الثَّورةُ عملٌ إبداعيٌ يقوم على فلسفةِ الهَدمِ، والبناء، والتجديد، و التطوير. وهي إجراءٌ مستمرٌ متجددٌ لا يتوقف؛ لأَنَّ الحياةَ تُراوِحُ الزَّمَنَ بينَ الثَّابتِ والمتحوِّل؛ لتحقيق عملية الحركة المستمرة، الفطرية، التي فرضها الله على الإنسانِ والحياة والكونِ في ظلِ القانون والنَّاموس الذي يهيمنُ على كوننا الجميلِ هذا. والثَّورة على صعوبة إرهاصاتها، وعِظَمِ نتائجها، هي إبداعٌ إنساني يبدأ بِحُلُمٍ صغير.
والمسافةُ بينَ الحُلُمِ والثَّورة هي مِقْدَارٌ إنساني اتجاهي وليسَ رقمي رياضي من الصَّولةِ والتَّصْمِيْم لا يعرفُ الورائيَّة والنَّظر إلى الأمسِ والخلْفِ؛ إلَّا مِنْ وجهةِ العزم على هدمِ البُنيويَّة الورائية، واسْتحثاتِ ذلكَ المقدار الإنساني إلى تقليص تلك المسافة. وعلَّةُ الثَّورةِ تدور في أساسها حول أركانِ وأسبابِ إقامة سُبُلِ المعاش في الحياةِ التي تعطي الإنسانَ كينونةَ المخلوق الطبيعي في الحفاظ على إستمرارية الحياة، وديمومة أداء الحقِّ والواجب التي استلزمته حينَ قبلَ الأمانةَ، وكاستحقاقٍ طبيعي لتكاليف البقاء والإستمرارية والديمومة حينَ ارتضى القيادة والرِّيادة في هذا الكون كسيِّدٍ عليه لخصوصية موهبة العقل.
ولهذا فإنَّ الثَّورةَ لاتعرفُ الحلول الوسط؛ كمشروع تغييري يقوم على فلسفة الهدم والبناء والتجديد والتطوير، يسعى في أهدافهِ الأخيرة، ومقاصدهِ الغائية إلى تغيير الإنسانِ ذاتِه.. ضمنَ المشروع التغييري الحياتي لتيسير ظروفه وتسيير موضوعه الإنساني، للإنسان وحده.
الأزمةُ هي ظرفٌ إخفاقي إجرائي يحدثُ في التسلسل الإجرائي ضمن العملية الحياتية للإنسان كمشروعٍ جامعٍ، موضوعه كل عناصر الواقع الإجتماعية، والإقتصادية، والثقافية، والسياسية مع مايُدَاخِلُ هذه العناصر الأساسية من شُجُونٍ وتفريعات منطقية. ومن ذلك التصوُّر... يمكن معالجة أيَّ أزمة طارئة؛ إمَّا بأدواتٍ توفيقية، فيما لو كان أطرافُ العملية المعنية المتحاورون جادِّينَ في المعالجة؛ وإمَّا بترقيعاتٍ تلفيقية بينَ الأطرافِ المعنية كمناورة لمناصفة المشروع الحياتي الجامع؛ بعيداً عن موضوع، وأُس ذلك المشروع الحياتي الجامع الموجَّه للإنسانِ وحده. قد تظهر الأزمات على العملية السياسية كمشروع جزئي، أو على أي عنصر من عناصر المشروع الحياتي الجامع للإجتماع المدني، أو الكتلة الإنسانية، في جغرافية الإنسان كدولة؛ وقد تأتي مجتمعةً يتداركُ بعضها بعضاً، نتيجةَ تراكم الإخفاقات في العناصر، والقفز فوق الواقع، وغض النَّظر حول تدهور إمكانيات بقائه واستمراره.
هنا لا بُدَّ مِنَ الثَّورةِ ! أَنَّ الثَّورةَ تأتي نتيجةً لتراكمات تلكَ الأزمات (في اليمن )، كنهاية سببية منطقية لتلك الإخفاقات، والقفز فوق الواقع، وغض النظر حول تدهور إمكانيات بقاء الواقع واستمراره. لهذا فإنَّ الثَّورة لا تعرفُ الحلول الوسط سوى التغيير هدماً لواقع متدهور رثٍ ساقط، وبناءاً لواقع مختلفٍ جديد مبدع!
وهي خيارٌ إنساني محض، يسعى لتحقيق المقاصد الحقيقية لمشروع الحياة. وهي عمليةٌ نفسية مرهقة.. متعبة.. ومُهْلِكَةٌ للنفسِ والرُّوحِ والبدن؛ ولا يصلُ الإنسانُ أَوجَ مسالكِ الثَّورة، إلَّا بَعْدَ إنزلاقاتٍ في أبعاد سحيقة في بئرٍ سحيق. ولهذا ترى القوَّامين بالثَّورة لنْ يأبهوا شيئاً. ليسَ لديه ما يخسر. لأَنَّهُ في الأصلِ لمْ يبقَ لديهِ إلَّاْ أَنْ يموتَ بطلاً وشهيداً، أَوْ أَنَّ ينتصرَ باسماً ورشيداً!
وهيَ خيارٌ طبيعي طلباً للتغيير بواسطةِ أساليبِ الهدمِ والبناء؛ لا يقفُ الإنسانُ في سبيلِ تحقيق مقاصدها، عند حدٍ ومنتهى، سوى حدود التحقُّق، وسوى منتهى المقصد.. من لحظةِ قبسِها في النَّفسِ، واشتعالِ فتيلها في الرُّوح، وانفجار ضوئها في البدن عند الثُّوار! لهذا.. لا غرابةَ أنْ تَجِدَ الشَّبابَ يواجهونَ الرَّصاصَ الغَادرَ حلاً يَراهُ صاحبُهُ لإخْباتِ القَبسِ وإطفاءِ الفتيلِ وكبتِ الإنفجار بقَسَمَاتِ وجهٍ باسمٍ.. بَطَلاً، وبالتفافةِ مَلَكٍ يسعى إلى السماء .. شهيداً! فثِقُوا جيَّداً أَنَّهم لأسبابٍ كتلِكَ.. لنْ يُخْفِقُوا، وسينتصرون لا محالة.. ثِقْ جيَّداً يا صديقي!.. فاتركوهم.. فهم يعرفونَ ماذا فقدوا؛ وماذا يريدون.. بلْ وَمُدْرِكِيْنَ كيفَ الوسيلة لِيَحُوزُوا ما فقدوا، وكيفَ الدَّليل لِيستحوذِوا على ما يُريدوا!..
الثَّورةُ لا تعرفُ المبادرات!.. " واللهِ يَاْعَمُّ لوْ وضعُوا الشَّمسَ فِيْ يمِينِيْ والْقَمَرَ فِيْ يَسَاْرِيْ علىْ أَنْ أَتْرُكَ هذا " الأمرَ ما تَرَكْتُهُ، حتَّى يُظْهِرهُ اللهُ، أَوْ أهلكَ دونهُ !" محمدٌ .. لا يعرفُ المبادرات!.. الثَّائرُ العربي الأوَّل ! صَلُّوا عليه. صاحبُ الرِّسالة الثَّورة، والثَّورةُ الرَّسالة الذي بدأ واحداً وانتهى أُمَّةً. لماذا؟ لِأَنَّ الثَّورةَ لا تعرفُ الحلولَ الوسط،واللونَ الرَّمادي، والمبادرات! صلُّوا على الثَّائر العربي الأوَّل!
شُجُون مِنْ قلم
عبدالكريم عبدالله عبدالوهاب نعمان
مهندس معماري واستشاري - حزب البسباس
فرجينيا الولايات المتحدة الإمريكية