أضاع الرئيس اليمني فرصا عديدة للخروج الآمن والمحترم من الحكم، وبشكل مختلف عن الرؤساء العرب الذين واجهوا، أو يواجهون، زلزال المنطقة السياسي في دولهم. كان بمقدور صالح، ويوم أعلن أن «لا تصفير للعداد»، أن يعلن عن انتخابات مبكرة هذا العام، ويسلم مقاليد السلطة، وبدون وساطات، ويخرج بشكل مختلف عن بن علي ومبارك، لكن صالح قرر المناورة كعادته.
وها هو الرئيس يضيع المبادرة الخليجية، مبادرة طوق النجاة لليمن وصالح نفسه، رغم كل التعديلات التي طرأت عليها استجابة لشروطه التعجيزية، متناسيا أنه بات وحيدا ولم يعد معه أحد. فالمبادرة الخليجية هي مبادرة جميع دول مجلس التعاون، ومدعومة من الأوروبيين والأميركيين، وهذا يعني أن صالح بات بلا غطاء دولي، وهذا أمر يصعب من حكم اليمن، خصوصا أن الأنظمة العربية الأخرى التي من الممكن أن يستعين بها الرئيس صالح للالتفاف على الخليجيين والغرب، مثل ليبيا القذافي أو سوريا، لا تستطيع اليوم مساعدة نفسها حتى تساعده. وهذا خارجيا، أما داخليا فقد انفض الجميع عن صالح، بل ها هو الشيخ الأحمر يتعهد بإخراجه حافيا من البلاد، ورأى صالح بنفسه أن السلاح لن يحميه، حيث استطاع خصومه احتلال مبان حكومية مهمة في صنعاء بكل سهولة، فما الذي بقي حتى يقتنع الرئيس بأن الخروج باحترام هو أفضل حل؟
أمر عجيب أن يكون أمام الرئيس اليمني كل الفرص للخروج باحترام لكنه يقرر الاستمرار في طريق مسدود يستخدم فيه كل الحيل، ومن أطرفها ما فعله قبل فترة حين عمد لإجلاس رئيس تحرير صحيفة سعودية إلى جانبه أثناء إحدى خطبه، وأخذ يتحدث معه ليوحي لخصومه اليمنيين بأن للسعودية موقفا مختلفا عن باقي الدول الخليجية، فقط لأن رجلا يرتدي الزي السعودي يجلس إلى جانبه أثناء حديثه للمتظاهرين، وبالطبع تحول الموقف إلى تندر بين السعوديين أنفسهم قبل اليمنيين!
المحير في الزلزال السياسي بمنطقتنا اليوم أن قلة تعلمت مما يحدث حولها، بينما نرى الأنظمة في سوريا وليبيا واليمن لا تزال رافضة لاستيعاب ما يحدث، والقاسم المشترك بين تونس بن علي، ومصر مبارك، وسوريا، وليبيا، واليمن، أنهم جميعا تلكأوا في تقديم الحلول، وبالطبع لا يمكن أن يعزى الأمر إلى العناد فقط، بل لأن معظمهم معزولون عن حقيقة ما يجري في الشارع. وسأروي هنا قصة قد تلخص الكثير، فعندما أعلن مبارك عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية أثناء ثورة 25 يناير سأله أحد زواره «من سيترشح بعدكم يا فخامة الرئيس؟»، فقال مبارك: «عمر سليمان»، فأضاف الضيف: «هل تتوقع أن يفوز؟» فقال مبارك: «آه.. وبكل سهولة»! فهل هذا حديث من يعلم ما يدور خارج قصره؟ بالطبع لا!
ومن هنا نقول إن ما لا يريد الرئيس اليمني التنبه له هو أن جميع الحيل قد استنفدت، وأن مؤيديه يتناقصون، ولم يخرج هو نفسه في الجمعة الماضية. فهل يعقل أن صالح، وبعد أكثر من ثلاثة عقود في الحكم، يريد أن ينتهي إلى الخروج بشريط صوتي، على غرار القذافي، ليقول إنه مختبئ في قلوب الملايين؟
أمر محزن بالفعل!