تتحدث قيادات المشترك عن اتفاقها مع السلطة على أنَّ توقيع المبادرة الخليجية يعني (ذهاب الرئيس عن السلطة) وتكليف النائب (بما يعني نقل سلطات الرئيس إلى نائب الرئيس) ثم (تشكيل حكومة مؤقتة ترأسها المعارضة (المشترك)) وعلى أساس (50% من المشترك مع بقاء 50% من قيادات المؤتمر) في هذه الحكومة المؤقتة , وعلى أن تنجز مهام (تعديل الدستور) (إجراء الإنتخابات النيابية) خلال ستين يوماً , من إنجاز نقل السلطة لنائب الرئيس التي تم تحديدها بشهر كامل.
فلماذا يسعى المشترك لتحقيق مكاسب سياسية ويهدر دماء الشهداء وأهداف الثورة؟!
ففي هذا الاتفاق الذي يقوده (المشترك) مخاطر كثيرة جداً أهمهما :-
أولاً:- إن هذا الإتفاق يُجهض تماماً وبشكل كلي (الثورة وأهدافها) التي نادت بإسقاط النظام , إذ يسعى (المشترك) إلى (بقاء النظام) من خلال هذا الإتفاق مقابل حصول المشترك على مكسب (خمسين في المائة) من مقاعد الحكومة المؤقتة (في البداية) مع حصوله على رئاسة هذه الحكومة.
ثانياً:- إنّ (بقاء النظام) وإدارته للأحداث مع (المشترك) سيكون له تأثير سلبي كبير على النتائج في كل المجالات, وبخاصة وأن النظام يمتلك (المال) و(القوة) و(وسائل الإعلام) في حين أن الفترة القصيرة للمشترك في السلطة المؤقتة ستكون غير ملائمة لإحداث تغيير كبير في هذه المجالات الثلاثة.
ثالثاً:- كل السلبيات التي سيتم ظهورها بدءاً من (إجهاض الثورة الشبابية وأهدافها) ناتجة عن فهم المشترك لإسقاط النظام بأنّه يعني (إسقاط الرئيس) فقط، وهذا يعني بقاء (النظام نفسه) في كل المرافق والمؤسسات كما هو ماعدا (50%) من أحزاب المشترك في الحكومة، وهذا غير صحيح فليس بيننا وبين الرئيس وأسرته عداء شخصي, فالثورة تستهدف منظومة فاسدة وليس أشخاص محددين.
فهل ثرنا من أجل أن يحصل المشترك على تلك النسبة؟؟!!!!.
إن ذلك التصرف من قبل المشترك يعني (البيع بثمن بخس) لدماء الشهداء, وللجرحى والمعوقين من الشباب, ولمختلف طوائف وشرائح المجتمع الذين قدموا الكثير من التضحيات لتحقيق أهداف الثورة.
فهؤلاء كلهم يتخلى عنهم (المشترك) وفي مقدمة المشترك الحزبين العريقين (الإصلاح) و(الاشتراكي) وليس تخلياً محترماً, ولكنه التخلي الذي يبرز مثل البيع في سوق النخاسة (سوق الرقيق).
رابعاً:- إنّ أي إنتخابات قادمة فيها إحتمالات كبيرة جداً على ضوء ماسبق في البند (ثانياً وثالثاً) أن يحصل النظام على 51% من الأصوات وهذا يعني أن يتفرَّد المؤتمر بالحكومة.
والاحتمال الآخر وهو كبير أيضاً أن يتشارك المؤتمر الحكومة الأساسية بعد الإنتخابات مع المشترك (50% + 50%) أو (49,5% + 50,5%) أو ماشابه ذلك وهذا يعني بقاء كل هذه القيادات التي قتلت وسفكت وعاونت وأشارت وأوصت وصرَّحت وكذبت في كل المراكز التي تشغلها إن لم يكن في معظمها وبالتالي بقاء الفساد بمختلف صوره وأنواعه فنكون قد عمقنا جذوره. فلماذا ثار الشباب وماذا يريدون؟؟؟؟.
أم أنها ثورة مراكز قوى والشباب والمستقلين كانوا المطية التي ركبوا عليها؟؟؟؟
فماذا تريد الثورة ؟؟؟
إسقاط النظام وبناء الدولة اليمنية الحديثة:
- إسقاط النظام يعني سقوطه كنظام من رأس النظام حتى كل رموزه العائلية والسياسية والإعلامية والحكومية الفاسدة التي أرهقت البلاد والعباد، وغيرها (التي شاركت معه في الموقف ضد الثورة وظلّت معه سياسياً وإعلامياً ووقوفاً في كل أحوال القتل والحرق والحرب ضد الشعب اليمني الثائر)، أما من كان خارج دائرة الفساد والقتل فلا يوجد ما يمنع من بقائه.
- هذه الثورة التي تهدف لإقامة دولة مدنية حديثة تقوم على مبادئ العدل والمساواة وترعى حقوق ومصالح الشعب، وتنطلق من قيم أخلاقية في الحكم والسيادة.
- دولة تتسم بالتسامح والتساند والتعاون وقبول الآخر، والمساواة في الحقوق والواجبات من أجل العيش المشترك ، وذلك بديلا عن الحالة القائمة على الفوضى والفساد وطغيان الأقوى، هذه الحالة التي تحكمها مشاعر القوة والغضب وحب التملك والسيطرة، وهى ثقافة تتأسس على مبدأ الاتفاق ويبنى تبادل السلطة فيها على النظام لا على الفوضى، وعلى السلام لا العنف، وعلى العيش المشترك لا العيش الفردي، وعلى القيم الإنسانية العامة لا على القيم الفردية أو النزعات المتطرفة.
- فالدولة المدنية التي تهدف الثورة لتأسيسها هي الكفيلة بسيادة الروح التي تمنع الناس من الاعتداء على بعضهم البعض، من خلال تأسيس أجهزة سياسية وقانونية خارجة عن تأثير القوى والنزعات الفردية أو التسلطية أو المذهبية، وقادرة على تنظيم الحياة العامة وحماية الملكية الخاصة وتطبيق القانون على جميع المواطنين بصرف النظر عن مكانتهم وانتماءاتهم، وهي بذلك تتصف بأنها دولة قانون ترسي مبادئ العدل والمساواة وتجعل من القانون أداة تقف فوق الأفراد جميعا.
- وهي دولة تقوم على الديمقراطية الحقيقية التي تمنع من أن تؤخذ الدولة غلاباً من خلال فرد أو نخبة أو عائلة أو نزعة أيديولوجية، كما أن الديمقراطية وسيلتها للحكم العقلاني الرشيد وتفويض السلطة وانتقالها، وهى وسيلة للارتقاء الدائم بالمجتمع وتحسين ظروف المعيشة فيه، وبنوعية الثقافة الحاكمة لعلاقات الأفراد وتفاعلاتهم، وبمعنى مختصر إنها الطريق نحو التقدم الدائم بمنظومة حياة حديثة تمنح حياة الناس الخاصة طاقة وجودية وإيمانية تقوم على مبادئ الأخلاق، وحب العمل، وحب الوطن والالتزام الأخلاقي العام، فتمثل بذلك كله إرادة المجتمع.
فهل يعي المشترك كل ما تقدم ذكره ؟!
وهل المشترك قادر على مواجهة (التاريخ) بإيجابية ؟! وإحترام هذه الثورة وأهدافها ؟!!
فماذا يريد المشترك إذاً ؟!
يدفع بالشباب للموت والقتل والحرق ثم يذهب (رأس النظام) وانتهى الموضوع؟! لماذا الثورة إذاً؟! إذا كان المشترك يريد ذلك فقد عرض الرئيس تسليم السلطة قبل آخر 2011م بدون تضحيات وبدون قتال ونهب وضياع البلاد وتمزقها طوال هذه الأشهر.
إن المشترك يعلم تماماً إن الاتفاق لا ينص سوى على (نقل السلطة من الرئيس إلى نائب الرئيس) فقط بدون أي إشارة لإقصاء رموز النظام وآلياته الفاسدة.
فأي إجراءات تحقق أهداف الثورة هي المطلوبة وبوضوح, بالرغم من إيماننا أن الخطوة الأساس هي في رحيل النظام ورموزه أولاً بدون أي قيد أو شرط، ثم بعد ذلك تأتي مرحلة البناء للدولة المدنية بكافة أجهزتها بما في ذلك الجهاز القضائي النزيه العادل، وعبره تتم المحاكمة لكل من يُدان ويثبت تورطه في القتل والنهب والفساد وبالطرق القانونية وبمحاكمة عادلة، سواءً أكان ممن وقف مع النظام أم كان ممن أيد الثورة ودعمهما أو ممن ظل محايداً مترقباً.
فلا يوجد شخص أو أسرة أو فئة أو حزب فوق القانون كائناً من كان ومهما كانت مكانته، حتى وإن كان ممن دعم الثورة ساهم في نجاحها فحقوق الآخرين لا يسقطها الانضمام للثورة، فكل الناس سواسية أمام القانون، كما أن الثورة ليست مغسلة, وهنا فقط وفي ظل قضاء عادل ونزيه ومستقل يتحقق (العدل) في ظل هذه الدولة المدنية التي ينشدها الثوار.
هذه هي البداية الصحيحة لبناء (المجتمع المدني والحكومة المدنية, والمواطنة الحقيقية التي يخضع فيها كل الناس للقانون فقط).
وهنا يبرز تساؤل: أي حكومة مدنية نريد مع بقاء النظام؟؟؟
لماذا يكذب المشترك على الشباب, وماذا سيكون موقفه من مئات الشهداء الذين سقطوا في ساحات الحرية والتغيير الذين تجاوزا 400 شهيد, ومئات الشهداء الذين سقطوا من أنصار الثورة في صنعاء والحيمة وأرحب ونهم والبيضاء ويافع، وآلاف الجرحى والمعوقين من الشباب – طبعاً حتى الآن – وقرابة 200 شهيد سقطوا من المواطنين في مصنع أبين بسبب الثورة وتداعياتها , وبين كل هؤلاء عشرات الأطفال والنساء ,ومازال القصف والقتل مستمراً ومازال المئات وربَّما الآلاف في السجون والاختطاف أو مفقودون, هل هذه هي (المسئولية التي تحمّلها المشترك) ؟!
وهل يعلم المشترك أن موافقته تلك (مع النظام) من جهة, ثم حضوره إلى الشباب من جهة أخرى والقول لهم افعلوا ما شئتم - (نحن وقعنا تكتيك !!،ونحن نفاوض تكتيك!! )- أن ذلك دفع للشباب للمحرقة تلو المحرقة, وبيع للشهداء وللدماء بثمن بخس, بل وتخريب للبلد طوال هذه الأشهر بدون أي جدوى سوى مكاسب للمشترك فقط هذا من ناحية،ومن ناحية أخرى إهدار لأهداف للثورة وتمديد في عمر النظام، وأن استمراره بذلك يعود بالمزيد من الدمار والخراب على البلاد، أم أنهم فاقدو الإحساس.