بين ضلوعهم نيرانا
ويطيرُ من تصفيقهم شررٌ إذا = ما مسَّ صوتك منهم الآذانا
أنعشتَ أمَّتَكَ الضعيفةَ بعدما = صبرتَ على ألامها أزمانا
حملت لسانُكَ صوتَها فبَعَثْتَهُ = في الخافقينِ مدوّياً رنّانا
ووقفتَ تبعثها وتنشد عزها = وبذلتَ نفسكَ دونها مجانا
ومسحت بالكفِ الكريم دموعها = وأذبت قلبك للجراحِ دهانا
*****
يا فتية الشعب المضام أمثلكم = يرضى البقاء مدى الحياة مهانا
أولستم أبناء من دان الزما = نُ لهم و طأطأَ رأسَهُ إذعانا
عافوا الحياةَ ذليلةً واستعذبوا = الموت الزوآم وقاوموا الطغيانا
شلوا عروشَ الظالمينَ وشتّتوا = شملَ الطغاةَ ومزقوا التيجانا
وأمالهم طرباً صليل سيوفهم = فجفوا القيان وحطموا العيدانا
حفروا قبوراً بالسيوف وأشرعوا = سُمْرَ الرِّمَاحِ لينسجوا أكفانا
بذلوا النفوسَ الغالياتِ وشيَّدوا = لهمُ على هامِ الشُّمُوسِ مكانا
وبمجدهم غنَّى الزمانُ ورددت = حورُ الجِنانِ بِذِكرِهِم ألحانا
لهُمُ الجدودُ الأكرمون وأنتمُ = أحفادهمْ فتساندوا أخوانا
وعلى جلالة قدركم وإبائكم = هاتوا الدليل وإظهروا البرهانا
أينَ الكرامةُ والإباءُ وأينَ ما = الإسلامُ من شرفِ النفوسِ حَبانا
أنسام ذل العسف في أوطاننا = ونذوقُ من ألامهِ ألوانا
ونظلُّ مكبوتي العواطف خنعاً = سحقاً لنا إن لم نحل جبانا
أنَعُقُّ أُمّتنا ونحن نرى مآ = سيها وننظرُ ما تذوقُ عيانا
أنغُضُّ من أبصارنا عن بؤسها = ونصمُّ عن أنَّاتَها الآذانا
أَمِنَ المروءةِ إن تصاعد زفرها = فيكون في آذاننا ألحانا
مَنْ ذاكَ يرقصُ حولَ جثة = ميتٍ ويظلُّ يمرحُ عندها نشوانا
أو مَنْ يُداهن في قضيةِ أمةٍ = ويغضُّ عن ويلاتها الأجفانا
ويمد خنجره إلى أحشائها = ليكون في تمزيقها معوانا
إلا الذي باعَ الكرامةَ واشترى = خِزياً وتاريخاً له لعَّانا
ذَبح الضميرَ بمِديَة الأغراضِ واب = تذلَ الحياءَ لنيلها قربانا
إبكوا لأمتكم وفاء واسكبوا = دمعاً يبلُّ فؤادها الظمآنا
والدمع لا يذريه هتّانا سوى = من كان عن صون الحفاظ جبانا
لُمُّوا شتاتكُمُ لها وتكاتفوا = واسعوا إلى إعزازها أعوانا
وإذا غلى إعزازها فتآلبوا = وهبوا دماءَكُمُ لهُ أثمانا
لبيك يا وطني وما في قصدنا = شططا ولا ظلما ولا عدوانا
لا نبغ يا أوطان فيك حضارةً = كلا ولا عَلماً ولا ألوانا
نبغ احترام الحق والأعراض لا = نبغي أساطيلاً ولا طيرانا
ونريد أن تُعطى النساء ويمنح ال = أطفال من عبث الجنود أمانا
ويكون صيتُ الملكِ سِلماً فيك لا = حرباً على الشعب الفقير عوانا
فإلى متى وعِصِيّه وأكفُّهُ = تُدمي الظهورَ وتقصفُ الأبدانا
عبثوا بأمتهم كما شآءوا وما = عرفوا بها شرعاً ولا قرآنا
لا ننثني أبداً فإما أن ين = ال الموت منا أو ننال منانا
ستظلُ تكدحُ في الجهادِ عقولنا = حتى نرى عرضَ الضعيفِ مصانا
والظلمُ لا يبقى على حالٍ إذا = ألفى الأُباةَ وصادفَ الشجعانا
الشاعر: عبدالله عبدالوهاب نعمان