كثر في الآونة الأخيرة الكلام بحضرموت عن (الجنوب العربي) ، وحتى تستبين الأمور للكثير من الناس لاسيما الشباب اليوم الذين يردد البعض منهم مالا يفهمون ولا يعون ، لذا أحببت أن أوضح بعض الحقائق التاريخية التي أدت إلى قيام الجنوب العربي في زمن الاحتلال البريطاني ، حتى يكون هؤلاء على بصيرة ثم يضعون حكمهم.
ومن أجل هذا فقد تواصلت مع بعض الأخوان الذين لهم اهتمامات بذلك التاريخ ، و اطلعت على بعض المراجع ومنها كتاب سياسة بريطانيا بعدن / للكاتب المصري (جاد طه) وكتاب الصراع في عدن / للكاتب الكويتي (شاكر الجوهري) وكتاب ميثاق الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل وتوصلت إلى الآتي:
- من المعروف أن الأصل في سياسة بريطانيا الاستعمارية هو الاعتماد على سياسة (فرق تسد المشهورة) ولكن في جنوب الجزيرة العربية بدأت تفكر بسياسة (وحد تسد) وهذه السياسة التي طبقت فعلاً في عام 1959م حين عملت على تشكيل (إتحاد إمارات الجنوب العربي) كاتحاد فيدرالي لأكثر من 20 وحدة سياسية يرأسها حكام محليون يطلق عليهم السلاطين أو الأمراء أو المشايخ بعد أن عقدت معها معاهدات بعد الاحتلال مباشرة والتي بموجبها تُفرض الحماية الاستعمارية عليها وقبولها المشورة والوصاية البريطانية وتعيين مستشار بريطاني مقيم كل هذا من أجل الحفاظ على مصالحها وأمنها واستقرارها بالمنطقة وقد قسمت هذه الوحدات إلى قسمين:
المحميات الغربية: لكثرتها تناولت أهمها:
1. سلطنة لحج وعاصمتها الحوطة ، 2. سلطنة الفضلي بأبين وعاصمتها ميناء شقره ، 3. سلطنة العوذلي ويقيم سلطانها بلودر التجارية وعاصمتها ديمان 4. يافع العليا وعاصمتها المحجبة ، 5. يافع السفلى وعاصمتها القارة أو القاهرة ، 6. العوالق العليا وعاصمتها نصاب ، 7. العوالق السفلى وعاصمتها أحور ، 8. الحوشبي وعاصمتها المسيمير ، 9. إمارة الضالع وتتكون من عدة فخائذ وعاصمتها الضالع ، 10. إمارة بيحان أهم قراها القصاب وكحلان والحجب.
•المحميات الشرقية:
1. سلطنة الواحدي تقع على جانبي وادي ميفع وهي جارة للعوالق شمال شرق وجنوب غرب حضرموت وعاصمتها حبّان وميناؤها بلحاف وآخر يسمى بئر علي ، 2. السلطنة الكثيرية / تمتد من العوالق غرباً إلى المهرة شرقاً ويحدها الربع الخالي شمالاً والبحر العربي جنوباً وكانت تتبعها المكلا والشحر ولكن الانقسامات والحروب الداخلية أدت إلى تدخل اليوافع وأصبح جزءا كبيرا من أراضيها تحت نفوذ الكسادي والقعيطي ولم يبق لها أي مواني بحرية . 3. السلطنة القعيطية / وتحتل مساحة كبيرة جنوب السلطنة الكثيرية وتقع ضمن أراضيها المكلا والشحر وهما أهم مواني حضرموت ، 4. سلطنة المهره في قشن وتقع شرق حضرموت وعلى حدود عمان.
- وبعد ضم عدن إلى هذا الاتحاد عام 1962م تم تحويل اسم هذا الاتحاد إلى (اتحاد الجنوب العربي) وقد عملت بريطانيا على الدفع بهذا الاتحاد إلى المجالات والمحافل الدولية للاعتراف به للتلويح باستقلال وهمي.
- وبموجب اتفاقية هذا الاتحاد تتحمل بريطانيا السياسة الخارجية لذلك الاتحاد ، ثم أنشأت القوات المدنية من القبائل كجيش للإتحاد العربي ويقوده ضباط بريطانيون وبمساعدة آخرين محليين.
- لم يحظ هذا الاتحاد بترحيب عربي حيث وصفته الدول العربية بأنه استعمار جديد لتجزئة العالم العربي وضرباً للوحدة اليمنية.
- أما موقف الحركات التحررية الوطنية بعدن فقد كانت أكثر شدة في معارضته حتى حزب (رابطة أبناء الجنوب العربي) عارض هذا الاتحاد وتمنى أن يشكل اتحاد على أسس واضحة تضمن مستقبل المنطقة ، إلا أن القوى الوطنية الأخرى شككت في ما عرضته الرابطة ولو أنه يظهر بطابع وطني.
- استمرت الحركات العمالية والوطنية في الجنوب في المعارضة ، وبدأت الاحتجاجات الشعبية وتطورت إلى الإضرابات والمسيرات وبدأ الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني (وبصرف النظر عن ما حصل من صراع بين القوى والفصائل الوطنية قبيل الاستقلال لأنه ليس موضوعنا) المهم أن الاستقلال جاء في 30 نوفمبر 1967م وأعلنت الجبهة القومية عن قيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية بدلاً من اتحاد الجنوب العربي ثم تحولت إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية حتى وقعت الوحدة.
- وترى القيادات الاشتراكية التي تعاقبت على حكم الجنوب بأن الجنوب جزء لا يتجزأ من الوطن اليمني الكبير، وأن ثورة 26 سبتمبر هي الثورة الأم والمنطلق الأول لثورة أكتوبر بالجنوب ، وفي السبعينيات قام الرئيس الجنوبي سالم ربيع علي (سالمين) بأول خطوة نحو الوحدة اليمنية مع الرئيس السابق في شمال اليمن (إبراهيم الحمدي) يرحمهما الله ومنذ ذلك الحين ناضلت هذه القيادات ورفعت شعار تحقيق الوحدة اليمنية حتى هيأ الله الظروف وسخر الأسباب لإقامتها في 22 مايو 1990م ولو أن هذه القيادات اختلفت على كيفية إقامتها.
- بقى أمر هام وهو أن يعرف ويعي جيداً شباب اليوم حقيقة هذا التاريخ المرير وليتذكروا حمامات الدم التي سفكت والأرواح التي سفكت في غير مكانها داخل الجنوب إثر الصراعات المؤسفة التي حصلت بين التيارات المختلفة خلال الفترات الماضية.
أخيراً أقول للداعين بإعادة الجنوب .. أي الجنوب تقصدون .. الجنوب العربي أو جنوب الجزيرة العربية أو الجنوب اليمني ضمن الوحدة الحقيقية المستقبلية التي ننشدها بعد سقوط النظام .. ألا نخشى في ظل الجنوب العربي أن تثار المطالبة بإعادة التكوينات السابقة للجنوب وثقافتها أم أن ذلك تاريخ قد عفى عليه الزمن ؟! مع احترامي لجميع الآراء والاتجاهات.